-
أدارَت المقبض لتدخُل غرفتها ، بخطوات مُتثاقلة تسير بلا رَوح
الكتب مُبعثرة بكلّ مكان ، كما لو أنها تُجري أبحاثََا عظيمة
لم تكن سوَى هاوية تحبّ القراءة
أو لاجئة ، والكتب المَلجأ الوحيد التي فتحَت أبوابها إليها
غرفتها التي تحتوي على شُرفة ، والتي كانت مُغلقة لعدّة أيام ، تذكّرَت ما يقبَع عليها
زهرة الأقحوَان ، النبتَة المُقرّبة لقلبِها
أمسَكت بزجاجة الماء القريبة من النبتَة ، وبإبتسامة خافِتة رفعَت يدها تقطّر بعض الماء عليها
" آسفة لتركك وحِيدة اليَوم"
أردَفت بعبوس ثم مرّرت أنامِلها عليها بحَنان
تحتضِنها وتُخبرها أنها مازالت تُحبها ، ولن تنساها مرة أخرى أبدََا
وضَعت الزجاجة كمَا كانت ونظرَت من الشرفة
ديسمبر وهفوَات رياحه الباردة ، شعرَت بحاجتها لإستنشاق الهواء
فتحَت الشرفة لتُهاجمها الرياح فجأةََ بقوّة
من الطبيعي لدَى بعض الأشخاص أنهم سيتأفّفون
بالطبع سيفعلوا
فـ الرياح شديدة لدرجة أن الهدوء يعمّ بالشوارع
لم تَكن منهم ، كانت سعيدَة
بمُجرد تضارُب الرياح مع وجهها ، ابتسمَت بِسعادَة وأرخَت جفنيها تَستشعر الجنّة المجانية على الأرض
عندَما بدأت الرياح في الخمود ، اتّجهت تارِكة النافذة مفتوحة على مصرَعيها
ليسَت بخيلة ، ستجعل أصدقائها ينعمون بذلك الطقس الرائع ، إنه هبَة!
والمقصود بأصدقائها ، الكتب بالطبع!
حاولَت جاهدة التركيز في سيرِها حتى لا تصطدم بالكتب المُبعثرة ، على الرغم من أن ذلك يجعلها حريصة ، وهي تكره الحِرص تجاه الأشياء
ولكنه كان مَشهدََا مُغزٍ للأعين والنَفس
لِم لا يستخدمه الأطباء؟بتمهّل تمدّدت على الفراش ونظرَت للسَقف
تحفظ ذلك المشهد ، لم يكن جديدََا
أصبَحت عادَة يومية بعد الإستيقاظ من النوم والعمَل لفترة
لم تعمَل اليوم فورَ استيقاظها ، ولا حتى بَعد احتساء القهوة المُفضلة لدَيها
تَمتلئ رأسها بالكثير من الأفكار ، وقطعَها الهاتف الذي لطالمَا بغضَته
فكّرت كثيرََا بالأمر ، ماذا سيحدُث إذا قطعَت اتصالها بالعالَم؟
ماذا سيحدُث إذا تركَت جيسو تأتي للمنزل وتتلو عليها آخر الأخبار وتسألها حيَال الخطوة القادمة دون الإتصال بالهاتف؟
ما فائدَة الهاتف سوَى التواصل مع جيسو؟
لم يكن لدَيه إلا فائدة واحدة أمام عيوب عدّة
إحداهن ، أنها تكره مَن يقطع أفكارها
مثلما حدَث الآن ، حتى ولو كانت جيسو
أمسَكت به تُجيب على المكالمة ، إن لم تفعل ستصرُخ جيسو بوجهها لاحقََا
وهي حقََا حقََا ، تكره الصوت المُرتفع- " أتريدين الموت؟"
- " ليس لديّ مانع"
تظنّ جيسو أنها تغيظها فحسب ، ولكن هذا ما تُريده بالفعل
