فقاعات

49 17 1
                                    

علِقت العَبرات بين أهدابِها وهي تحاول تنظيف شعرها الذي تلوث بأكمله، كانت تكره رائحتها كما تكره مزاح آن والسيد سميث معلم الموسيقى، سقمت فألقت الكوب والصرخات محبوسة داخلها.

اقتربت من الدلو المُسطّح تقابل وجهها المُتكسّر على صفحةِ المياه، تأملت ملامِحها حتى شرد عقلها كما عيناها، رأت فيهما شيئًا غريبًا، عالمًا آخر داخل بؤبؤيها يقبع، اقتربت أكثر حتى لامست المياه أنفها.

"في الأسفل الكثير من الفقاعات!"

توسعت مقلتيها أكثر وشيء ما يسحبها لإدخال رأسها في الدلو حتى انصاعت، وكأنها غاصت في المحيط، لم تدرك كيف ومتى! لكنها فقط بدأت تهبط للأعماق، الهواء يدخل لرئتيها رغم ما يحاوطها من مياه، لم تحاول البحث عن اليقظة، اكتفت بمياهٍ نظيفة تحضنها وشعورٌ صافٍ يربت على قلبها، أغمضت عينيها ببطء وابتسامتها تنثر الورود على الأسماك البرتقالية بعد أن  تحولقوا حولها، جاعلين منها بؤرتهم.

ظلت المياه تدفعها للأعمق، تريدها أن تعثر على كنزها المنسيّ، روحها الضائعة، بتلاتها المندثرة أسفل طبقات المياه، التي تراقصها على سيمفونية البحر كلما مرّ تيار الموجٌ ملاطفًا.

ظنت أنها وصلت للقاع، فذاك الجسد الصلب جعلها تتوقف عن الغرق، أخفى عنها صفحات المياه الرقيقة، حاوطها بذراعيه يدفع حرارة جسده لخلاياها، يتشمم رائحة شعرها العطرة، هامسًا.
"أيُسكَر المرء من الرائحة؟"

أدركت صوته سريعًا ففرقت بين أهدابها بسرعة تبتعد عنه، جال بخاطرها أنها بهيئتها القبيحة وما قاله كان سخريةً، احمر بياض عينيها وكادت تدمع، ابتسامته الدائمة تخبرها أنها على ما يرام، انتبهت لاختفاء المياه من حولها فتبدل عبوسها لاستفهام.

*ملابسي!*

تحسستها فإذ بها جافة، دارت ببنيتيها تتأمل بأي مكان نقلها هذه المرة.

كانت قاعة كبيرة جدًا بها الكثير من اللوحات، لوحاتٌ للكثير من القطط، لم تفهم سرّ عشقه لهذه المخلوقات الـمُشعرة كما تراها.

انتبهت لشعرها النظيف والمرتب حينما تلاقت عيناها بمرآةٍ معلقة فوق الحائط المقابل، كان وجهه البسّام خلفها في المرآة يكمل انعكاس الصورة، بقيت تتأملها بانذهال.

تلاشت تلك القطرات التي كادت تسقط وهي تستدير نحوه بحيرة.
" ألن تخبرني ما أنت؟"

اندلعت نغماتٌ هادئة من اللا مكان، كنيرانٍ تطلقها أيدٍ خفية، اقترب منها يجذبها في رقصةٍ هادئة، يخبرها بصمته ألا تسأل، ألا تعلم، ألا تبحث..

فقط عليها أن ترقص، أن تعيش ما تمنت أن تعيشه دومًا، أدارها حول نفسها وكأنه يحاول إسقاط نظراتها المرتبكة، أحاطها بدفءٍ كان قد زال منذ استيقاظها، وانتهت الرقصة بقبلةٍ حانية فوق رأسها.

"الجهل مع السعادة أفضل من العلم مع التعاسة."

وكانت همسته لها كوداعِه دومًا، مسح بإبهامه فوق جفنيها المُغلقين كملامسةٍ أخيرة، فرّقت بين أهدابها فرأت عينيها على صفحة المياه.

*لا أزال بالمرحاض!*

تحسست شعرها فإذا به جاف، جذبت خصلة منه تتشمّمها، تتأكد من صحةِ كلامه، رائحتها عذبة، تلك الرائحة السيئة قد تلاشت.

نهضت بتثاقل وشعورٌ لاذع يحرق أنسجة قدمها، بدّلت ثيابها ثم غادرت الحجرة تتغنّى بذاك اللحن، كانت آن تنتظرها خلف الباب، وعلى محياها علامات الندم.

تأملت جلنار بؤبؤي الأخرى وهما يتجولان في كل بقعةٍ عدا خاصتيها، وبتردد خرجت نبرتها الخافتة.

"جلنار أنا آسفة."

احتضنت جلنار وجه شقيقتها بين يديها وراحت تقبل رأسها هامسةً.

"الجهل مع السعادة أفضل من العلم مع التعاسة."

لم تفهم آن ما تفوهت به شقيقتها التي تركتها وراحت تراقص نفسها فوق الدرج، قطبت ما بين حاجبيها بعجب.

"مجنونةٌ هذه؟"

صاحت جلنار وهي تفتح ذراعيها.

"أريد أن تحملني فقعةٌ مُلونة."

◦•●✿࿚༺.༻࿙✿●•◦




عرائس القطحيث تعيش القصص. اكتشف الآن