بعد بكاءٍ ورجفةٍ استمرا لفترةٍ ليست بقصيرة، استسلمت أجفانه للنوم، وهدأت أنفاسه المضطربة، وسكن قلبه الوجل قليلًا وأسلم هيون نفسه للنوم بين يديَّ، كطفلٍ أنهكه البكاء وارتمى في أحضاني ليجد فيها سلامه
داعبتُ شعره بهدوء ليشعر بوجودي قربه، وأنا ألعن ذلك الوغد الذي أوصله لهذه الحال!لم يقطع شيءٌ نوم هيون هذه الليلة، ظللتُ صامتًا بجواره أربت على رأسه بهدوء وأتأمل ملامحه الملائكية، وددت لو أخفيه عن العالم، لو أستطيعُ أن أكون له العالم!
تسللتُ أشعة الشمس إلى الغرفة لتُداعب خصلات شعره اللامع، وتجعله يفتح عينيه بهدوء كمن يكتشف العالم لأول مرة، ليجدني بجواره ممسكًا بيده وواضعًا رأسه في مكانه المناسب، فوق قلبي مباشرةً- فيليكس؟
همس بصوتٍ متردد
استجبت لندائه الخافت وفتحتُ عيني وبادرته الابتسام
= هل حظيت بنومٍ جيد، هيون؟
- أجل، لكن.. أراهن أنك لم تفعل، لابد أن رأس كان ثقيلًا عليك طوال الليل، لما لم تبعده؟
= آهٍ لو تكون أثقالُ العالم بخفةِ رأسك على صدري هيون!
سحب يدي ووضعها على صدره
- هموم العالم وأثقاله هنا فيليكس
قالها مُشيرًا لقلبه
- أشعر أنني أزحت عني حملًا ثقيلًا عندما شاركتك، أنا ممتن للنبيذ الذي يجعلني ثرثارًا، وممتنٌ لأنك كنت الشخص الذي يستمع
= أنا هنا من أجلك هيون، وهذا ليس مجازًا صدقني! أنا بالفعل هنا من أجلك، كل حياتي مسخرةٌ لك الآنلا أستطيعُ لومه أو لوم تعجبه من كلامي، فهو لا يذكر ولا يدرك شيئًا مما حدث
- فيليكس، هل تمانع لو أصبحت ثرثارًا مرة أخرى؟
= رجاءًا، كن كذلك!وضع رأسه على صدري مجددًا كأنه أصبح ملاذه الآمن، وضم ركبتيه لصدره واتخذ موضعه بين ذراعَيّ
- أشعر بالخوف فيليكس، أشعر بالخوف.. وأشعر بالذنب.. أريد أن ينتهي كل هذا العذاب، ألا أقضي حياتي خائفًا ومذنبًا
= أتفهم شعورك بالخوف هيون، أتفهمه تمامًا وأعدك أن تكون بخير، لكن لم الذنب؟ لماذا تثقل نفسك بشعورٍ في غير موضعه، إن كان هناك من يجب يشعر بالذنب فلن يكون أنت بالتأكيد
- لكن.. الشخص الذي يجب أن يشعر بهذا لم يعد موجودًا.. والآن.. أحمل ذنبه وذنبي.. لقد أثقل هذا الهم كاهلي
= لم يعد موجودًا؟ ما معنى هذا؟
- لقد.. كنت مذعورًا، وعاجزًا تمامًا
فقد عقلي القدرةَ على التفكير، كل ما أردته هو النجاة فيليكس.. كل ما أردته هو النجاة! لا أدري ماذا حدث وماذا فعلت، كل ما رأيته هو جسدٌ تغطيه الدماء سقط أرضًا وفي منتصف صدره سكين! كيف أتيتُ بالسكين وكيف تجرأت على طعنه.. أنا لا أدرى.. كانت هذه الوسيلة الوحيدة أمامي.. لقد أردت النجاة فقطربما تكون هذه هي الذكرى الأسوأ في حياة هيون، سبب خوفه.. وسبب عذابه! المسكينُ أراد النجاة من يد هذا الوغد، فألقى بنفسه في سجنٍ من الجحيم!
عاد هيون للبكاء بحرقةٍ، تجمدتُ تمامًا أمام دموعه، لم أستطيع مواساته حتى.
- أليست هذه سخرية القدر؟ الطبيبُ الذي يجب أن يُحيي الناسَ قد سلبَ أحدهم حياته.. لم أستطع حتى ممارسة ما تعلمته، كيف توقف نزيفه، وكيف تحافظ على حياته، كل ما تعلمته ذهب سدى أمام خوفي، أنا طبيبٌ بائس يده مخضبة بالدماء!بدا هيون كمن فقد صوابه تمامًا، أريد مساعدته!
=هيون، لم يكن لك ذنبٌ في هذا! لم ترد قتله
قلتها له وأنا أهز جسده لعله يستفيق من هذا الكابوس
- لكنني فعلت.. لا أستطيع تحمل ذلك فيليكس، كلما رأيتُ مريضًا على حافة الموت ورأيتُ دمه على يدي اذكر ذلك اليوم، أشعر كأنني أقتلهم كل مرة، يموتون أمام عيني مرةً وأموت معهم آلاف المرات!أعرف أن أي كلماتٍ سأقولها الآن ستكون بلا جدوى، اكتفيتُ بضمه بكل ما أوتيت من قوة، وبكل ما أحمله له من حب
= هيون، هل تسمع ضربات قلبي؟ هذا القلب ينبض الآن بفضلك! لولا وجودك ولا لقائنا لكان صاحب هذا القلب ميتًا الآن، كل نبضةٍ تتلو الآخرى هي بسببك.. ومن أجلك!رفع رأسه وجعل عينيه الخلابتين تلتقيان بعيني، وتسللت لوجهه ابتسامةٌ لطيفة بين الدموع التي غطت خديه، وضع يده على قلبي مباشرة
- أنا سعيد لأن هذا القلب ينبض الآن، وسعيدٌ لأنني بين أحضان صاحبه
رفع رأسه بهدوء واقترب من وجهي، أعرف وجهته الآن وقد سلط عينيه على شفتي، وإن أردت الحق أردتُ أن أسبقه لتلقي شفتانا
شعرتُ بدفء أنفاسه يداعب وجهي، وشفته الوردية قد لامست شفتي بكل خفة،تلاحمنا في لحظة حارةٍ تنسي كلًا منا ما عاشه، كتائهٍ قد وجد طريقه بهذه القُبلة، قِبلتي ومقصدي ونجاتي، إن كان ثمن هذه اللحظة هو تغيير زماني وأيامي، فلتكن جميعُ أيامي فداءًا لك هيون.
أغمضتُ عيني لأتذوق حلاوة شفاهه، ولأحيا هذه اللحظة بكل جوارحي.• صوت قطرات، وصوتُ رنينٍ منتظمٍ *
فتحتُ عيني برفق وأنا أنتظر رؤية هيون أمامي، لكنني لم أجده!
= أوه! لقد استقيظ المريضُ أخيرًا، فليحضر أحدكم الطبيب!يُتبع..
YOU ARE READING
Deja Vu
Fanfictionقد يقضي الإنسانُ عمره باحثًا عن الشخص الذي يهِبه الدفء، يعطيه سببًا ليحيا كل يوم، وجهٌ يتلهف لرؤيته إن غابَ عنه دقائق! من المستحيل أن ينسى الإنسانُ وجه الشخصَ الذي يُحب أو يغفل عن تفاصيله، لكن ماذا لو كانت أول مرةٍ تراهُ هي المرة الأخيرة؟!