الانتظار المحبط

76 14 18
                                    


وقف الأمير "سيهون" وسط القاعة المفعمة بالاحتفال، محط أنظار الجميع لكونه المحتفى به. غير أن نظراته كانت تتجول محملة بالأمل في رؤية رفيقة عمره ونصفه الآخر، فقد استكمل اليوم عامه الثامن عشر.

"ألا تظهري الآن يا رفيقة الروح؟"، همس الأمير في قلبه، مستذكرًا القواعد المقدرة لعالم الخوارق. بلغت القاعدة هنا أنّ المستذئب يُدرك وجود رفيقته عند بلوغ سنّ الرشد، وعليه أن يبقى في رحلة البحث حتى يعثر عليها قبل أن يكتمل عامه الثامن والعشرون، وإلا فإنّه سينفصل عن ذئبه إلى الأبد.

على الرغم من بهاء الحفل والتحضيرات الباهرة التي أقيمت تكريمًا لأمير قرية الأحجار وخصوصية اليوم، إلا أنّ سُخرية القدر أضافت طابعًا تنكريًا للمناسبة – تنكرٌ في عالم هم أشد حساسية من خلال حواسهم الخارقة، فلكل فرد عبيرُ يُميزه.

وفي صخب الحفلة الذي لا يعني له شيئًا، لم يكن يرمي الأمير بالاهتمام إلا للحظة القدر التي ستجمعه برفيقته. تقدم أحد المقربين قائلاً "أعلم أن قلبك ينشد للقاء يا سيدي، لكن القدر له ميقاته الخاص."

يرد الأمير بنظرات ضائعة في الأفق وصوت خافت والأمل يحدوه، "لا يزال يتسع في الصدر مكانٌ للأمل، وإن تأخرت."

غَيَّرَ القدر نهاية اليوم، فعاد "سيهون" إلى حجرته وقد ثقُلَ قلبه بخيبة الأمل، ولم تتجلى رفيقة الروح كما كان يتمنى. انسحب الأمير إلى سِرِّه، وهناك كان الذئب يلتفُ حول نفسه قانعًا بالصمت، منتظرًا، لا يريد أن يُثقلَ على صاحبه بالحزن الذي كان أعظم.

---

يرتحل الأمير "سيهون" عبر قارات الأمل، يطوي المدن الواحدة تلو الأخرى، ينقّب في أعماق عيون المارة عن انعكاس ضوء يقينه. تمر الأعوام مخلفة وراءها فصولاً من الشوق غير المُتبلور، ورقصاتٍ مع الانتظار لم يكن لها من داعٍ.

ولكن الحظ، الذي كان للأبدُ هاربًا، يختبئ خلف سراب الأيام التي لا تُعد.

ها هو اليوم، تمّ العدّ التنازلي، فلم يعد يفصله عن الثامن والعشرون إلا أسبوع واحد - أسبوع يحمل على أكتافه ثقل الأبدية.

تتصاعد نبضات قلبه مع تثاقل خطاه، يكاد يسمع وقع نبضه يتردد في أرجاء الفراغ الذي يرتديه.

"هل أنتِ قريبة؟" يهمس سيهون لنسمة الليل المُتجولة، متسائلًا إن كانت رفيقته ما زالت في طي الخفاء، أم أن قدرهُ بدأ يرسم على جدران الواقع لوحتهُ الأخيرة.

يعود سيهون إلى مأواه في تلك الليلة بعد رحلةٍ أخرى خوت من غصن الأمل، يجلس على حافة الفراش والذئب فيه يهدرون بمرارة.

خمسمائة عامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن