الفصل الثالث عشر

2.2K 54 2
                                    


كانت تشعر بأنفاسه الدافئة على وجهها .. تستنشق رائحته الرجولية الرائعة .. شعرت بلمسات أصابعه على وجنتيها ...وهو يقترب بوجهه من وجهها ببطء ثم ....
أيقظها صوت رنين هاتفها لتفتح عينيها بحنق و هى تلعن من ايقظها من هذا الحلم الرائع .... الا أنها ما أن رأت الإسم الفذ أمامها حتى هبت جالسة فى فراشها وهى تلتقط نفسا عميقا ... ثم أجابت بصوتٍ يكاد يسحر قلوب أعتى الرجال ببحته المميزة
( نعم ...)
اجابها بصوته العميق النبرات دون مقدمات
( أمامك عشر دقائق و سأكون تحت بنايتك لأقلك معى ........)
هتفت بجذل
(عشر دقائق ؟!!!...... أنت تمزح )
رد عليها بحزم
(عشر دقائق سابين ..... ثم أصعد لآخذك كما أنتِ .....)
ضحكت بإغراء وهى تقول
( وقتها ستثير فضيحة فى العمل ........فقد أكون لا أزال ملتفة بالمنشفة )
شعرت بالسعادة العابثة وهى تسمع صدى أنفاسه المتحشرجة و التى وصلت سخونتها اليها عبر الهاتف .....ثم رد عليها أخيرا بصوتٍ أجش
(عشر دقائق سابين....)
ثم أغلق الخط دون أى كلمةٍ أخرى ....فقفزت سابين من فراشها فى لحظةٍ واحدة لتتسابق مع الزمن ... بينما الابتسامة العابثة الواسعة تغطى شفتيها الجميلتين .......
بعد عشر دقائق تماما سمعت رنين هاتفها لينبئها عن وصوله فالتقطتت حقيبتها و حذائها و انطلقت تجرى .......
أخذ ينظر اليها و هى قادمة نحوه وهى تقفز على قدمٍ واحده بينما تعدل حذاءها العالى الكعب فى قدمها الأخرى .....ما أجمل رشاقتها ...وقوامها ...إن ساقيها تذكرانه بساقى البيانو الموجود فى بيته...... وابتسامتها ..... ها هى تنظر اليه الآن ...و تبتسم ابتسامة قد تسحر قديس من روعتها .....
اخذ يراقبها تقترب منه بعد ان اعتدلت و هى تسير بطريقة عارضات الازياء ... بل و افضل منهن ايضا .... ليس من العدل ان تمتلك امراءة واحدة كل هذا القدر من السحر .......من حقها اذن ان تكون بكل هذا القدر من الأذى ......
كتم أفكاره حين فتحت الباب و جلست برشاقة بجواره ...... التقت عيناها بعينيه حاملة معها كل قدر الإغواء الذى تستطيعه .....ابتسمت و هى تشعر ببدء اقترابه منها فأغلقت عينيها مترقبة و هى ترفع رأسها قليلا لأعلى .......
(لقد اشتقت اليكِ جدا ......)
انطلقت هذه الجملة من خلفها فا نتفضت سابين شاهقة بصدمة فى نفس اللحظة التى قفزت فيها تالا مظهرة نفسها بعد ان كانت مختبئة .....
رمشت سابين عدة مرات تستوعب وجود تالا معه ....بينما كان احمد يراقبها مبتسما باستفزاز ثم قال اخيرا حين لم ترد سابين على تالا
(لقد اصرت تالا على تمضية اليوم كله معكِ فى العمل .... انها متحمسة للغاية )
لحظة ... لحظة ... ماذا ؟!!!! .... من سيمضى اليوم مع من ؟!!!.......لا.... لا .... بالـتأكيد لن يحدث .... انها لا تتحمل ان تكمل كلمتين مع اى طفل فكيف بقضاء يومٍ كامل معه .... وفى العمل أيضا ؟!!!.......
ظلت سابين صامتة تحاول التظاهر بالابتسام .... بينما هى بداخلها تغلى غضبا منه ..... انه اول يوم بعد عقد قرانهما ... كيف يفكر ؟!!!!
ابتسم بخبث ثم ادار وجهه لينطلق بالسيارة ....... بينما هى تتميز غيظا ....... و شوقا ......
تنهدت سما بعمق .... مغمضة عينيها ,جاثية على ركبتيها بينما تمسح برأسها على حجر ايثار والتى اخذت تمسد شعر سما بنعومة ....تنهدت سما مرة أخرى ثم همست
(لقد اشتقت اليكِ يا أمى ..... اشتقت اليكِ جدا)
ابتسمت ايثار بسحرٍ رائع و هى تقول بدلال
(نعم اشتقتِ الي .... و الدليل انكِ منذ عدت ِ لم تأتي لزيارتي الا الآن وبعد ان طلبت انا منكِ )
اخذت سما تطبع قبلاتٍ حانية على ركبتي ايثار ... ثم همست بحزن
( انا آسفة ..... آسفة جدا أمى ..... كانت ظروفى .....صعبة قليلا )
قالت ايثار بصوتٍ اودعت به كل حزنها
( كنتِ دائما اكثر بناتى عطفا علي ..... الا انكِ تغيرتي منذ ان تزوجتِ من فارس )
ارتبكت سما ثم قالت وهى تهمس بحزنٍ عميق
(انتِ تعرفين ظروف فارس يا امى ..... انه يحتاج الى كل ما يمكننى من رعاية )
ثم تابعت بهمسٍ فيه ظل عتاب خجول
(لم تهاتفيني مرة واحدة أمى ..... كنت فى امس الحاجة اليكِ ... حاولت مكالمتك لكنك ....)
صمتت و قد اختنق صوتها بدموعها التى بدأت تترقرق فى عينيها ........ قالت ايثار بصوتٍ هامس
(هل كبرتِ يا سما و اصبحتِ تحاسبيننى ....)
اغمضت سما عينيها بعد ان سقطت منهما دمعة وحيدة على وجنتها ... وهى تحاول نسيان ايام كانت تظل ليلتها ساهرة تبكي من قسوة حبيبها عليها .... من وحدتها .... من غربتها .... و كانت وقتها فقط تهفو لكلمة من أمها .. او حتى ان تسمع صوتها حتى لا تشعر بمثل ما كانت تشعر به ...... لطالما كانت سابين هى القلب الذى تلجأ اليه دائما لكنها لم تستطع ابدا ان تستفيض فى اخبارها بما يحدث لها لمعرفتها بشدة سابين و بأنها لن تسكت على ما يصيبها فتبدأ باشعال الحرب على فارس ووالده الذى كان قادرا على سحق سابين لو عارضت مخططاته .... الوحيدة التى كانت تعلم هى امها .... وكانت تنتظرها يوما بعد يوم ليرق قلبها و تأتى اليها فى منفاها البعيد لتؤنس وحدتها .... كانت بحاجة اليها بشدة ...لكنها لم تأتِ ابدا ..... وقد كسر هذا قلبها كما كسره فارس مرارا ......
لكنها الآن ما أن ارتمت فى حضن أمها حتى شعرت بأنها قد نسيت كل آلامها و أحزانها ....
استمرت ايثار فى مداعبة شعر سما ثم قالت بصوتٍ خافت
(ان فارس يمنعك من رؤيتى اليس كذلك ؟....)
اسرعت سما بالنفى سريعا و هى لا تعلم انها لا تستطيع الكذب ابدا ..... فابتسمت ايثار برقة وهى تقول
(هل يعلم انكِ هنا الآن ؟.......)
رمشت سما بعينيها ..كما تفعل عندما تكذب دائما ....فابتسمت ايثار اكثر وقالت
(هذا ما كنت اظنه ......)
ارتبكت سما ثم قالت وهى تنظر الى ايثار
(انه لا يقصدك انتِ شخصيا .... لكنه لا يجعلنى اختلط بالناس كثيرا )
اتسعت ابتسامة ايثار و لمعت عيناها بشدة كالنجوم و هى تهمس بشرود
(يبدو انه متعلق بكِ بشدة ....)
لم ترد سما بينما شردت هى الاخرى بعيدا .... بعيدا عند حبيبها .... هل حقا هو متعلق بها بشدة .... هل باتت مهمة لديه ام انه مجرد امتلاك ...... هل يحتاجها هى ام يحتاج رعايتها .....
ظلت عيناها الجميلتان شاردتان بعيدا وهى لا ترى الابتسامة الظافرة لايثار التى تراقبها دون ان يفوتها اى تعبير خرج من قلب سما الصغيرة ....لطالما كنتِ المفضلة لدى يا سما .... لم اشعر ناحية حلا و سابين بما اشعر به ناحيتك ..... و بالتاكيد انتِ من ستنقذنى حبيبتى .....
ارتفع رنين هاتف سما لتنتفض من شرودها حين طالعها اسم فارس فارتجفت بشدة و هى تعلم عمق المصيبة التى ستلقى عليها ....ابتلعت ريقها ثم ردت عليه بهمسٍ
(ن...نعم فارس ...)
صرخ فيها من الجانب الآخر
(اين انت؟.....)
ارتجفت سما بشدة و قالت متلعثمة
(أ...أنا ....ك...كنت ....)
قاطعها صوت صراخه من جديد ليهز الهاتف فى يدها بذبذباته
(انتِ عندها اليس كذلك ؟...... اجيبينى عليكِ اللعنة .... ذهبتِ دون ان آذن لكِ ....خرجتِ دون ان اعلم ....حسابك سيكون عسيرا يا سما ...)
كانت دموعها قد بدأت فى رسم خطوطا بيضاء على وجهها و اخذت ترتعش بشدة و هى غافلة عن ايثار التى تراقبها بصمت هازىء
حاولت سما الكلام وهى تهمس
( فارس لم يحدث .....)
قاطعها كالمجنون دون ان يعطيها فرصة للكلام
(اصمتى ... دقائق و اجدك امامى ...هل تفهمين ....)
هدأت سما تماما و صمتت للحظاتٍ بينما جفت عيناها تماما ثم اخذت نفسا عميق و قد بدأت تحس باحساس غريب يسري فى عروقها ليبعث سخونة فى اعصابها .... دفعتها هذه السخونة الى القول بمنتهى الهدوء
( سأبقى ... فارس )
ساد صمتا قاتلا فى الجهه المقابلة و لم تسمع الا انفاسا هادرة تكاد تحرق اذنيها .... ثم بعد عدة لحظات سمعت صوته يأتى منذرا بهبوب عاصفة هوجاء
( ماذا قلتِ ؟......لم أسمعك جيدا ....)
ردت بمنتهى الهدوء
(قلت اننى سأبقى فارس .... أمى تحتاجنى الآن و سأعود بعد ان انتهى من مساعدتها )
ساد نفس الصمت القاتل للحظات ثم همس فجأة
(اذا لم تأتِ حالا فلا تزعجى نفسك و تأتِ ابدا .......)
صمتت هى و صمت هو ...... بعد ان القى قنبلته و التى اصابتها فى مقتل و لم تتحدث الا انفاسهما المصدومة
تمكنت اخيرا من النطق همسا
( حسنا اذن .... ان كان هذا هو قرارك )
لم يجبها .... لم يستطع .... لم يستطع ان يصدق انها سما التى تكلمت الآن ..... مالذى حدث ؟.... كيف استطاعت ان تنطقها ... ولما الآن ؟....
سنين وهو يجرحها و يدفعها دفعا لتركه ... الا انها كانت تقاتل بشراسة لتبقى بجواره مهما فعل .....فما الذى حدث الآن ؟؟.....من اول مرة ترى فيها ايثار .... تنقلب عليه لتتخلى عنه بمنتهى البساطة ....
نعم ... نعم .... ما كان يخاف منه قد حدث ... وها هى سما تتسرب من بين اصابعه .... بعد ان كانت تتشبث به كأمٍ تأبى التخلي عن طفلها .....
اغلق الهاتف دون ان ينطق بكلمة ثم اغمض عينيه و هو يشعر لأول مرة بألمٍ كاسر ينهش اعماقه .... الما فاق الالم الذى شعر به حين فقد بصره ... و الذى شعر به حين فقد حبيبته .... و اى الم شعر به يوما ما
فالتى فقدها الان هى..... سما .....
سقط الهاتف من يد سما وهى لا تشعر بنفسها الا وقد بدأت تشهق بعذابٍ لا يمكن وصفه .... اخذت تبكي وتبكي حتى سحبتها ايثار الى احضانها الناعمة و هى تمسد شعرها .... ثم همست فى اذنها
(لا تقلقى ...سيأتى اليكِ حبيبتى ... لن يستطيع الاستغناء عنكِ ..ومن ذا الذى يستطيع تركك ؟.....سيأتى بعد ان يكون عرف قيمتك فى حياته ......وحينها.......وحينها تستطيعين املاء شروطك )
الا ان سما لم تكن تسمع شىء الا صوت بكائها بعد ان انهارت فى احضان امها
اخذت حلا تتسلل على اطراف اصابعها حتى وصلت الى السيدة اسراء و التى لم تشعر بوجودها بعد , الا حين شعرت بذراعين تلتفان حول اكتافها من الخلف و قبلة ناعمة انطبعت على وجنتها وصوت حلا الرقيق يهمس
(صباح الخير سيدة اسراء )
ابتسمت السيدة اسراء ابتسامة صارمة يتخللها بعض الحنان ثم قالت
(صباح الخير سيدتى ...)
ابتسمت حلا و هى تلف حولها لتواجهها ثم قالت بصوتها الرقيق
(لقد قلت لكِ سيدة اسراء الف مرة لا احب كلمة سيدتى هذه ابدا ......انا حلا ...حلا فقط )

لعنتي جنون عشقك. 🌺بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن