اشرقت شمس الصباح معلنة بداية يوم جديد، لتبث نورها وضياءها في ارجاء القرية، تحيي اهلها الطيبين فردا فردا، بيتا بيتا، ولم تلبث لحظات معدودات حتى شرعت شوارع و اسواق هذه القرية الصغيرة المنزوية في مناطق مهملة من الشمال الغربي الاقصى لاميريكا الشمالية والتي تدعى "روكيا" ، تكتض بالناس شيئا فشيئا ، ضحكات الاطفال في المنتزهات، وروائح اشهى الاطباق الفواحة الموضوعة على الطاولات، وزقزقة العصافير ، وخرير مياه النهر المار بالبلدة تتراقص حوله بتلات الازهار الزاهية مع نسيم الربيع العليل، كان هذا جل ما يراه الزائر حين ينطلق في سباقه ضد الوقت محاولا بقدر المستطاع التمتع بالمناظر الخلابة و تجربة كل شيء قبل ان تغمض القرية اعينها، لكن لم تكن تلك الضحكات، ولا تلك الوجوه البشوشة، الا قناعا وستارا يخفي ما وراءه العجب.
بينما كان الجميع يستمتع بوقته في هذا الجو الربيعي بديع الجمال، استيقظ ابطال قصتنا على صوت خشن يصم الاذان، فانتصب الاولاد السبعة في تلك الغرفة المليئة بالاقذار، منتظرين الاوامر بوجوه خالية من المعالم، ليعاود ذاك الصوت التحدث من جديد يملي عليهم مايفعلونه و كانهم روبوتات جار برمجتها. "خطأ واحد لتجد نفسك في الهاوية"، علقت هذه العبارة فوق كل الابواب و مختلف الشاشات محذرة تلك الوجوه البريئة من ان تقترف، لا بل حتى التفكير في اقتراف خطأ ما، غير الجميع ملابس النوم الى اخرى يومية ولا يزال ذاك الصوت البشع يثرثر، وبدون سابق انذار تغير الصوت الى اخر حازم صارم و فخم قائلا :"رقم 76 ورقم 84 الى الغرفة 600 حالا"، فاستجاب المعنيان بخطوات متثاقلة ولم ينبسا ببنت شفة، فتح الباب الحديدي الصدأ ببطء شديد ليتقدم كلاهما في ذاك الرواق المظلم الذي يرعب النفوس، وماهي الا ثواني حتى خرج بقية الاطفال و انعطفوا من اليمين ... يمر الوقت ببطء ليصدر ذاك الصوت مجددا يحثهما على الاسراع بنبرة غاضبة نسبيا، خمس دقائق .. سبع دقائق .. عشر دقائق، مرت نص ساعة ولم يصلا بعد ، لتاخذ الفتاة بابطاء سرعتها وقد نال التعب منها، فصدح صوت غاضب في الممر المتهالكة جدرانه: " رقم 84 اسرع اكثر لا وقت لدينا لتقاعسك!" عندها توارى الفتى مساعدا ايها على الاسراع الا انه لم يسلم هو الاخر من العتاب، فقد اطلق مكبر الصوت نهيقا طبل طبلتي اذنيهما كما يجب، قال بذاك الصوت البغيض قليل الادب: "رقم 76 اهتم بشؤونك و توقف عن مخالفة القانون! ايها اللقيط الصغير" افلت يدها لتواصل تقدمها فقد فعل الادرينالين فعلته واطلق قوتها الاحتياطية، عشر دقائق وهاقد وصلوا اخيرا، باب نقش عليه 600 يعلوه ذاك الشعار" خطأ واحد لتجد نفسك في الهاوية"، انتصبت شعيرات جسدي الاثنان مقشعرة من ذاك الصرير المزعج نتيجة الاحتكاك القوي بين الباب الذي من المفترض ان يكون في المتحف و ارضية المبنى. تحركت تلك العيدان الصغيرة المرتجفة لن تفهم ان كانت كذلك من البرد ام من الخوف، فمثل هذه المشاعر السلبية القاتلة للبراءة ليست بجديدة على صغارنا، توسطت القاعة تلك الفتاة صاحبة الشعر الابيض بياض الثلج والباهت بهت الضباب، وكانها تنتمي الى اطفال القمر، لحقها اشقر الشعر، ابيض البشرة، بارد الملامح،ان صح التعبير، فهو لا يحمل اي ملامح من الاساس، كما عهد من اطفال هذا المبنى؟ الارض؟ او المدينة؟ لا احد يدري. دخل رجل ثلاثيني ببزة سوداء انيقة تخللها بعض الذهبي المخملي مضيف لمسته الفخمة على تلك الثياب التي تعكس مدى ثراء و ترف هذا الاخير وضوح العيان، تحدث برزانة وهدوئ هدوء مياه البحر وقد طغت الجدية على تقاسيم وجهه : " اهلا بالنخبة رقم 76 من فئة الذكور 'كارلوس'، ورقم 84 من فئة الاناث 'ليليانا'، اقدم لكما العضو الجديد في 'استلكس'،رقم 195 'آيا' ارجوا ان تعتنيا بها جيدا فهي لا تزال ضيفة لدينا".ليستدير مغادرا بينما دخل اخران يبدو عليهما جليا الخضوع و الطاعة بلمسة من الثقة و قد ادخلا معهما فتاة في الخامسة من عمرها و هي تصرخ بصوت عال مهدد: "اسمي ليس ايا ايها الوضيع ... اسمي هو ميا تومسون.. اتسمع.. لن اسمح لكم بتغييره.. سياتي ابي و يعيدني الى المنزل..وسترون مالا يحمد عقباه..سترون .. ستندمون على هذا ايها الاوغاد..سـ" قاطعتها لكمة من احد الخادمين جعلتها تصمت مرة والى الابد، لتتحرك تللك الروبوتات نحوها، تحدثت ليليانا بصوت خال من الروح : "سررنا بالتعرف عليك رقم 195، نرجو ان تقضي وقتا جيدا، اتبعينا رجاء سنعرفك على المكان" ليقترب كارلوس في محاولة مساعدتها على النهوض ، مد يده لها لكنها رفضت حيث صفعت يده، فلم يهتم لها وتوجه ناحية الباب الصدئ من جديد ، لم يكن مغلقا كونه بقي مفتوحا بعد دخولها "قاعة الاستقبال" او "قاعة العذاب الابيض" كما يسميها قاطنو هذه المدينة، بينما قالت المدعوة ايا : "هم .. اذهبوا.. ومن يهتم..لن اشرف اوغادا مثلكم بمرافقتي" اخرجت لسانها بسخرية في نهاية كلامها ثم رسمت تعبيرا طفوليا عابسا ولطيفا، لكنها لم تدم كثيرا حتى شعرت بالدوار من اللون الابيض المبالغ فيه لتلحق كلا من الرقم 76 و 84.