7/ الثمره المحرمه

15.7K 318 10
                                    

لم يتخيل نيكولاس البته انه قد يمضى ليلة بهذه الطريقة , جالسا على حافة سريره , منحنيا وراسه بين يديه , يلعن نفسه . بدا يندم على عطشه الكبير للثار .
تراءت له صورة كالي , فقال :" هل تعلمين مبلغ الضرر الذي الحقته بي ؟"
تبا ! كان مصرا جدا على الثار وقد خنق اي مشاعر اخرى الى ان تبادلا ذلك العناق . كان مثيرا للارتباك . وهذه الليلة , حين راها تخلع عباءتها لتسبح , شعر وكان احدهم دس سكينا حادا على معدته .

تملك نيكولاس مجددا هذا الشعور حين تذكر , فاخذ يئن ويشتم نفسه , كانت تجربته مع الشقراء فاشلة فحين اصطبحها الى منزلها , شعر بالرغبة في تركها عند بابه , خلافا لما خطط له .
لم يكن ترك الشقراء عند مدخل منزلها بالعملية السهلة , فقد تمسكت به كالسعال المزمن . ولم يجد امامه من خيار الا ان يناديها باسم خاطي , لم يكن بحاجة للحظ لمناداتها , فكل اسم سيختاره سيكون خاطئا , ما ان ناداها باسم خاطي حتى تغيرت ملامحها , فعرف نيكولاس انه اذا اراد التهرب من احدهن , عليه ان يدعوها " مابيل "ان كان اسمها" ميندي " لتتحول في الحال الى قطعة من الثلج .
ضحك نيكولاس للدعابة , كان خبيثا الليلة , وجبانا البارحة بعد الظهر في الحديقة .
غمغم يقول وقد شعر بالارتياح من تصرفه :"لم لا اجاري التيار !"
لمَ لم ينغمس مع الشقراء في بحر المشاعر الذي ودت ان يبحر فيه معها ؟
لم شعر ان ثمة ما اصاب عقله ؟ ما هي مشكلته ؟ هل هو متعلق بكالي لان كل ممنوع مرغوب ؟ تماما كالثمرة المحرمة ؟ اذا كان الامر ذلك فسوف يرتاح حين تنهي هذه التفاحة اليانعة عملها وتعود الى كانساس .
لقد تعلم شيئا من كل هذا , ان الثار يجب ان يكون قذرا ليشبع رغبة المنتقم .
كانت كالي تعمل بجد وتجهد نفسها لتطرد من راسها تلك الذكرى المزعجة في حوض السباحة , لكن حتى وهي تجهد نفسها بالعمل, عجزت عن طرد ذاك الكابوس الحي من راسها .
ماالذي جعلها تسبح ليلا في حوض السباحة , لم تعتد القيام بهذه التصرفات المتهورة , لم يكن قلقها وارقها بالعذر المناسب فلو بقيت في غرفتها , لكان ذلك افضل من ....
اغمضت عينها واخذت تئن , لكن ذلك لم يكن بالتصرف المناسب لانها تقف عند اعلى سلم تلتقط صورا لسقف قاعة الاستقبال , ولجدت لحسن الحظ , ان المالكين القدامى للمنزل لم يمرروا فرشاة الطلاء على سقف تلك الغرفة المزخرفة بالجص على شكل ورود , وكان ذلك اجمل ما راته في حياتها , مع ان الطلاء الذي يغطيه بدا باهتا بسبب مرور الوقت . وشكرت ربها لان ذلك السقف نجا من فرشاة الطلاء ومن طبقات الدهان الصفراء اللون .
حاولت ان تكف عن التفكير بالليلة الماضية وبالسخرية التي راتها في نظرات نيكولاس , ووضعت الكاميرا على عينيها , وكلها تصميم على يجعلها عذابه تحيد عن الطريق الذي سلكته منذ اتت الى هذا المنزل . سوف تبرهن له انها ليست جبانة ولا انهزامية .
وحتى لو وقف كل من في المنزل ضدها , فسوف تحاول ان تخوض هذه التجربة وتنهيها بنجاح, بدات ترى منذ الان المقالة في المجلة " اركيتا كتشريل دايجست " ": نيكولاس فاروس استفاد من خبرة كالي انجليس , الخبيرة في امور التجديد , فاعادت احد اجمل المنازل الفتكورية الى ما كان عليه من جمال , كل زواية في هذا المنزل تعكس ذكرى تاريخ جليل يتلاءم وذاك المبنى التاريخي ". ارتسمت ابتسامة حالمة على شفتي كالي وهمت بالتقاط الصورة الاخيرة . نظرت من خلال عدسة الكاميرا , وركزت |, ثم قطبت وابعدت الكاميرا عن وجهها . كانت شباك العناكب تغطي قسما كبيرا من الصورة , حاولت مد يدها لتزيل تلك الشباك , لكنها لم تستطع الوصول اليها ,صاحت غيظا , وحاولت مجددا مد يدها .
واذ مدت يدها , ومطت جسدها الى اقصى حد , اخذت توبخ نفسها لعدم التفكير باحضار ما تستعمله لتصل الى تلك الشباك , كقلم حبر او اوراق صحف قديمة .
صرخت تقول وهي تمد يديها لتصل الى الشباك :" انني اضع كل اللوم على نيكولاس . لو لم يكن يزعجني لما نسيت .......؟"
لم تستطع اكمال كلمتها الاخيرة اذ اختل توازن السلم , ووقعت .
رات كالي صورا من حياتها تمر امام عينها وهي تهوى , وانتهت سقطتها القوية فجاءة ورات السلم يتاثر حطاما على الارض . شكرت ربها لانها لم تلق المصيرنفسه , فتحت عينيها لتجد نفسها بين ذراعين قويتين . امسكت بهما دونما وعي منها وقلبها يضج بعرفان الجميل لمنقذها , فهو انقذ حياتها , وجنبها كسورا خطيرا في عظامها .
وعضت ثوان قبل ان تدرك كالي ان منقذها هو نيكولاس فاروس . للاسف كان الوقت متاخرا لتمنع عناق الشكر لانقاذه حياتها , وحين ادركت كالي ذلك , كانت غارقة قي عناق حار ويائس.
واستدركت الامر سريعا لكن ذراعيها بقيتا تطوقان عنقه :" اه انا ... انا .."
ومع انه كان عناقا قصيرا الا ان اوصالها راحت ترتعش وبقى اثر عناقه الحار مطبوعا على وجهها الملتهب الخدين .
بدا عليه الاضطراب , فبرزت عضلات وجنته بوضوح واخذ يصر على اسناه .. حسنا . ماذا تتوقع منه ؟ شوق وهيام ؟ لقد عبر عن المشاعر التي يكنها لها بوضوح .
وادركت اخيرا ان من يقف امامها ليس سوى نيكولاس المزعج والكريه .
- ماذا فعلت ؟
طرحت عليه هذا السؤال وهي تبعد يديها عن عنقه .
- رفست السلم ؟
اتسعت عيناه وادركت كالي ان غضبه بدا يتصاعد وقال يجيب عن سؤالها :" بالطبع , فانا اهوى رفس السلالم ".
بدا شديد السخرية , لكن كالي عملت انها تستحق ذلك , لقد قام بعمل بطولي , وكان من الممكن ان يلحق بنفسه الضرر. اشاحت بنظرها عنه الى يديها الملتصقتين بصدره , وكلها ندم على عدائيتها وكبريائها الجريحة .
شعرت بالحرارة في وجنيتها , فعلمت ان الاحمرار علا وجهها .
- حسنا , حسنا . انا اعتذر , لم يكن من داع لهذه الملاحظة !
واختلست نظرة الى وجهه وتابعت تقول :" اشكرك على ... ما قمت به , اعقتد انني .. انني لست خفيفة الوزن ".
قالت ذلك بتذلل , فلو لم يكن سريع البديهة , لحصلت كارثة .
سالته وقد تملكها الخجل :" هل انت بخير ؟"
اجاب وقد تسارع نبضه وبرزت عضلات فكه :" سوف اعيش ".
ثم تابع يسالها :" ماذا كنت تفعلين فوق . بحق الله ؟ تجربين عروضا من السيرك ؟"
اشاحت نظرها عنه وقد شعرت بغبائها واجابته :" كنت احاول ازاله شبكة عنكبوت لالتقاط صورة ".
- اه فهمت !
لم يضعها على الارض ولم يقل كلمة اخرى , شعرت كالي بالتوتر لوجودها بين ذراعيه , تنشق عطره , وفيما بقى هو مقطب الجبين , تملكها القلق فاخذت تمرر لسانها على شفتيها ثم تنحنحت وقالت له :" هلا وضعتني على الارض اذن !".
استغرق بعض الوقت ليجيبها .
- حسنا !
ووضعها على الارض فوق الالواح الخشبية .
شعرت كالي انها ليست على ما يرام , وانتابها دوار واهتياج في معدتها . اشارت على كاميرتها الى وضعتها حول عنقها وقالت لنيكولاس :" انا بحاجة الى فيلم ".
ومن دون ان تضيف اي كلمة اخرى او تلتفت اليه , خرجت من الغرفة .
اخذ صوت حذاء كالي الرياضي يختفي شيئا فشيئا الى ان لم يعد مسموعا . لم ينظر نيكولاس اليها وهي تغادر بل فضل النظر الى شي اقل اثارة , اخذ يسرح نظره في الغرفة , فلاحظ ان السلم نزل كالقذيفة في المكان فكسر الطاولة والحق ضررا كبيرا بمصباح كهربائي . اخذ يتجول متفقدا تلك الفوضى متاملا قطع الاثاث المرتبة في زواية الغرفة , واخيرا امعن النظر في كرسي , كان منجدا بالفينيل الاصفر المائل الى الخضرة ويرتكز على ثلاث ارجل حديدية .
زفر نفسا طويلا ثم اتجه نحو الكرسي وجلس عليه . اسند راسه على حافة الكرسي , واخذ ينظر الى السقف . كانت الزهور النافرة والنباتات المعترشة تنتشر في كل مكان , فيخيل للناظر اليها انه في حديقة برية .
فقال وهو يغمض عينيه :" هل هذا ما كانت تتوق اليه , التقاط صور كل هذا؟".
لم يشعر نيكولاس بالتعب ؟ وهو لم يفعل شيئا في الاسبوع الماضي سوى النوم وتناول الطعام والسباحة والركض . يجب ان يكون مرتاحا ومفعما بالحيوية .
- ما الذي افعله في هذه الفوضى , بحق السماء ؟ اتوق لشخص بنصف عقل , الى المراة المتقلبة نفسها التي نبذتني ؟ هل الكثير من اوقات الفراغ يقفد المرء صوابه ؟
- الانتقام لذيذ , اليس كذلك ؟
عرف نيكولاس صوت جده على الفور فقطب جبينه ونظر اليه . كان ديون يقف في مدخل قاعة الاستقبال , انيق مبتهجا . رفع ديون حاجبه الكثيف وقال :" اليس كذلك ؟"
شعر نيكولاس برغبة في الكذب والقول انه راض عن المنحى الذي اتخذته الامور , لكنه لم يستطع , زفر نفسا عميقا وانحنى نحو الامام واضعا ذراعه على فخذه وقال وهو ينظر الى الارض :" ليس تماما !"
ارتسمت ابتسامة على وجه ديون وصفق بيديه قائلا :" كنا نعلم انا وكريستوس انكما خلقتما لبعضكما البعض ".
رفع نيكولاس راسه ورمق جده بنظرة ادانة .
تجاهل ديون رد حفيده الصامت وقال له , محاولا تغيير الجو الساكن الذي ساد المكان :" كن حكيما يا بال ! ضع كبرياءك جانبا ! اذهب اليها واعرض عليها الزواج مجدد !"
لم يستطع نيكولاس تصديق ما سمعه , لم يستطع ان يصدق ان جده تجرا على التفوه بهذا الهراء , فهز راسه ووقف ثم قال :" ارى انك بدات تفقد صوابك يا جدي ".
شعر نيكولاس بالغضب لانه سمح لامراة لا تعني له شيئا , ان تدفعه لمواجهة فرد مهم من العائلة . وتوجه ثانية الى جده قائلا :" جدي , لا تتدخل في هذا الموضوع ".
وجدت كالي الملاذ في غرفتها , فاستلقت على سريرها , ويدان ترتجفان لدرجة انها لم تقوى على تبديل فيلم التصوير في كاميرتها , شعرت بتانيب الضمير , فشدت على غطاء الفراش المطرز . كيف قامت بذلك ؟ كيف عانقت نيكولاس فاروس هكذا ؟
كانت ممتنة لانه التقطها , هذا صحيح . لكنها لم تكن تعرف انه نيكولاس . اه , بلى كنت تعرفين ! هذا ما ذكرها به صوت ثاقب في راسها . ومن غيره هنا يملك القوة ليلتقطك ؟ كبير الخدم المسن ؟ ام ديون السبيعني ؟ او احدى الخادمات ؟ او امك . نعم وكان وزنك لا يزيد عن وزنها بعشرين باوند !
- اه , اسكت !
صرخت وقد بدا صراخها كالعويل , ثم تابعت تقول :" لم اكن اعرف انه نيكولاس فكل ما كنت افكر فيه هو انني على وشك ان اغادر هذا العالم !"
فعاد الصوت يكلمها :" اه حقا ؟ لم يكن ذاك العناق عناق شكر ! بل عكس مدى شوقك اليه , وانت تعلمين ذلك !"
ضغطت على عينيها المغمضتين فهذه هي الحقيقة مهما كانت جارحة ودفنت وجهها في غطاء الفراش وصاحت :" اه يا الهي .... ".
ربما لم تكن تدرك في وعيها انه نيكولاس , لكن في مكان ما من لا وعيها , علمت انه هو .
وبما ان نيكولاس سعى من خلال عرض هذا العمل عليها الى اهانتها , فلا بد ان يكون جذلا الان بعد ان حقق هدفه ! لقد عانقته بحرارة ظاهرة ! كم هذا مهين !.
اخذت تشهق وتجاهد لتتمالك اعصابها . على هذه المسرحية المؤسفة ان تنتهي . لا يمكنها ان تظهر له كم جعلها عناقها المفاجي والحار تشعر بالعار . شكرا لله لانها استعادت وعيها سريعا فكان العناق قصيرا !
قالت تحدث نفسها :" دعك من هذا ".

روايات احلام/ عبير: عروس الوقت الضائعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن