|وحدها الحروف بقيت |

433 55 29
                                    

أحياناً لا يكون الصمت جبنًا، بل مساحة ينسج فيها المرء قوته.
أكتب اليوم لأرى ما بداخلي، لأجد ما عجزت عن التعبير عنه.
ربما يأتي يوم يرى الناس هذه الكلمات ويشعرون بي، لكن حتى لو لم يحدث ذلك، يكفيني أنني رأيت نفسي بين السطور.

ـــــــــــــــــــــــ

في صباح يوم خريفي هادئ، كانت "سلمى" تسير في الشوارع الضيقة، كأنما تتبع خيطًا غير مرئي يقودها نحو وجهة تعرفها جيدًا دون إدراك السبب.

لامست يدها حواف الأوراق التي تحتفظ بها في حقيبتها، أوراق تركتها لها تلك الصديقة التي كانت تُلهمها دائمًا بأحلامها الغريبة وأحاديثها التي تحمل طابع الحكايات.

وقفت سلمى أخيرًا أمام باب المقهى القديم حيث اعتادتا الالتقاء، تلتقط أنفاسها وكأنها تنتظر أن تخرج صديقتها بابتسامة مشعة وترحب بها كعادتها.

جلست على الطاولة في الزاوية، الطاولة التي حملت على مرّ السنوات قصصًا وأسرارًا كثيرة. عيناها كانت تجوب المكان بتوتر، باحثة عن شيء أو عن أحد، وكأن غيابًا غير مفهوم يلفها.

وضعت يديها على الطاولة، تستشعر الخشب البارد، وأغمضت عينيها لثوانٍ؛ في تلك اللحظة، كانت كل الذكريات تتدفق، أصوات الضحكات، الأحاديث الليلية، والنقاشات الطويلة عن روايتها الأولى التي كانت تخطط لإصدارها.

..
عادت  بذاكرتها  إلى تلك الليالي التي كانت تمضيها مع صديقتها في ذات المقهى، حيث يجلسان في زاوية معزولة، تضج بالطاقة والحماس الذي تملأ به صاحبتها المكان.

كانت الكلمات تتدفق منها باندفاع وكأنها تخرج من أعماق روحها، فتنهمر بأصابعها المرتجفة فوق الأوراق المبعثرة أمامها.

_ مجهزة لك توقيع ليكِ مخصوص ، بجد هتنبهري بيه

كانت عينايها تلمعان ببريق خاص، كأنما ترى أمامها كل ما تتحدث عنه.

ابتسمت سلمى ابتسامة هادئة، وهي تتأمل حماس صديقتها الذي لم يتغير يومًا، وتقول برفق:
_  يا بنتي أنتِ عمرك ما فشلتي أنك تبهريني  .. ، ويلا خلصي الرواية بقى أنا  متحمسة اوي اصورك بيها  وهي في ايدك كدة .

رفعت  عينيها متأملة السقف كأنها تحاول رسم حلمها هناك، ثم عادت تنظر إلى سلمى وتقول بثقة:
_كل اللي محتاجاه بس هو إن الناس يشوفوا شغلي. مش مهم الشهرة.. المهم إن حد يحسني.

...
ومن ذكرى إلى أخرى ..

إحدى الليالي المتأخرة، كانتا تجلسان في زاوية المقهى المعتادة، حيث اعتادت صديقتها أن تفرد أوراقها وتتحدث بحماسة لا تهدأ.

لكن تلك الليلة، كانت نظرات صديقتها شاردة، وتكسو وجهها تعابير من القلق الذي لم تألفه سلمى.

وحدها الحروف بقيت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن