روبن هود

102 33 17
                                    

بعد انتهاء اللقاء مع الطبيب عبدالعزيز، بقي سعد يفكر بعمق في كل ما تم تداوله من معلومات. التقييم النفسي للمحتال زاد من تعقيد القضية بدلاً من تبسيطها. كان المحتال ذكيًا، بل ذكيًا بدرجة تجعله يفهم القانون وعملية التحقيق بدقة، مما جعله يسبق خطوات سعد وفريقه دائماً. فكرة أن يكون المحتال قد حصل على معلومات من داخل القسم كانت تؤرق سعد، إذ كان لديه إيمان قوي بنزاهة فريقه، لكن التحليل الذي قدمه الطبيب فتح الباب للعديد من الاحتمالات التي لم يكن سعد مستعداً لاستبعادها.

عاد سعد إلى مكتبه، وجلس أمام اللوحة الكبيرة التي جمع عليها جميع تفاصيل القضية، من صور المشتبه بهم إلى الخرائط والشبكات التي تتبع مسار الأموال التي تم الاستيلاء عليها. أمامه كانت تراكمات من الملفات، والفيديوهات، والبيانات المصرفية، وكل ما يتعلق بالقضية، ولكنه كان يشعر بأن شيئاً ما مفقوداً، وأن الحل يقترب منه ولكنه لا يستطيع الوصول إليه.

فجأة، تذكر سعد ملاحظة الطبيب حول احتمال وجود أحد من داخل القسم يساعد المحتال. هذه الفكرة كانت تزعجه، لكن لم يكن بوسعه تجاهلها. قام سعد بتدوين الأسماء التي يعرفها والتي قد تكون لديها صلة بالتحقيق أو التي تعرف تفاصيل محددة عن القضية. لم يكن ذلك سهلاً عليه، إذ كان جميع هؤلاء الأشخاص زملاءه، وكانوا يعملون معه لسنوات. ومع ذلك، قرر أن ينظر إلى القضية بعين المحقق الذي لا يترك أي ثغرة دون أن يتأكد منها.

اتصل سعد بزميله في قسم التكنولوجيا الجنائية وطلب منه مراجعة السجلات الإلكترونية الخاصة بالقسم، ليرى ما إذا كان هناك أي نشاط غير مبرر أو دخول غير قانوني إلى النظام. لم يكن سعد يتوقع أن يكون التحقيق الداخلي سهلًا، لكنه كان على استعداد لبذل كل ما في وسعه للوصول إلى الحقيقة.

خلال ساعات قليلة، أرسل زميله تقريرًا مفصلًا عن جميع الأنشطة المتعلقة بالقضية. كانت الأمور تبدو عادية في البداية، ولكن بعد تمعن أكثر، اكتشف سعد أن هناك دخولاً غير مبرر إلى ملف القضية في توقيت مشبوه، وكان الدخول هذا من حساب أحد الموظفين في قسم الشؤون المالية. شعر سعد بالغضب، فقد بدأ يقترب من الحقيقة، لكن هذه الحقيقة قد تكون مريرة.

قرر سعد استدعاء الموظف للتحقيق معه. كان الموظف يعمل في القسم منذ سنوات، وكان يبدو أنه لا يملك أي سبب ظاهر للتورط في هذه الجريمة. لكن سعد لم يعد يعتمد على الظواهر بعد الآن. كان يعلم أن الأشخاص الذين يظهرون الولاء قد يكونون الأكثر خطورة إذا كانوا متورطين في شيء غير قانوني.

دخل الموظف إلى مكتب سعد وهو يبدو متوترًا. جلس أمامه، بينما أخذ سعد نفسًا عميقًا وقال: "شوف يا عبد الله، أنا ما أحب اللف والدوران. فيه دخول غير قانوني على ملف القضية اللي شغالين عليها، والدخول تم من حسابك. وأنا متأكد إنك فاهم خطورة الموضوع."

تفاجأ عبد الله وأخذ يدافع عن نفسه قائلاً: "يا سعد، أقسم بالله ما دخلت على شيء بدون سبب. أنا بس كنت أراجع بعض البيانات المالية المتعلقة بالقضية. مافي شيء غير قانوني."

ظل سعد ينظر إلى عبد الله ببرود. كان يعلم أن المشتبه به عادة ما يحاول أن يبرر تصرفاته، ولكنه كان يريد أن يعرف الحقيقة من فمه. "عبد الله، إذا كنت بريء، ما فيه شيء تخاف منه. لكن إذا عندك شيء تخفيه، راح نكتشفه عاجلاً أو آجلاً. فالأفضل لك إنك تكون صريح معي من البداية."

تعرّق عبد الله وبدأ يشعر بالضغط، ثم قال بتردد: "يا سعد، والله ما كنت أقصد شيء، بس فيه شخص غريب تواصل معي وقال لي إنه يقدر يساعدني في حل مشاكل مالية كنت أواجهها. ما كنت أعرف إنه وراء كل هذي الأمور. أقسم بالله ما كنت أعرف!"

شعر سعد بأن الأمور بدأت تتضح أكثر. يبدو أن المحتال استغل نقاط ضعف عبد الله ليتمكن من الحصول على معلومات حساسة داخل القسم. "مين الشخص هذا؟ وكيف تواصل معك؟"

عبد الله تابع بنبرة مذعورة: "ما أعرفه شخصيًا. كان كل شيء يتم عن طريق مكالمات ورسائل مشفرة. كان يرسل لي الأموال مقابل بعض المعلومات، بس كنت أعتقد إنها أشياء ما تضر. ما كنت أعرف إنه كبير لهالدرجة."

هنا بدأ سعد يرى الصورة الكاملة. المحتال كان يستغل شبكة من الأشخاص الذين لا يدركون مدى تورطهم في عملية معقدة. قرر سعد أن يستدعي فريقه ويقوم بعملية بحث أوسع عن كل من تواصل مع عبد الله وعن جميع التحركات التي تمت في القضية.

بعد اجتماع مع فريقه، اتضحت لسعد تفاصيل أكثر حول أسلوب المحتال في إدارة عملياته. كان يعتمد على الأشخاص الذين يعانون من ضائقة مالية أو ضغط نفسي، ويستغل نقاط ضعفهم للحصول على المعلومات التي يحتاجها. كان يختفي خلف شبكة من التعاملات المشبوهة التي كان يصعب تتبعها، لكن سعد كان يعلم الآن أنه يقترب من الوصول إليه.

في هذه الأثناء، اتصل سعد مجددًا بالطبيب عبدالعزيز أحمد ليشكره على التقرير المفصل الذي ساعده في فهم الحالة النفسية للمحتال. أخبره سعد عن تقدم التحقيقات وكيف ساعد التقرير في فك بعض الألغاز.

رد الطبيب قائلاً: "أنا سعيد إن التقرير أفادك، لكن تذكر أن هذا الشخص ذكي جدًا، وربما يكون لديه خطة أكبر مما تتخيله. عليك أن تبقى حذرًا وتتابع كل خطوة بحذر."

بعد انتهاء المكالمة، شعر سعد أن الأمور بدأت تتحرك في الاتجاه الصحيح. لكنه كان يعلم أن المحتال لن يستسلم بسهولة، وأن المواجهة النهائية ستكون صعبة ومعقدة.

المحتال الانيق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن