الفصل الحادي والعشرون

1.7K 42 0
                                    


كانت سما جاثية على ركبتيها أمام ساقي ايثار الجالسة تحدق أمامها بشرود ...فحاولت مرة أخرى و هي تربت برقة على ركبتها قائلة بعطف
( أمي ماذا بكِ ؟.........لماذا لا تتكلمين معي ؟........ هل حدث شيء ؟......)
ظلت ايثار صامتة تنظر الى البعيد ....عيناها شردتان مكسورتان , حتى كادت سما الا تتعرف اليها , إنها المرة الأولى التى ترى فيها أمها بهذه الصورة ......
أول مرة لا ترى اللهب الأزرق المنبعث من عينيها ليحل محله ذلك الإنكسار الغريب .... هل بدأت ايثار الراشد تفقد قوتها .... شعرت دائما أن هذا ما لن يحدث أبدا , فايثار التى عرفتها لا مكان للضعف أو الإنكسار في قاموسها ....
مدت أصابعها لتتلمس وجنة ايثار التى ازرقت قليلا ثم همست
( ما هذا ؟......هل ارتطمتِ بشيء ؟....... هل أنتِ مريضة امي ؟ هل شعرتِ بالإغماء و سقطتِ ؟.......)
( سما نحن هنا مما يقارب الساعة ولا أسمع أي تجاوب منها .... كما أنه من الواضح أن سابين لم تأتِ الى هنا......فلنذهب )
رفت سما رأسها اليه لتنظر بغضبٍ الى قسوة ملامحه ولامبالاته ......الا أنها أخذت نفسا عميقا لتسيطر على نفسها ثم عادت لتنظر الى ايثار قائلة برقة
( أمي هل تعرفين أين هي سابين ..... احمد مهران يبحث عنها كالمجنون في كل مكان , أنا قلقة عليها للغاية ..... هل هذا ما يشغل بالك أنتِ ايضا ؟ هل أنتِ قلقة عليها ؟...اطمئني فمهما كان قلقي انا ايضا , لكني اعرف ان سابين قوية و لن تتهور ابدا )
قاطعتها ضحكة هازئة من فارس لم يستطع كتمها ......فنظرت اليه بحنقٍ و قالت بهدوءٍ قدر الامكان
( فارس .... من فضلك ... الا ترى أن الوضع لا يتحمل سخريتك )
انعقد حاجباه بغضب و اتخفت السخرية من عينيه و ظهرت القسوة بهما و هو يقول بغضب
( وما دخلي أنا بهذا الوضع ؟.......إن أرادت أختك الرحيل فلترحل و سيكون احمد وقتها هو الرابح .........)
لمعت عيناها بغضبٍ أشد من غضبه و لم تستطع تمالك نفسها و هي تقول محتدة
( فارس الم تستطع تقديم دعمك فلتنزل و تنتظرني في السيارة ...............الا ترى أن أمي قلقة و متعبه للغاية ؟.......)
صدرت عنه ضحكة عالية مستهزئة خالية من كل أنواع المرح أجفلتها .......ثم عاد ليقول بشراسة
( من تلك التى تقلق ؟ ....ايثار ؟؟.......يبدو أنك لا تعرفين أمك جيدا , إنها لا تملك أي ذرة أمومة .... لا تعرف معنى الكلمة أصلا .... هل تتوقعين مني أن أصدق أن تلك التى باعتك و أنتِ أكبر قليلا من طفلة و لم تسأل عنكِ بعدها أبدا ...من الممكن أن تقلق على أيا كان غير نفسها ؟........)
نظرت اليه سما واجمة متألمة من شدة قسوته .....ها هو يعود لينكأ الجرح القديم , أما من حدٍ لقسوة قلبه .....الا يرى أنه يؤلمها بتطرقه للماضي .... الهذه الدرجة أحبت شخصا أعمى القلب .......
لكن قبل أن تنطق بحرفٍ واحد شعرت بايثار تنهض واقفة لتتعداها , ثم أخذت تصفق بيديها ببطءٍ شديد وهي تقول بفحيح الأفعى وقد عادت اللمعة الشريرة الى عينيها الحاقدتين
( رائع ....... رائع , أن أسمع فارس مهران وهو يقيم أدائي كأم ......تشعر الآن بأنك البطل الذى أنقذ سما الصغيرة مني اليس كذلك ؟)
اشتدت القسوة أكثر و أكثر في عينيه حتى بات شكله مخيفا وهو يستمع الى همسها الذي يبث السم في عروقه .........بينما أكملت همسها الشرس
( لكن قبل أن تتكلم بهذه الثقة فلتقم بسداد كل ديونك عن دورك في هذه الصفقة ِ القذرة )
أخذت سما تنقل عينيها بينهما و شرارات الغضب و الغل تتذبذب بينهما ...... تشعر ان هناك اسوا مما عرفته يوما منهما .... ابتلعت ريقها وهي تدعو الله الا تسوء الامور أكثر , فقلبها لم يعد يحتمل المزيد من الجراح .........الى أن تكلمت ايثار مطلقة طلقاتها الى صدر سما متتالية
( يبدو أنك نسيت ..... او تناسيت ......أن دورك في (صفقة الشراء ) كما تسميها ....... ينتهي في خلال ثلاث سنوات )
اتسعت عينا فارس قليلا و توقفت أنفاسه و هو يحاول التقاط أي اشارة من سما التي كانت تستمع اليهما بكل انتباه ........لكن ايثار لم ترأف بها وهي تتابع بوحشية
