روث البقر

126 26 11
                                    

_

بثغرٍ بسّام بسطت الشمسُ أذرُعَها تحتضن الأرض بسُكّانها، تُنثِر ضياءَها مُشرقة بعد احتلال الليلِ بقمره الساعات الفائتة، وقبل أن تُكمِل صُحوّها كانت الآنسة الصغيرة تتغلغل بين الأشجار رويدًا عن خفاء، وبين الفينة والأخرى تلقي نظرها للخلف متفقدةً المكان حولها، آنسها حفيفُ الرياح بالأشجار، وزقزقاتُ العصافير هدّءت جوانحها فجعلت لمحياها بسمة نديّة تنير وجهها وترفع وجنتيها الحمراوتين بدلال، تطايرت تنورتها الحالكة خلفها فبان جوربها الناصع بطولِه يحتضن قدميها، يمدّهما بالدِّفء كأمٍ تحتضن صغارها في ليلةٍ مثلجة.

سارَت حيثُ تقف شجرةٌ ضخمة، بأغصانها المُتعرّجة وأوراقُها زاهِيةُ الخُضرة، وقد احتمى أسفلُها صاحب المعطف الأسود، يحتضنها بظهره مستظلًّا بظلّها، كان يحمل كتابًا صغيرًا بين يديه بإحكام ويتطلع نحوه بامتعان.

تجوّلت عيناهُ الداكنة بين شوارع الكلمات يراها تتجسّد أمامه بسكّانِها، متجر الدمّى المُتكلّمة دفاعًا عن صاحِبِها المريض، وقبرُ سيّدته ومحبوبته الشقراء وابنه، حتى الدمية المصنوعة على ملامحها استطاع رؤيتها بين يدي العجوز الباكي. تمتم بنبرةٍ مُشفقة.

"العم تنيسون يالك من مسكين!"

" آدم!"

التفت للمُنادِية بشفاهٍ مُنبسطة وقد ارتخت ملامحه، هرولت نحوه وابتسامتها تشع متجاهلةً تجادل ضفيرتيها مع الهواء.

"افتقدتك! "

◦•●✿࿚༺.༻࿙✿●•◦

"جلنار.. انهضي! أوشكت الشمس على الزُهوّ، استيقظي يا فتاة!"

سَئمت النائمة من شقيقتها المزعجة وزنّها المتواصل، تقلبت على بطنها وهي تجذب الغطاء مردفةً بخمول.

"اليوم الجمعة وهي أجازة."

جذبت منها الغطاء صائحة بلؤم.

"الجمعة كانت البارحة أيتها البلهاء!"

جعّدت 'جلنار' ملامحها وانتفضت من الفراش راكضةً للمرحاض بفزع، بحلقت بها 'آن' وابتسامتها الخبيثة تكتم ضحكاتها قبل أن تسرع للخارج.

.

.

جمعت حفنة من المياه الباردة ثم ألقتها على وجهها  فارتجف مُتبعًا رعشة جسدها بأكمله، وفي المرة الثانية بالضبط عقدت ما بين حاجبيها تحدق في الفراغ باندهاش.

◦•●✿࿚༺.༻࿙✿●•◦

"في يومٍ قالت السّمكةُ لصديقِها القرش..

لمَ تأكلْ ما هم أصغر منك أيها القِرش؟

السمكةُ الصغيرةُ.. مسكينةٌ ولها حياة

كف عن التهامها أيها القرش!"

تراقصت آن وهي تهبط من الدرج مدندنةً بلحنٍ يتردد داخل عقلها دون توقف، قفزت للأرضية متجاهلةً درجتين وراحت تُفتش الأرجاء بخضراوتيها بحثًا عن مربيتهما.

"سيدة بيروني.. أين أنتِ؟"

أجابتها شقيقتها من أعلى الدرج بحذاء هبط فوق رأسها مباشرة ومحياها لا يبشر خيرًا.

بملامح باكية تحسست آن رأسها وهي تركض نحو الخارج خِشية أن تلتقطها جلنار الغاضبة، خرجت بيروني من المطبخ ممسكةً بسكين مُلوثة بفتاتٍ أخضر، أردفت بانزعاج" آن كفي عن الصراخ! ما بكنّ يا فتيات!"

"صباح الخير سيدة بيروني."

أردفت جلنار بنبرة حادة وهي تهرول خلف شقيقتها دون النظر نحوها حتى.

تأملت بيروني شعرها المبعثر ومنامتها القصيرة بعجب" مجنونات!"
.

.

.

"سأقتص منكِ."

رُغم الألم الذي خَلّفه حِذاء شقيقتها الجلد إلا أن أسنانها اللؤلؤية تكنسه عن أعين الناظرين.
ركضت في الساحة الخضراء أمام منزلهم وهلعٌ طفوليّ أسر قلبها، فالبكرية تركض خلفها مقسمة على الانتقام.

ولجت الحظيرة وقهقهاتها المتقطّعة تستفز الأخرى فتزداد حنقًا، راوغتها آن حتى تعثرت جلنار وسقطت على روث البقر، تخصّرت بابتسامتها المبتهجة ثم أردفت تغيظها.

"الفتيات المهذبات يقولون صباح الخير."

صاحت جلنار باشتعال وهي تحاول النهوض.

"صباحُ الغمِّ والمصائب."

أخفَت آن ثغرها بكفّها شاهقةً بصدمة
"يا إلهي.. فتاة غير مهذبة!"

انحنت بجذعها للأمام وهي تتهجى الكلمات.

"اسمها صباحُ الخير وليس الغمّ!"

احمرت أذناها بغضبٍ جم صارخةً بانفعال.

" آن!"

في الخارج حلقت العصافير فَزِعة من ذاك الصوت العالي.

◦•●✿࿚༺.༻࿙✿●•◦

بدأت ٢٥/١/٢٠٢٤

بدأت ٢٥/١/٢٠٢٤

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
عرائس القطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن