السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نظرتْ حولها علها تفهم ما حدث، لا شيء واضح، كل ما تعلمه أنها في الشارع، ماذا حدث؟ كيف حدث؟ هي لا تعلم. الظلمة حالكة، البرد قارص، الهدوء مرعب، كل شيء يدعوها للإرتجاف. مشتْ قليلًا علها تجد أي ضوء ترى به أين هي لتعود لمنزلها، و للأسف لم ترَ شيء. بقيت في هذه الحالة لساعات إلى أن ظهرت خيوط الصباح الأولى و طلعت الشمس، حين بدأ الناس بالتواجد في الشارع لاحظت أنهم قليلون جدًا، ولا يوجد حافلات ولا سيارات، و الهواء نقيّ، عكس تلك الأجواء التي اعتادت عليها في شوارع القاهرة المكتظة بالسكان، لاحظت أيضّا أن لا وجود لفتيات ترتدي البناطيل، جميعهن يرتدين فساتين تبدو قديمة قليلًا لكنها برغم ذلك جميلة (محجبات كن أم لا)، أهي في قرية ما؟ سألتْ كل من استطاعتْ سؤاله عن مكان سيارة أجرة، أو كيفية الوصول للحيّ الذي تسكن به فكانت الإجابة أن لا أحد يعلم عما تتحدث، بعد ساعتان من المحاولة قررتْ عبثًا إيقاف أي شخص و إخباره بما حدث لربما تجد معه إجابات لأسئلتها رأت تلك الفتاة التي تمشي و تبتسم لكل من تقع عليه عينيها من شباب و فتيات، ذهبت نحوهها بسرعة، أوقفتها ثم أخذتْ نفسًا عميقًا لتقول بسرعة و بلهجة غير مفهومة:
- مرحبًا، لقد ارتديتُ قرط و بمجرد ارتدائي له وجدتُ نفسي هنا، لا أعلم كيف ولا لماذا، كل ما أعلمه أنني أريد العودة للمنزل.
قالت الفتاة بابتسامة رقيقة لا تزال ترتسم على وجهها:
- لحظة واحدة، هل اشتريتِ قرط جديد ولا تعلمين طريقة استعماله؟
- لا أعلم، كل ما حدث أنني ارتديت القرط فظهر وهج غريب مباشرة استحال إلى نور ساطع جعلني أغمص عيناي لأفتحهما بعد لحظة و أجد نفسي هنا.
قالت الفتاة بتخمين:
- أتعنين أنكِ تهتي بسبب قرطك الجديد؟
ردت الأخرى بتوتر و تعجب مفرط:
- أقول لكِ انتقلت بالقرط!!!
رفعت الفتاة المبتسمة كتفيها و قالت:
- هذا الشيء الذي من المفترض به أن يحدث.
فرغت الثانية فاها بغباء و تعجب فأتاها الرد:
- يبدو أنكِ لستِ من هذه البلاد و أن خطبًا ما حدث معكِ
ثم مدت يدها تصافحها و قالت في ود و بسمة مشرقة:
- اسمي "هاجر"، و أنتِ؟
تمتمتْ بخفوت و هي تمد يدها ولا يزال الذهول يسيطر عليها:
- زينة
ردت "هاجر" بطريقة تأسر من شدة براءتها و لطفها:
- اسمٌ رائع!
ثم تابعت تشرح لها:
- نحن في قرية نستعمل الاكسسوارات و الحليّ للتنقل، يسطع وهج غريب يتحول إلى ضوء ساطع ينقلكِ إلى المكان الذي تريدينه.
ثم أدخلت يدها تحت حجابها لتخرج سلسلة بدائرة زرقاء دون نقوش، أرتها لها و قالت:
- انظري، هذه سلسلتي التي أنتقل بها من مكان لآخر.
نظرت "زينة" لها و عيناها متسعتان على آخرهما فقالت بتلعثم:
- و ما... ما دخلي أنا ببب....ما دخلي أنا بهذا؟!
- هذا ما نحاول معرفته الآن، من أيّ البلاد أنتِ؟
- مصر... القاهرة
عقدتْ "هاجر" حاجبيها باستغراب:
- إنها المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الاسم.
ردت "زينة" في سخرية:
- لا تعرفين مصر؟! يبدو أنني علقتُ في فيلم ما.
- حسن، الأمر يبدو معقد، أرِني قرطك.
انتزعتْ "زينة" القرط لتريها إياه و ما أن وقعتْ عينا "هاجر" عليه هتفت بتعجب:
- أهذا هو القرط الذي تنقلتي به؟!
أومأت لها الثانية لتقول الأولى:
- إنه يختلف تمامًا عن الأقراط التي نستعملها.
تابعت تشرح:
- الاكسسوارات التي نستعملها ليس لها نقوش أو أشكال، هي فقط دائرية بلون واحد.
سألت "زينة" بارتياب:
- و ماذا يعني هذا؟
أجابت بحماس و إبتسامة تتسع شيئًا فشيئًا:
- هذا يعني أننا الآن بصدد مقابلة مغامرة.
لم تعلم "زينة" متى أصبحت "أننا" تطلق عليهما و لمَ هي سعيدة و متحمسة إلى ذلك الحد لكنها سألت:
- و ماذا عليّ أن أفعل؟
قالت "هاجر" و هي تشير بالوسطى و السبابة:
- علينااا، أصبحنا أختان نتشارك كل شيء الآن.
اقترحت "هاجر" بعد جملتها تلك:
- حاولي خلعه و ارتداءه ثانية مع الضغط عليه و التفكير في المكان الذي تودين الوصول إليه.
امتثلت "زينة" لاقتراح "هاجر" و فعلت ذلك لكن شيئًا لم يحدث، كررت المحاولة فحدث ما جعل أعينهما تتسع و أفواههما تُفتح، فقد تحرك القرط من أذنيها ليستقر أمام "زينة" فأمسكته بيدها فخرج منه صوت غليظ يبث الرعب في النفوس يقول:
- كي يعود الغريب إلى موطنه... يجب أن يعود الحق إلى صاحبه.
شهقة عالية خرجت من فاها الفتاتان تلاها صمت دام لدقائق و كل واحدة منهما تحاول تفسير ما حدث داخل عقلها، قطعت "هاجر" الصمت بقولها:
- أعتقد أننا يمكننا إيجاد إجابة لتساؤلاتنا عند أمي، هي تعرف أكثر من الكثيرين عن تلك الأشياء.
لم تجد ردًا من الأخرى بل كان الصمت هو المقابل فقالت "هاجر" و هي تحرك كفها أمام وجه "زينة":
-"زينة"؟ أقول لكِ سنذهب لأمي عساها تجد إجابة لتساؤلاتنا.
تساءلت "زينة" بتعجب:
- كيف؟
- سنذهب لمنزلي و هناك سنجد أمي و نسألها، ما بكِ هل طيّر القرط عقلك؟
- ألا ترين أن ما حدث من هذا القرط الصغير يُذهب العقل؟!
ردت "هاجر" بنبرة مازحة:
- تمالكي نفسكِ قليلا، يبدو أن لدينا الكثير من المغامرات.
ما إن أنهت "هاجر" جملتها حتى أعادت إقتراحها بأن تذهبا لأمها لإيجاد حل فردت "زينة":
- و من أنا لأذهب لمنزلك بتلك البساطة؟ هذا تطفل.
هزت "هاجر" كتفيها و قالت باستهانة:
- أنتِ صديقتي، و أنا من أدعوكِ لمنزلي لذا فهو ليس تطفل.
قالت الأخرى بحرج متلعثمة:
- لقد ... لقد رأيتكِ الآن!
هزت "هاجر" كتفيها فقالت:
- و ما المشكلة
لم تعلم "زينة" ما يجب عليها فعله معها، أتذهب معها أم ترفض؟ توترت و فكرت بالرفض و لكن أمام نظرات "هاجر" المتحمسة لم يكن للرفض مجال، لذا وافقت و قررت الذهاب معها مع اتخاذ الحذر.مشتا حتى وصلتا إلى منزل صغير-كحال كل المنازل التي رأتها هنا- سقفه ليس عالي و ليس بالقصير، يختلف كثيرًا عن العمارات السكنية التي تألفها، لكنه يبدو رقيق و جميل. دخلت "هاجر" أولًا تقول لمن بالداخل بعد أن ألقت السلام:
- لدينا زوار.
سألت أمها و التي كانت سيدة لديها بقايا جمال متعب، ووجه بشوش، سمينة بعض الشيء:
- من؟
ردت "هاجر":
- إنها هنا، ادخلي يا "زينة".
دخلت "زينة" على إستحياء و هي تفرك يديها بتوتر، قبل أن تقول أي من الثلاثة شيء، خرجت فتاة من داخل المنزل و همت لقول شيء و لكنها صمتت عندما رأت تلك الفتاة الغريبة ثم قالت بإبتسامة مستغربة:
- مرحبا، من أنتِ؟
رفعت "زينة" عينيها لتتحدث فحلت علامات الدهشة على وجهها فور رؤيتها للفتاة، إنها تطابق "هاجر" في الشكل باستثناء تلك الشامة الموجودة عند ذقنه الفتاة الأخرى، إنهما توأمتان! قالت "هاجر" قاطعة هذا الصمت و هي تشير عل أختها:
- "هند" شقيقتي التوأم، أظنكِ استنتجتي.
ثم أشارت على "زينة" و عرفت بها قائلة:
- "زينة" صديقتي.
دعتهم السيدة "ليلى" أم البنتين للجلوس فجلس الجميع فبدأت "هاجر" الحديث ببسمتها المشرقة التي لا تغادر محياها قائلة:
- أنا و "زينة" نريد منكِ خدمة يا أمي
تابعت حديثها تروي لها الحوار الذي دار بينها و بين "زينة"، عند سماع الأم ذلك الحديث ظهر القلق على قسماتها و طلبت من "زينة" رؤية القرط. أعطت "زينة" القرط للسيدة "ليلى" و فور رؤية السيدة للقرط زاد قلقها و تحول إلى ذعر مما دفع "هاجر" للسؤال:
- ما بكِ يا أمي؟
ابتلعت السيدة لعابها ثم قالت:
- أنتما تعلمان أني لست والدتكما الحقيقية
تبدلت ملامح "هند" في حين قالت "هاجر" بإبتسامة جاهدت للحفاظ عليها و نبرة غلب عليها الإستغراب:
- ما علاقة هذا الأمر بما أقوله؟!
- اسمعي يا ابنتي، قلتُ لكما كذبًا أن والدتكما ماتت بمرض خطير، الحقيقة هي أن أمكما هربت خوفًا من بطش الملك بها، كانت والدتكما خادمة الملكة و أقرب أصدقائها و كاتمة سرها، كانت تلك الملكة فتاة بسيطة من عامة الناس قبل أن تتزوج الملك، و كان هذا القرط ملكها، هذا القرط له قوة جبارة، استعملتها الملكة في الشر قديمًا قبل أن تتوب و تتزوج الملك و تنجب منه ولدان: "شهاب" و "نجم"، و كان الملك يفضل "شهاب" عن أخيه "نجم" و سبب هذا دخول الحقد لقلب "نجم" فصار يكره أخاه، وعندما مات الملك، كان "شهاب"- الأخ الأكبر- قد أتم ٣١عام و "نجم" لا يزال في التاسعة عشر، لذا تُوّج "شهاب" كحاكم هذه المدينة ، لم يعجب هذا "نجم"، فقتل شقيقه بعد أن اختفت زوجته الليلة التي سبقت قتله، عارضته أمه بشدة و لكنها لم تستطع صد ابنها عمّا يفعله، و بعد أن علم بطريقة ما قوة القرط الذي تملكه والدته حاول أخذه منها كثيرا و تصاعد الأمر حتى هربت الملكة بالقرط و خادمتها- والدتكما -معها.سألت "هند" مستنكرة:
- هربت و تركتنا؟!
أجابت السيدة تشرح:
- كان "نجم" يعلم بعلم والدتكما بمكان القرط و قد هددها بأن يؤذيكما، لم تستطع فعل شيء سوى الهرب إلى قدر لا يعلم أحد كيف يكون، خارج هذه المدينة فضاء واسع تتوه فيه البوصلة، و قد طلبت مني أن أرعاكما دون أن يعرف أحد أنني لست والدتكما الحقيقية.
صمتٌ تام خيم على أربعتهم قبل أن تبادر "زينة" بسؤالها متلعثمة :
- ككك.... كيف وصل إليّ إذا؟
أجابت "ليلى" بقلة حيلة:
- آخر شيء أعرفه هو أن الملكة هربت مع خادمتها.
قالت "هاجر" بعد صمت استمر للحظات:
- يمكننا أن نستنتج ما حدث معهم بعد ذلك، ربما استعملا القرط للذهاب لمكان مختلف.... بلاد مختلفة، البلاد التي أتت منها "زينة" مثلا ( و أشارت إلي زينة أثناء حديثها) من أين أتيتِ يا "زينة"
- مصر
- لم أسمع عنها من قبل!
التفتت إلى أمها و أختها فقالت:
- هل تعرف إحداكما شيئًا عن ذاك البلد؟
هزتا رأسيهما علامة النفي فتابعت "هاجر":
- ربما هي من بلد غريب، ينقلنا القرط إليه!
سألت "هند":
- و ماذا علينا أن نفعل الآن ؟
أجابت "هاجر":
- نجد حلا!
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
أنت تقرأ
قرط الملكة
Fantasyلم يكن قرطًا عاديًا، فبمجرد أن ارتدته أطلق وهجًا غريبًا استحال تدريجيًا إلى ضوء ساطع أغمضتْ عينيها من شدته، لتفتح عينيها بعد برهة و تصدم مما تراه!