( ارتديت درع الفارس و خطفتها بعيدا وأنت توهمها بأنك المنقذ المغوار ........ في حين لم تخبرها أنك أنت و أباك قد اتفقتما معي على أن زواجكما لن يطول عن ثلاث سنوات أو أقل .......إن استعدت بصرك )
ذهلت سما وهي تتلقى هذا الخنجر المسموم في قلبها ثم هزت رأسها قليلا تحاول اقناع نفسها بأنها لم تسمع ما سمعته للتو ......لكن ايثار لم تعطها الفرصة بل تابعت
( لقد دفعتما ثمن ثلاث سنواتٍ من حياة ابنتي ........ و أكد لي والدك وكنت أنت حاضرا, أنها ستعود الي بعد هذه الفترة لتتابع حياتها و دراستها ...... لكن ها أنت تتفاخر و تتباهى بأنك البطل الوحيد هنا , لذا فبما أننا قد كشفنا أوراقنا ..... اذن أظن أنه من العدل أن تعترف بأن زوجة دائمة و في مثل حالتك ...هي أغلى ثمنا من زوجةٍ مؤقته استخدمتها كمسكن لأوجاعك )
( اخرسي .......)
انطلقت صرخة فارس المتوحشة من أعماق حنجرته ....... ثم خفض صوته وهو يهمس مترجيا
( سما ......)
كانت سما لا تزال جاثية على ركبتيها على الأرض تتطلع الي كلا منهما بنظرةٍ ميتةٍ لا حياة فيها .......صمت ......صمت .......فراغ أسود هائلا أحاط بها ........... الى أن جعلتها همسته الضعيفة تعود لتتطلع الى وجهه وكأنها تراه لأول مرة ........
قال فارس بصعوبةٍ وهو يشعر بألمها ينفذ الى قلبه دون أن تصدر صوتا
( سما ..... ليس الأمر بهذا الشكل ..... إنها مغرضة ملعونة لا تدعيها ......)
همست سما بكل هدوء و هي تقاطعه
( لا أدعها ماذا يا فارس ؟.........تخرب زواجنا ؟.........لكن حسب ما فهمته الآن , أن زواجنا قد انتهت صلاحيته منذ عدة أشهر )
همس فارس متأوها ( لا .....) الا أن سما لم تعطه الفرصة للكلام فنهضت واقفة وهي تتابع بهدوءٍ أكثر خطرا
( ثلاث سنوات ؟؟ ...... و أنا التي كنت أظن أنني أهب حياتي لشخصٍ بحاجةٍ الي ........حرمتموني من دراستي و نفيتموني بعيدا .......من أجل ثلاث سنوات فقط ؟؟............ما اسم هذا الزواج ؟..... زواج متعة اليس كذلك ؟؟.......أم زواج مصلحة ؟؟.......أم هو مجرد مسكن كما قالت امي ؟؟)
صرخ فارس بعصبية ( لا تدعينها بكلمة امي .......حتى الحيوانات تمتلك من الامومة يفوق ما تمتلكه هي )
ظلت سما واقفة أمامه تنظر اليه ...... ملامحها لم تتغير أبدا ...... لكن قلبها تحطم الى الف قطعةٍ ليسحقها بقدمه ..........
وقد كانت تظن أن حظها أهون من حظ حلا .......كانت تظن أنها قدمت حياتها في سبيل انسانٍ احتاجها يوما .......انسانا عشقته بكل جوارحها ......بينما هي كانت مجرد لعبة مؤقتة ليلهو بها فارس آل مهران .........الأسد أعمى القلب و الروح ........
بعد أن أصبح الصمت لفترة ٍطويلة هو الوحيد المسموع صوته بينهم بعباءته الخانقة قررت سما أخيرا قطعه قائلة بكل حزم
( بما أن فترة ايجاري قد انتهت يا فارس , فأنا الآن حرة تماما ....... لذا ..... فأنا سأبقى معك ........لأنك تحتاجني ......لكني سأكون مسؤولة عن كلِ قرارٍ يخص حياتي من الآن ....و أولها أنني سأتابع دراستي ......أما موضوع الأطفال فاطمئنك أنني لم أعد أريد أطفالك بعد الآن .......)
عاد الصمت ليسود مرة أخرى بعد كلماتها الحاسمة .......شعر فارس بعدها بقبضةٍ ثلجية اعتصرت صدره ..........فقد أصابته كلماتها في مقتل ..... سأبقى معك لأنك تحتاجني ........لا أريد أطفالك بعد الآن .........
في لحظةٍ واحدة انهارت كل أسواره العالية التي بناها حول قلبه الظالم .... طعنته بكلماتها البسيطة أكثر مما لو كانت استخدمت سكينا لتغرسه بقلبه ...بكرامته .....برجولته ....
احساسا فظيعا أن يشعر المرء بالعجز و الحاجة .....و ها هو أسد آل مهران يقف ذليلا مقهورا أمام شابة صغيرة , تملي عليه شروطها لتبقى معه ...... تخبره بكل وضوح أن الرابط الذى لا ينفصم و الذى كانت تترجى من أجله منذ ساعاتٍ قليلة ...أصبح غيرِ ذا اهمية بالنسبةِ اليها ......
إن كان هو اشتراها منذ ثلاث سنوات فقد أوضحت له الآن بكل ثقةٍ أنها على استعدادٍ لبيعه بنفس بساطة شراؤها ......ها هي الصغيرة تكبر و تملي الشروط ..... ها قد جاء يوما كان ينتظره من أول يومٍ لهما معا .... أخذ يحثها و يدفعها لتقف الآن أمامه بكل هدوئها و ثقتها ......
قال أخيرا بصوتٍ أجش قاسٍ

لعنتي جنون عشقك. 🌺بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن