الفصل السادس عشر

39 4 0
                                    

_" حسنا، لكَ ذلِك يا سيِدي... ". قالَت رُوهان، و حدقَ فيها الرجل بغرابة و كأنهُ لم يصدق ما سمعَه.
لكن وجهه أشرق قلِيلاً، و اذ رأت روهان الغبطة تغمر ملامحه، سألت نفسها.. هل اخطأت عندما ارتابت في أمره؟. لا تدري حقا.
كان القائد العجوز هودار أكثر اتزانا منها، فتح الباب الرئيسية للغرفة و قال لها: ” تفضلِي يَا  صاحبَة السُمو..".
نهض غيدين من الفراش، خطواته مضطربة قليلا لكنه كان مصرا على الخروج، وقفت روهان تنتظر أن يخرج من الباب. و كان ذلك.
خرجت بعده، كان الحرس يحيطون به...ربما يلومها، و ربما لا يفعل... لا يمكنها المجازفة.
كما أنه عازف على مد يده ليطلب منها العون، و أي طلب للتوضيح منها سيعتبره تطفلا لا غير. لذلك، لا تريد روهان أن تتكلم أبداً، بل لا تجد ما تتفوه به، و كل فكرة تخطر على ذهنها، تخونها شفتاها فلا تنطق بها.
حتى كان هو من تكلم: ” ألن تريني القصر يا أميرة؟، ألست مهووسة بمساعدة الآخرين؟“
_" مهووسة؟... ".
نظرت روهان في وجهه بحيرة شديدة، لكنها اخذت نفسا عميقا.
_" إلى أين تريد الذهاب؟ “. قالَت الأميرة بصوت منخفض.
كانت الشمس قد بدأت تغرب، و أبصرتها روهان تختبأ خلف الهضبة المقابلة للساحل، سيحل الظلام قريبا.. و الظلام موحش، الظلام مخيف.
تألقت عيناه مع ضوء الشمس الخافت، لم تر روهان في حياتها عينين أجمل من تلك العينين الوضاءتين الغارقتين في حزن عميق.
اقترب من الشرفة، لا يعقل أنه ينوي ان يرمي نفسه...
بخوف وجدت روهان نفسها تقول: "... لا... لا...".
فأجابها و كأنهُ قرأ أفكارها:" لن أرمي نفسي لا تقلقي.. لن أجعلك ترين الموت أمامك، أنت شخص لطيف، و لا تستحقين أن تألمي... مع أن فكرة إلقاء نفسي من هنا ستبدو جميلة جداً، سأموت نكرة حقيرة كما كنت دوما.. ".
نكرة، هل يرى نفسه نكرة؟، بلا قيمة.... اقتربت روهان من الشرفة و وضعت يدها عليها، كانت ملساء باردة، و ان كانت مزخرفة بالعقيق الاحمر الذي يتوهج عندما تصطدم به اشعة الشمس الذابلة التي سترحل قريبا. حركت رياح البحر شعرها القرمزي الذي اندمج مع لون السماء عند الغروب فبدا مثل اللهب الحارق.
_" لا يوجد انسان نكرة... ". قالت روهان على مضض، لكنه التفت إليها، و بنظرتت ذابلة حدق في وجهها، و كأنه يقول لها: واصلي... واصلي كلماتك، اخرجيني من الذي انا غارق فيه... لقد طال انتظاري هنا، لقد طالت مدة غرقي في هذا الظلام.
تشجعت و واصلت حديثها:" بما أنك ولدت في هذا العالم فأنت لست نكرة يا سيدي، لا بد أن هناك غاية وجدت من أجلها... لا يحق لي ان اتكلم عنك لأني اجهل ما مررت به، أنت وحدك تعلم... لكن، لا شك بأنك مهم، لشخص ما، لعائلة ما، مهم لحدث ما...“.
أبعد ناظريه عنها، و نظر إلى الحراس الذين يحيطون به... هل يزعجونه؟
_" هل يزعجك حراسي؟ ".
_" هل يزعجونك أنت؟ ".
رده الغير متوقع اربكها بشدة.
_“ انه الواجب، أنا مستهدفة، و لقد رأيت ذلك بأم عينيك، و اذا غفلت... فسأموت.." ارتعدت يداها، هي  لا تخش الموت.. اذا ماتت فستلتقي بامها التي لم تعرفها قط، ستسمع الصوت العذب لوالدتها و هي تغني لها، و تمسح شعرها، و ستلتقي بأخيها.. كم اشتاقت إلى حضنه.
_“ هل تخافين الموت؟ “.
_“ ليس تماما...هناك احبة لي هناك، و اعتقد اني سألتقيهم من جديد.. “
تحركت يده على حافة الشرفة، ثم ابتعد عنها و قال: " سأمشي قليلا.. هل سيتبعني جندك يا سمو الأميرة؟ “.
_“ سيكون من الأفضل ذلك، أنت مصاب و اعزل أيضا.... و الخونة منتشرون، قد يهاجمك أحدهم “.
ضحك، و لم تفهم لماذا يضحك؟، هل يسخر من كلماتها؟....
_" هناك شخص يهتم بأمر حياتي او مماتي ، هذا غريب جداً... “.
_” أنت ضيفي، و تحت حمايتي، و بالتأكيد امر حياتك او مماتك يهمني و إلا لما كنت قد ارسلت لياتوا بك عندما رأيتك تصارع الموت على الشاطىء.. “.
_" لم تفكري في احتمالية كوني عدوا؟ “.
عندما قال ذلك، اشهر الجنود سيوفهم في وجهه، لكنه بدا غير آبه.
_" ربما فكرت، لكن.... كنت سأنقذك في كل الأحوال... الحياة حق مقدس... كما انك إذا كنت عدوا، فكنت لأستعملك بالطبع...لأصل إلى رأس الخونة و اقطعه، فينتهي كل هذا.. “.
_“ كلماتك جريئة بالنسبة إلى أميرة.. “ قال غيدين، ثم رفع رأسه إلى السماء و حدق فيها مطولا و أردف: ” آخِر مرة تكلمت فيها مع أميرة... كان ذلك مثل تلقي عدة صفعات على الوجه و عدة طعنات في القلب و من الخلف، رغم انها كانت لطيفه و عذبة في البداية، إلا أنها...في النهاية، كانت مثل أي أميرة أخرى... لا تقلقي يا سمو الأميرة، أنا لست من هؤلاء الخونة الذي يستهدفونك، بل لست من هذا البلد من الأساس... و ان كنت اشعر بالشفقة عليك بحكم اني مستهدف و ملاحق من جهة أخرى، و أريد حقا مساعدتك حتى تتخلصي من كل هؤلاء و ترتاحي، فلا تضطرين للمشي بين عشرات الجند و لا البقاء حبيسة قصر، إلا أنني أريد الحرية... شكرا على كل ما فعلته لي.. ممتن من أجلك، لكن.. اعلم ان بقاءي هنا مخالف لشريعتكم في (تير)، و لا اريد ان اتسبب لك في مشاكل انت في غنى عنها، لذلك.. امنحيني سيفي من فضلك، ساغادر...و الافضل ان يكون الامر عاجلا غير اجل “.
كيف يعلم انه في (تير)، و كيف يعلم بشريعة القصور فيها؟ هذه الأمور لا يعلمها البسطاء او العامة.. و كيف يتكلم لغتها بطلاقة ان كان اجنبيا؟.
_" من أي البلاد أنت؟ " سألته.
ابتسم بخفوت و رد عليها: " أنا لا شيء، عديم الدم والوطن.. أنا لا أحد حقا.. و لا اريد ان أكون.. “.
_" لكنك تملك اسم... انت غيدين.. غيدين فقط ".
برقت عيونه، و لم يجب... كانت تريد ان تعرف المزيد عنه...
_" أنت تعلم بامر شريعة قصورنا، و تتكلم لغتنا بطلاقة رغم انك اجنبي.. و هذا، هذا لا يعلمه و لا يجيده الناس البسطاء.. من انت؟ ".
كان الظلام قد بدأ يخيم على الجو، و يغطي وجهها و وجهه، لكن عيونه لا تزال متقدة...
كانت تنتظره ان يفتح فمه لكنه لم يفعل، ان يحادثها و يتكلم، لكن لا شيء من ذلك حدث.

جاءها صوت نورال من الخلف، و رغم ان الخادمة توقفت قليلا متفاجئة تحملق في روهان و في الرجل الواقف بجانبها، و رمشت عدة مرات.. إلا ان الأميرة اقتربت منها و قالت:" ماذا هناك؟، ما الذي تفعلينه هنا يا نورال؟ “.
_“ السؤال موجه إليك يا صاحبة السمو، ما الذي تفعلينه مع رجل غريب و عدد من الجند عند الشرفة؟..“
اجابت روهان: ” لقد مر عليه زمن طويل و هو في الفراش، و اراد ان يحرك اقدامه فمنحت له امنيته.. و بقيت هنا مخافة ان يضيع فقط، قد يسبب ضياعه مشاكل أكبر من بقائي معه.. ".
نظرت نورال في وجهها، ثم حركت عينها اليمنى في غمزة خفيفة و قالت: ” هل كلامه  عذب مثلما وجهه وسيم؟".
لا، لسانه ليس عذبا.. و كلامه، عبارة عن طلاسم، لكنه ليس سيئا.. على الأقل حتى الآن.
_“ ليس هذا ما جئت من أجله على اي حال يا نورال.. “.
_“ اوه تقاومين كقطة شرسة، لا تقلقي سابتلع لساني و لن اقول لجلالته ان ابنته الأميرة وريثة العرش تحادث ضيفها الغريب تحت شرفته... ‘‘
_“ نورال... “.
_" حسنا حسنا لا تغضبي يا اميرتي الحلوة، ضيفك الوسيم لن يحب رؤيتك غاضبة... ".
انها تعلم ان نورال تفعل ذلك عمدا لتضايقها، لكن كلماتها كانت لها وقع غريب و مزعج أيضا على قلبها.
_" ماذا هناك يا نورال؟ ".
اخرجت العجوز من صدرها رسالة مختومة بختم والدها، و اذ كانت ترغب في قراءتها الا ان الخوف اعتراها فور ان رأت ختم والدها، ختم الملك.. اذا كان هذا الختم.. ختم الملك موجودا، تعلم ان الذي كتب لها هذه الرسالة هو ملكها و ليس والدها.
لقد اظهرت لها رفضها لعرضه الزواج من ابن ملك فوهاس، لكن ليرحمها الاله... هل قرر ابوها ان يضرب بكلامها عرض الحائط و يمضي في قراره.
مدت يدها، و ارتجاف خفيف يسري فيها، و اخذت الورقة، و فتحتها.
كان الخط خط أبيها، هو من كتب هذه الكلمات.

كلماته مبعثرة، و اشعرتها بالذعر.. كيف و متى و لماذا؟..
كيف قبلت ايسلا ان تتزوج بملك ( ليسار)؟ ايسلا، اختها طفلة صغيرة و لا تعرف شيئا عما يعنيه الزواج، انها في الثالثة عشرة و الملك... ملك (ليسار) انه في الاربعين، في عمر ابيها.. هناك خطأ ما.. لا بد من وجود خطأ ما.
خبر زواج ايسلا اغفلها عن خبر اخر.. اتسعت حدقتاها و هي تعبر ببصرها بين الاحرف المخطوطة بالحبر الأسود.. و كانت الكارثة.

 The Scarlet Phoenix|| العنقَاء القرمزيّة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن