الفصل الأول |نقطة الإنحدار|

265 34 0
                                    


في إحدى الليالي الشتوية العاصفة، حيث كان فريقًا من باحثي الآثار يتسلقون أحد الجبال الرملية، بإحدى الصحاري القاحلة، وفي أثناء تسلقهم هذا وقع نظر أحدهم فوق شيء مدفون نصفه بالرمال؛ ليذهب بناحيته ليعلم ما هذا؟...

اخذ يُزيل حُبيبات الرمل التي تغطي هذا الشيء، ليراه كاملًا إنها إحدى الخرائط العتيقة لبعض الأماكن التي تكمُن بها قوى عظيمة، والتي أُكتُشِفَ بعضها بل أكثرُها...

لتقع عيناه على أحد الأماكن التي ولأول مرة يراه على خريطة قطّ...

ليأتي له "صالح" ليسأله مستفسرًا: ماذا وجدت يا أحمد؟
ليجيبه" أحمد" ومازالت عيناه مُعلقة بالخريطة التي بين يديه: إنها خريطة عتيقة لبعض الأماكن المحظورة
ليتعجب "صالح" مُردفًا: وهل توصلنا إلى جميعهم؟.
نظر له "أحمد" بحيرة ثم اجابه: جميعهم دون هذا المكان
سأله "صالح" بفضول: وما هذا المكان؟
أحمد: لا أعلم، ولكن ستظل هذه الخريطة معي، حتى أتوصل إلى هذا المكان
لينحني عليه "صالح" هامسًا له: سأرافقك بهذه الرحلة التي ستخوضها

ابتسم له "أحمد" بود، ثم اكملوا طريقهم كيفما بدأوه، وذهن "أحمد" مُشتت بين الطريق وبين المكان والرحلة التي بدأ يخطط لها كي يخوضها ويستكشف بِصُحبة زميله "صالح".

ليتقدمون إلى بَر الأمان بسلام، وكُلًا منهم اتجه إلى منزله كي يستريح من هذه الرحلة الشاقة التي كانوا بها..

إتجه لينعم بقسطً من الراحة، ولكن ذهنه لم يذُق طعم الراحة، حتى وقع في سُباتٍ عميق وذهنه مازال يعمل، حتى أن عقله الباطن صور له بعض الأشياء..

ورأى انه في وسط جزيرة، ولكنها ليست بجزيرة عادية! إنها جزيرة على هيئة فَم وهو بداخلها تُريد ان تبتلعه، ولكنه اخذ يحارب وكأنه يبحث عن شيء حتى ينجو من هذا الهلاك

ليستيقظ فزعًا وتأكد ان هذا كان منامًا قد رأه فقط، ليستعيذ من الشيطان الرجيم، ثم عاد للنوم مرة أخرى...

وباليوم التالي، اخذ يبحث كثيرًا وبذل كل جهده، حتى يتمكن من الوصول إلى هذا المكان، وأين يقع بالتحديد..

جاء له زميله" صالح" متسائلًا: هل توصلت إلى شيئًا؟
أجاب "أحمد" بتفاؤل: نعم، لقد تيقنت ان هذا المكان موجود في أستراليا ولكن لا أعلم بالتحديد اين هو!
صالح بتساؤل: وماذا يجب علينا فعله الآن، هل سنذهب إلى أستراليا للبحث عنه؟
أحمد: بالطبع لا، سنذهب للبحث عن مجهول!!

ثم اخذا يُفكران مُجددًا، كي يتوصلان إلى حلًا سريعًا، إلى أن توصل هو بمساعدة صديقة إلى هذا المكان بالتحديد...

صالح بعد ان نظر إلى المكان المُشار إليه: هل سنذهب من اليوم؟
أحمد: لا، من الغد، اليوم سنجمع امتعتنا، وسنجمع بعض المعلومات عن المكان كي نستطيع التصرف في اي وقت إذا وقعنا بمأزق
وافقه "صالح" الرأي ثم سأله: هل سنريد ثالثًا معنا؟
أجاب "أحمد": لا، ولكن سنصطحب أحد أجهزة اللاسيلكي للضرورة
صالح بتعجب: إنها مدينة أسترالية المنشأ، فبالطبع متطورة إليكترونيًا!
أحمد: ولكن ماذا لو كانت بها قوى كامنة، رافضة للتطور التكنولوجي هذا؟
صالح: إذًا سأصطحب معي جهازًا للتتبُع

وافقه" أحمد " ثم جلس يروي له الحُلم الذي رأه، وهذا التشخيص للجزيرة التي كان بها، وتلك المُعاناة التي عانىٰ منها بهذا الحُلم، ولكنها اعطت له دافعًا قويًا في البحث و الإستكشاف عنه ومعرفة هل هو بالفعل كما رآه أم هذا مُجرد رؤية جُسدت نتيجة تفكيره الكثير في المكان وشكله...