- " على الرحب والسعة عزيزتي ، ولكن ليسَ قبل أن تنهي كتابك"
- " ماذا تريدين جيسو؟"
- " متى ستنتهين منه؟"
- " هل له وقت مُحدد؟ لا أتذكر أنني أعطيتك وقتََا مُحددََا "
- " إيرين ، رجاءََا لا تجعَليني أفقد صَوابي ، ألا تعلمين كم أتلقّي اتصالات باليوم الواحد؟ بينما أنتِ لا تريدين إكمال الفصل الأخير؟ حقََا؟ "
- " أخبريهم أن الكاتب لا يحبّ العجلَة ، وأنه لم يُعطي وقتََا محددََا بشأن ذلك "
- " فعلتُ ، وتلقيتُ خمسة اتصالات مُجددََا حتى الآن"
- " سأحاول إنهائها اليوم ، ولكن لا تُخبريهم بذلك"
-" إن كنتِ تمزحين، أقسم أنني سأنهي حياتك "
قابَلتها بصمت لتُضيف الأخرى
- " ها هو اتصال آخر، سأغلق، احرصِ على أن تأكلي جيدََا هاه؟ سأتصل بكِ لاحقََا ، إلى اللقاء "
فورََا تحسّنت نبرة صوتها ، حتى أنها أنهَت المُكالمة بقُبلة هوائية مُبتذلة - في نظر إيرين -
ألقَت الهاتف جانبََا ونهضَت تجلِب الحاسوب الموضوع بإهمال بين الكتب على الأرض
فتحت شاشتِه ، تفقّدت رسائل بريدها الإلكتروني سريعََا
قليلة ، فقط من دَور النشر ومَن تعاونَت معه من أجل غلاف الكتاب
اختارَت رسامََا مشهورََا ، ليسَ لشهرته ، بل للفن الذي يقدّمه والذي ترَاه إيرين الجنة الثانية على الأرض بعد طقس اليوم
بطبيعتها ، كانت أعينها تلتقِط الفن بسهولة ، حتى يدها كانت تحبّ الإمساك بالفرشاة والألوان والحريّة التي تشعر بها عندمَا تفعَل
حقيقة الأمر هي أنها كانَت طفلة عاديّة ، حتى أنها منذُ نعومة أظافرها أحبّت التلوين عن الرسم كمِثل أيّ طفلٍ آخر
حتى ذلك اليوم في المدرسة عندما أثنَت المُعلمة على رسمِها
بدأت بالرَسم يوميََا ، حتى تحسّنت بشكل كامل وذاتيََا دون مُساعدة أحد إلى أن بلغَت الخامسة عشر من عمرها
تلقّت المديح مِمَن حولها ، شارَكت في مُسابقات عدّة بسبب والدتُها
في سن السابعة عشر ، توقّفت تمامََا عن الرسم
بعدَما شعرَت أنه لم يَكُن سوَى أداة تُعبّر بها عن سعادتِها
وفي السن ذاتِه ، فارقتَها السعادة
حتى الآن ، تمتلك لوحاتَها ، لا تشعر سوَى بالحنين بكلّ وقت تتفقّدهم به
تذكّرت عندما رأتهم جيسو وإنهالت عليها بالمَديح ، وحاولَت معها لمدة عامين حتى تعود إليه مُجددََا
وتوقّفت تمامََا عن الإلحاح عندما علمَت سبب تركها له
لم يكن وقع كلمة -الفن- سهلاََ على كلتَيهما
لأن إيرين تفتقد ذاتَها القديمة ، ولأن جيسو تعلم لطالمَا لم ترسم مُجددََا ، فالسعادة لم تأتِ بَعد
أنت تقرأ
بُــولارِيــس
Romance- نجمة الشمَال الثابتة دونَ حرَاك تُجبر صفحَات الماضي المطويَة بالعودَة مُجددََا -