حِينمَا أعُودُ للتفكِيرُ بِما مَضى.. حَدثَ كُلُ شيءٍ حِينما كُان عُمرِي إحدى عشر..صَيفٌ مَا كَان قَد أتى وَ هو يَجُّر بِكَ مَعه، حِينما كُنتُ أجلِسُ في أجُوبُ باحَةَ منزلي، بِكتابي بين يداي أقرأُ كأنني أرتَشِفُ مِن تِلك السُطور نَغم الحَياة، سَمعتُ ضَوضاءٌ تَسكُبُكَ بين ثنايها.. أولُ ما وَقع بَصري عليهُ كَان عَيناك البراقتَان اللتان تُحُدقان بِي بِلهفةٍ جَسِيمة، تتبَعُ جَسدي الذِي لا يَعِرفُ كَيفَ يلتَمِسُ مِن الأرضِ صَمته
أجُوبُ فِي الباحَةِ كَدُودةٌ فِي الخَندق، وَ تُحدِقُ بِي كَطائِرٍ لَمّ يلمَس فاهَهُ يومًا مأكل..
تَبتَسِمُ بِوسعٍ و أرى نوافِذًا بين أسنانُكَ البيضاء، ترتَكِزُ على عُكازٌ مِن الأمل وَ ترفعُ قَدمُكَ المَكسورةُ ببلاهةٍ بينَما أراكَ تَقِفُ قُرب السيارةُ التِي تَرجلت مِنها، عَلِمتُ باطِنًا أنكَ مَدعاةٌ للألم، وَ دَعوةٌ نَحو الشَجنّ.. عَلى طَرِيقٍ يَطفُو بِه الحَجَر
عَلِمتُ وَ علِمتُ وَ لم يسعنِي إلا أنّ أراك تَقتَرِب، كَهرِةٍ تَدنُو نَحو الحُنُّوِ وَسط كُلُ هَذا الجَزع..
"جِونقكوك! إلامَّ تُحدِق يا صغيري؟ لا تَقِف طَويلًا هيا للداخِل"
حِينما سَمعِتُ والدِتُك تَندهُ باسمُك، بِذاك الصَوتُ الرَهِيف.. وَددتُ حِينها أنّ أقِفَ فِي صَعصَعةُ كَوكَبي أستَمِعُ لها عُمرًا مَديدًا لا يَلمسهُ الفَناءُ بِظلِه، يَداها اللتَان كَوضوحُ الشَمس تَغليان بالدِفئُ تَلمسُ وَجنتاكَ المُحمرة..
حِينها شَعرتُ أنني أُغبطُكَ لِوجُودها، كَطفلٌ غَيور وَددتُ أنّ أبكِي، لأنني كُنتُ على يقينٍ بأنني مَهما فَعلت، وَ أينما ذَهبت.. لَن تَندهَ لِي والدتِي كَما تَفعلُ والدِتُك
لَكِن حَتى فِي دَهالِيزُ ذِهنُ غِرٍ يافعٌ مِثلي، لَم تُمطِر سماءُ البُغضُ نَحوك، وَددتُ قُربُك، لأنني أردتُ أنّ تُلمَس وَجنتايّ بذلِكَ الدِفئُ أيضًا، أردتُ أنّ أكُون صَغيرُ أحدهُم أيضًا..
وَ مع مُرورُ الأيام، أراكَ عُدتَّ لترتَكِز على قدماك، مَنزِلنُا بِقربُ مَنزِلُك، النَافِذةُ بالنَافِذة، في سَخيمُ الليل كَان جَسدِي يَجلِسُ بِهدوءٍ شديد.. يَنظرُ لَك كَيف تبتَسِم وَ تنغَمِسُ فِي كَونُكَ نفسُك، وَ في تمام التاسِعة، يَطرُق الحَنين وَ الحُنُو بابُك، وَالداك يَضُمانِكَ فِي فِراشك، وَ ألمسُ زَمهريرُ الوِحشةُ يَحتشِد على جَسدي كَما تَحتشِدُ النُجوم وَ الكواكِبُ سماؤك
أبتَسِم.. لأنّ قلبي الصَغير قال لِي، يومًا مَا.. لَعلي سأكُون بِمكانُك..
أنت تقرأ
كِنفُ الفَضاء
Fanfictionلَم أُبغِض أحدًا يومًا بِقدرِ ما أُبغِضُك، لَم أُرد أنّ أمشي فِي طريقٍ مشيتَ بِهِ يومًا بِقدمُك.. لَكِننا بائسين، إلى النُخاع.. فِي الفَلَكِ تَصادمت شَظايَا أقدارُنا، وَ أمسى علينا النجاةُ سويًا وَسط حِصارُنا في الفضاءُ القاتِم، لا أحد يستطيعُ سماعُ...