بعد أن استمع "صالح" إلى حديثه شعر بتسلل الخوف إلى داخله كما يتسلل الظلام بداخل الليل، ولكنه تغاضى عن شعوره هذا وجلس يُفكر مُجددًا في طرق أخرى تساعدهم وقت إختراق هذا المكان..

فدائمًا ما نشعر بالخوف وكأنه سلسلة من الأشواك البارزة بداخلنا، فقط تثيرها أفعال الشك وعدم اليقين...

ترك "أحمد" هذا المبنى الخاص بالأبحاث التابع له ولبعض اصدقاؤه في العمل، واتجه إلى منزله وبداخله بعض القلق و التوتر مما ينتظره، ومما هو مُقبل عليه...

لم يستطع هو التغاضي عن هذا الشعور، فـالقلق يُشبه رياح الشتاء الباردة، التي تعصف بأفكارنا كأوراق خريفية هاشة، وكلما زادت الرياح، تسارعت الأفكار تلاطمًا وإرتباكًا بالأذهان، وكانها في عتمة محيطة بالغموض...

اتجه "صالح" إلى منزل صديقه "أحمد" ثم طرق الباب ودلف بعد ان أُذِنَ له..

صالح مُبررًا: نظرًا لأننا سننتقل غدًا معًا، لما لم نُبيت في منزل واحد؟
ضحك "أحمد" على هذا التبرير الذي يُعيده لبعض الذكريات القديمة التي تجمعه مع بعض افراد عائلته، حينما كانوا صغار ويجتمعون بمنزل الجد وقت السفر، او العزائم، وبعض المناسبات الأُخرى...

ثم أجاب على "صالح" بعد أن أفسح له الطريق للدخول: منزلك يا صديقي

وتركه وإتجه إلى" المطبخ" كي يُعد لهما بعض العشاء، دلف وراؤه "صالح" ليساعده في إعداد الطعام لهم، ثم بدأ الحديث بينهم بود وأريحية..

صالح ببعض الترقب: لما لستُ متزوجًا حتى الآن؟
شرد "أحمد" ثم اجابه بسكينة: اردتُ لأطفالي القدوم في بيئة مناسبة، وأب ذو مقام عالٍ وشأنًا مرموق
صالح بإذهال: ألم تحقق كل هذا؟
أحمد: نعم ينقصني فقط الأطفال
صالح بإيجابية: اذًا تزوج
أحمد بسلام: أعدك بعد هذه الرحلة، واذ عُدنا بسلام سأفعلها وأتزوج
ترددت في أُذُن "صالح " كلمة واحدة فقط ألا وهي "إذ عُدنا"، فماذا يُعني بها!! هل من الممكن عدم عودتهم مرة أُخرى! أم " أحمد" على يقين تام بهذا!

اخذت هذه الأفكار تُراود عقله، واخذ التردد ينهش بثنايا فكره، فـالتردد يُشبه الموجات في الحياة، يؤَرجح تجاربنا بين التحديات والفرص، وكل تردد يحمل لنا دروسًا جديدة في رحلتنا، ولكن تردده هذا يُريده أن يتخلى عن هذه الرحلة والفرصة التي جاءت له...

أراد أن يُبعد هذا التفكير جانبًا، ليجلس أمام التلفاز، يُشاهد أحد الأفلام الكوميدية كي يُلهيَّ عقله بعيدًا عن هذا، فبداخله صراع بين الذهاب والإكتشاف مع صديقه، وآخر يصرخ بعدم الذهاب وخوض المعركة التي لا يعلم عنها شيء، ولكنها تُثير فضوله وخصوصًا بعد ان أوضح "أحمد" مكانها بإستخدام الذكاء التكنولوجي، فهو يريد ولكن داخله يأبىٰ الخوض...
༺༻༺༻༺༻༺༻༺༻༺༻༺༻
بقلم رنا محمد "حبة البُندق"
رأيكم
يُتبع..

مُغامر بنقطة الإنحدار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن