في يوم زفافها ،
كانت تقف وسط الزينة والأضواء المتلألئة، ترتدي ثوبًا أبيض كحلمٍ طالما تخيلته.زُفت من باب بيتها محاطة بالأغاني والزغاريد، لكنها شعرت بنقص غريب، بظل يعتصر قلبها رغم الابتسامة التي رسمتها للناس من حولها.
وسط الصخب، كانت عيونها تنساب في كل زوايا القاعة تبحث عن وجه معين،وجه صديقتها الوحيدة التي غابت عن هذا اليوم المنتظر.
التي كانت ترافقها منذ الطفولة، تشاركت معها الضحكات والأسرار، السهرات الطويلة والنصائح التي تخفف من وطأة الدنيا.
في قلبها، كانت تتمنى أن ترى صديقتها قربها، ترفع ذيل فستانها الأبيض وهي تصفق بحماس، تقف معها في لحظة الحلم الذي بنياه سويًا عبر السنوات، لكن الفراغ الذي تركته الصديقة كان ثقيلًا كجبلٍ على صدرها.مر اليوم كوميضٍ سريع، ولم تتمكن من نسيان غياب صديقتها، لكن كبرياءها حال دون أن تبادر بالسؤال.
بينهما كانت مسافة قد بُنيت بصمتٍ غامض، حيث اختفت صديقتها فجأة دون تبرير، وانقطعت بينهما الكلمات.في البداية، كانت تحاول الاتصال، تسأل عنها بقلق، لكنها لم تلقَ سوى ردود باردة، أو رسائل مقتضبة، حتى وصلت لمرحلة استسلمت فيها للصمت، فقررت أن تبتعد هي الأخرى.
لكن في أعماقها، ظل صوت خافت يلومها: "لماذا لم تحاولي أكثر؟ لماذا لم تتمسكي ؟"بعد أيام قليلة من الزفاف ، وبينما كانت تجلس في منزلها تتفقد رسائل هاتفها بلا اهتمام، وصلتها رسالة باسم شقيقة صديقتها.
قلبها أخذ يدق بعنف، وفتحت الرسالة مترددة، تحاول فهم ما تخفيه هذه الكلمات.
كانت الكلمات ثقيلة، مقتضبة، مؤلمة .«توفت صديقتها ، وتوأم روحها ، ماتت من كانت اخت لها دون أمها وأبيها »
وقفت الكلمات في حلقها كجمرة، وشعرت بأن يديها قد تجمدتا.
سقط الهاتف من يدها، وجرت دموعها بغزارة؛ أخرجت من أعماقها بكاءً مكتومًا كان قد تجمّد مع كرامتها.
كان قلبها ينزف حسرةً على فقد لم تكن تتوقعه، على غياب لم تخترقه أسئلتها، ولم تتمكن من تجاوزه.لم تتوقف عن البكاء حتى قررت أن تذهب إلى بيت صديقتها، إلى ذلك المكان الذي كان شاهدًا على أجمل لحظاتهما سويًا، وكل خطوة تقطعها نحو الباب تشعر بثقل لا يُحتمل.
حين وصلت، استقبلتها والدة صديقتها بعينين محمرتين من أثر الدموع.
احتضنتها الأم، وأخذت تواسيها بصوت خافت، وفي تلك اللحظة، بدأت تتكشف الحقيقة التي لم تكن تعرفها.
الأم بدأت تسرد كل ما أخفته صديقتها عنها؛ السرطان كان مستعصيًا، وكان الألم يقضم روحها وجسدها في كل لحظة، لكنها فضلت ألا تُثقل قلب صديقتها الوحيدة بذلك العبء.وقفت تستمع لكلمات الأم وهي تتساقط كقطرات جمر على قلبها.
كانت الأم تتحدث عن الشهور الطويلة التي قضتها صديقتها بين المستشفيات وغرف العلاج، تتجرع الألم بصمت، وتحاول أن تبتسم على الرغم من المعاناة، تخفي آثار المرض خلف ضحكة خافتة، ورغم كل شيء كانت تكتب لها، تراقب أخبارها من بعيد، وتقرأ رسائلها بلهفة، لكنها كانت تمنع نفسها عن الرد، خوفًا من أن تجر صديقتها إلى عتمة مرضها.بصوت مشوب بالحزن، قالت والدتها
_ كانت عايزاكي تفتكريها بانها كانت قوية و كويسة ومش تعبانة طول الوقت .حين سمعت هذه الكلمات، شعرت بندمٍ يفوق الوصف، وكأن القلب ينفطر لقطعٍ صغيرة من أثر الحزن والحسرة.
كانت تتمنى لو تستطيع العودة بالزمن، لو تتمكن من عناقها، لو تستطيع منحها الشجاعة لتبقى بجانبها حتى النهاية، دون أن تخاف من الثقل الذي كان يقلقها.
كانت تود لو تخبرها أنها كانت ستبقى، مهما كان الثمن.أمسكت بيد والدتها ، متوسلة أن تسمح لها بالدخول إلى غرفة صديقتها، لتودعها كما لم تتمكن من قبل.
دخلت الغرفة ببطء، وفي وسطها سرير قديم تتناثر حوله ذكريات حية؛ صور قديمة، دمى صغيرة، ورسائل كُتبت بأحرف مرتعشة، تروي حكايات الصداقة والأيام .اقتربت من الفراش ووضعت يدها على الوسادة التي ربما كانت آخر ما لامس وجه صديقتها، وانهمرت الدموع من عينيها بغزارة، وهمست بصوت خافت:
_ سامحيني... سامحيني علشان ما كنتش جنبكِ، ولأني بَعَدتِ عنك ... كنتِ محتاجاني قد ما كنتِ فاكرة إنكِ عبء.
كنتِ شريكة حياتي... وللأبد هتفضلي كده.
بس كنتِ قوليلي .لمحت تلك الورقة المطوية جوار الفراش أخذتها بيدين مرتعشتين وفتحتها ببطء، لتقرأ كلمات صديقتها للمرة الأخيرة:
"إلى من كانت عالمي كله،
أعلم أنني جرحتكِ بابتعادي، وأعلم أن قلبكِ عاتبٌ علي.
لكنني فعلت ذلك كي لا أحملكِ ألمًا لا يحتمل. كان قلبي يريدكِ بقربي، لكن جسدي كان يأخذني بعيدًا.
أحببتكِ كروح واحدة، وسأبقى هنا دائمًا في ذكرياتكِ.
لا تحزني عليّ، ولا تدمعي لأجلي. كل ما أريده أن تتذكري أيامنا السعيدة، وابتسامتكِ التي كانت دومًا تجلب لي الحياة. أحبكِ... وسأظل أحبكِ للأبد."وما حيلتها سوا البكاء ولكن كل ما يتردد على لسانها هو « كنتِ قوليلي»
انتهت ..
![](https://img.wattpad.com/cover/358140512-288-k567506.jpg)
أنت تقرأ
وحدها الحروف بقيت
Чиклитمجموعة (وان شوت) كل واحدة موضوع مختلف وشخصيات مختلفة و قصص مختلفة.