الفصل الرابع عشر

2.3K 53 1
                                    

الفصل الرابع عشر
كان اليوم منذ الصباح الباكر , يوما مشحونا متوترا لدى الجميع .... بل قد يكون يوما لمثار فضول و احاديث البلدة لها .... فاليوم زفاف احمد مهران من امراءة شديدة الجمال تدعى سابين الراشد ... لمن لا يعرفها ....
الجميع ينتظر حفلة الزفاف الأسطورية فى المساء ..... حفلا تم الاعداد له بمعجزة خلال ايام معدودة .... فستان زفاف تم طلبه من الخارج ليأتى للعروس على جناح السرعة ..... الوردود و الطعام تم توصيلهم صباحا من الخارج ايضا .....
الجميع على احر من الجمر يتنظرون حلول المساء لحضور هذا الحلم ... . من لا يعرفها يتسائل من هى وهل هى على هذا القدر من الجمال الذى يحكى عنها ..... ومن يعرفها يمط شفتيه ليتسائل كيف استطاعت ان تسقطه بهذه السرعة و السهولة وهى التى لا تحمل نفس الاصل و النسب .... مجرد موظفة فى مجموعته حتى وان كانت تملك سلطة اكبر من حجمها فى المجموعة فمهما كان ستظل موظفة و من عائلة الراشد .....
ومن يعرف انها ابنة ايثار الراشد تحديدا ...... يصدم صدمة عمره من قدرة الابنة على الايقاع بالمارد بعد ان اوقعت امها بالامبراطور .....و من يعرفهم جيد ... لا يندهش كثيرا ... فهذه هى الحلقة الناقصة فى سلسلة وقوع رجال مهران فى فخ ثلاث فتيات ... هن بنات زوجة الامبراطور .....
مشاعر مختلفة لدى قلوبٍ عديدة من اثارة... فضول..... غيرة ....و قد تكون حقد..... الان المشاعر الايجابية التى تحمل فرحا صادقا قد تكون منعدمة ..... اللهم الا صغيرة جميلة اسمها سما .... وطفلة لا تختلف عنها كثيرا اسمها تالا .......
و هذا الصباح....... فى قصر آل مهران كانت المشاعر المشحونة على أشدها ............
............. .................................................. ..................................
( لا أريد الذهاب يا ادهم ..... أرجوك )
خرج صوتها الرقيق يحمل نعومة ٍ محتالة.......تجعل قلبه يشتعل نارا وتثير فيه همجية الرجل البدائى الذى يرغب فى الانقضاض عليها و التهامها كلها دفعة واحدة ........
نظر اليها و هى مستلقية على صدره كقطةٍ بيضاء ناعمة ....... ما اجمل الاستيقاظ وهى بين ذراعيه ......لقد اغرقها ليلة امس فى بحر مشاعره الهوجاء مرارا ..... حتى خاف عليها اخيرا و قرر تركها ....
منذ ان استسلم لها و استسلمت له تلك الليلة و هو لا يكتفى منها ابدا ...... اصبحت تجري فى عروقه و تتداخل مع انفاسه ....الا ان هناك فى داخله همسا يطل برأسه القبيح ليسأله ان كان ما يفعله صحيحا او ان استسلامها المطلق له طبيعي .....
شعور من تأنيب الضمير يمزقه .... فهو ينهل من نبع السعادة معها...... او بالاصح منها , و يؤجل الأمر المحتوم الى ان يشبع منها ... الا ان الظاهر امامه انه لن يشبع منها ابدا .... فالى متى سيؤجل علاجها ........
لو كان الأمر يقتصر على كوبيسها ليلا .... وعلى الذعر الذى ينتابها فى الكثير من المواقف المخيفة بالنسبة اليها ..... لكان حاول ان يخدع نفسه ......
الا ان ما يقلقه هو انها أحيانا كثيرة تنسى بعض التفاصيل من الانهيارات التى تصيبها ..... احيانا اخرى تهذى بكلمة ٍ او بأخرى دون ان تدري .... كحين اتصلت به و هى فى حالة ذعر من غضب فارس ..... اعتقدت ان سما ستقفز من النافذة حين تواجهه غضبه ......لكن حين ذكرها بما قالته , انكرت تماما .......
لكم هو خائف عليها .... يذهب الى عمله كل يوم تاركا روحه بجانبها تحرسها من أشباحها ....... هل من الممكن ان تؤذى نفسها ؟...
لا يظهر عليها ذلك , فهى تبدو و كأنها تحاول استجماع قطع حياتها المكسورة تحاول جاهدة ان تعود لإشراقها القديم .... تحاول رسم ابتسامة ترميم على شفتيها باستمرار ....... تحاول ان تسعده .....آآآآآه ولكم تسعده .... لا .... انها تلقيه فى فوهة بركانٍ من البهجة و السعادة ...... لو مات من نوبة قلبية قريبا , فستكون هى السبب بالتأكيد ......
عاد يتطلع اليها مبتسما و هو يقول بحزمٍ يداخله الضعف من دلالها الماكر عليه
( بل سنذهب يا حلا ...... لن يكون من اللائق ابدا الا نحضر زفاف احمد مهران )
اخذت حلا نفسا عميق و هى تحاول عدم الاستسلام
( اذهب انت ...... فلست انا من يهم وجودى )
زفر ادهم و هو يقول بحزمٍ اكثر
( اخبرتك اكثر من مرة يا حلا بما يتوجب عليكِ كزوجة ادهم مهران ......لقد آن الأوان لتتحملى المسؤلية )
انقبض قلبها و هى ترى الطرق تغلق امامها .... لن تستطيع ... لن تستطيع مواجهة هذا الجمع الضخم من البشر .... لن تستطيع و لاتريد .... لحظاتٍ وقالت مرة واحدة بصوتٍ متشنج عالى وصارم
(لن أذهب و هذا قراري النهائي ...)
نظر اليها بدهشةٍ وهو لا يصدق نبرتها التى خاطبته بها ..... يمكن للمرة الأولى , صمت قليلا و هو يشعر بانفعالين متناقضين احدهما الغيظ منها ومن جدالها فى امورٍ غير مقبولة على الإطلاق و الغضب من لهجتها الحادة التى لا يجرؤ احد على مخاطبته بها ...... وشعورٍ خفىٍ آخر نبع فى داخله فجأة بالسعادة من فورة الشجاعة المفاجئة التى واتتها لتواجهه بهذه النبرة ..... ......
كتم الشعور الثانى بداخله و قال بلهجةٍ حاول ان يودعها بعض الحسم
( لا تخاطبينني بهذه اللهجة يا حلا .........)
زمت شفتيها و هى تعبس كالأطفال بينما شعر بقلبها يضرب بشدة تحت يده كأرنبٍ مذعور ......لم يستطع مقاومة حلاوتها و هى عابسةٍ ترفض النظر اليه ..... فانكب عليها فجأة بقبلةٍ جائعةٍ متوحشة قبل حتى ان تستطيع اخذ نفسا قبلها .... ظل يقبلها و هو يحرك شفتيه فوق شفتيها يمينا و يسارا حتى كادت ان تختنق بين ذراعيه فدفعته بضعف لتحاول التقاط انفاسها ......
تركها على مضض ليتنفس هو الآخر بصعوبة بينما استغلت هى الفرصة لتقفز من الفراش بسرعة و تلتقط روبها وترتدية تحت انظاره العابثة حتى جرت الى الحمام و اغلقت الباب خلفها .....الا ان بعد لحظةٍ واحدة سمعته من خلف الباب يقول بلهو
( لا تتأخرى حلاى ....اريد ان ..... اهمس لكِ بشيءٍ سري )
ابتسمت بخجل و هى غير قادرة على التنفس بشكل طبيعي بعد...
سمعت صوته الذى يزداد عبثا يقولبعد فترةٍ ليست بطويلة
( افتحى الباب يا حلا و الا فلا تلومى الا نفسك .......)
ضحكت ضحكة صغيرة خائفة قليلا وهى تعض على شفتها السفلى متخيلة بماذا يريد ان يهمس لها ..... اخيرا سمعته يقول بصوتٍ بان فيه الجفاء
( حسنا ..... انا خارج ابقي انتِ كما تشائين )
ثم سمعت وقع اقدامه الغاضبة و هى تبتعد .... شعرت ان قلبها سقط بين قدميها .... لقد غضب مني... وسيذهب ....
فتحت الباب ببطء وخرجت و هى تشعر باحباط فظيع .... كانت تحاول ان تمزح معه فقط ....لكنها صرخت بشدة حين شعرت بذراعٍ حديدية تلتف حول خصرها و ترفعها لأعلى و صوته القوى يهمس فى أذنها
(اهدئى حبيبتى .... انه انا )
اخذت تتنفس بسرعة محاولة السيطرة على ضربات قلبها بينما اخذ هو يقبلها اسفل اذنها برقة ٍ حتى هدأت تماما و استسلمت له وهو يهدهدها بين ذراعيه ثم لم لبث ان ادارها لتواجهه و رفعها مرة أخرى بين ذراعيه لتصبح عينيها المشعتين تواجهه عينيه ظل صامتا عدة لحظات ينظر فى عمق عينيها بينما هى تبدو كالمنومة مغناطيسيا .... الى ان قال لها أخيرا
(هل تثقين بي ؟.....)
أومأت برأسها بصمت .... فابتسم و السعادة ترفرف بداخله من هذه الايمائة الغالية عليه ثم قال بثقة
( اذن سنذهب معا ... و سنواجهه العالم كله )
همست بصوتٍ مرتجف و هى مطرقة ٍ برأسها
( لم اواجه احد منذ ما يقارب العامين ...... ان تعرف احدا علي الآن س .......)
قاطعها بحزم و هو يقول (لن يجرؤ احد على مس شعرة منكِ حبيبتي )
اقتربت بوجهها منه ببطء ثم اخذت تلامس ذقنه النامية بشفتيها الناعمتين ثم همست بإغواء تحاول اتقانه
(ولما لا نبقى نحن الاثنين ......هنا وحدنا )
تأوه وهويضحك ضحكة صغيرة ...... مدركا ابعاد لعبتها و التى تحاول ان تلعبها هذه الايام كثيرا حين تريد شيئا ..... وهو ببساطة يريد الوقوع فى خداعها اللذيذ لأبعد الحدود ..... بطيب خاطر وهو مفتوح العينين .... الا انه قاوم نفسه و هو يأخذ نفسا عميقا ثم يقول
( بل سنذهب ..... زوجة ادهم مهران لا يجب ان يخيفها اى شيء فى هذه الدنيا ..... وحتى ان لم اكن على قيد الحياه اريد ان تعدينني ان تظلى دائما ......)
انمحت باقي كلماته تحت صدمة شفتين ناعمتين انفرجتا برقةٍ على شفتيه ......... لكن قبل ان يذوب بها تماما سمعها تهمس بعذاب متوتر
(سأذهب .... طالما لن تتركنى )
همس بوحشية و هو يعتصرها اكثر بين ذراعيه ( ابدا .... ابدا يا حلا ...طالما فى صدري نفسا يتردد)
ثم همس بعنفٍ لها بعد لحظات من الشوق العاصف بينهما وهو يضع ذراعه تحت ركبتيها و يرفعها ليتجه بها الى الفراش
( و الآن اخبريني ...... ماالذى كنتِ تنوين فعله ان بقينا هنا هذه الليلة )
تعلقت بعنقه وهي تعبس بشقاوة ثم تقول
( هذا غش .....نحن لن نبقى )
مال بوجهه عليها بينما يده تعبث بربطة روبها ثم يقول بلهو
(كان يجب ان تفكري مرتين قبل ان تعبثي مع الوحش ......)
ثم لم يعد هناك مكانا لأي كلام بينهما ..........
.................................................. .................................................. ...........................
وفى غرفة اخرى من غرف القصرتعالى هتافا حانقا نافذ الصبر
(لن أذهب ..... لا أريد الذهاب لأكون التسلية الجديدة لهذا الوسط )
اقربت سما ببطء من خلف هذا الطفل الصعب المراس و هو ينظر من النافذة عاقدا حاجبيه زاما شفتيه بحنق .... فمدت ذراعيها لتحيط خصره و تسند خدها الى ظهره تتنهد بيأس ثم همست برقة
( وهل سأهون عليك يا فارس لتتركني اذهب بمفردي ؟........)
اخذ يهز ساقه بعصبية و هو يعانى من صراعا بداخله ثم قال بعصبية
( لا تذهبي .... ابقي معي )
رفعت سما رأسها بسرعة وهتفت بجزع
( لا يا فارس ارجوك ..... انها سابين ... انه زفاف سابين , انا احترق لرؤيتها بفستان الزفاف .... )
وحين لم يرد زادت من ضم خصره اليها و هى تهتف
( ارجوك يا فارس ..... ارجوك ....ارجووووووووك )
لم ترى وهى خلفه ابتسامته الحانية التى لا تظهر الا نادرا ...... ثم قال بصوتٍ اجش
( الن تخجلى من مرافقة رجلا اعمى الى حفلا كهذا .........)
ادارته اليها و هى تنظر اليه بدهشة ثم قالت بقسوة
( اخجل منك ؟!!! انت فارس مهران ..... اياك ان تنسى هذا ابدا ... انا لن اسمح لك بأن تنسى حتى و ان اردت انت ......)
ظل ينظر اليها و صوتها ينفذ الى اعماقه ليفجر ذكرى قديمة لفتاةٍ اعطاها قلبه و البسها خاتمه ...... كان صوتها حين سمعه لآخر مرةٍ يهمس بخجلٍ ( انا آسفة يا فارس ..... انا آسفة حقا .... لا استطيع مواجهه مجتمعي بزوجٍ اقل من المستوى الذى رسموه لي ....انا لست بهذه القوة ..... لكن سأظل احبك دائما ...) ثم شعر وقتها بأصابعها تلمس يده وتفتحها لتسقط فيها شيئا معدنيا باردا عرف انه خاتمه ....
و كان يظن ان قلبه تحطم وقتها ...... الا انه عندما ظن ان سما تركته و اختارت ايثار .....عرف حينها معنى الموت حيا ....صغيرته ..ملكه ... لن يتركها ابدا .....
مد يده الى وجهها الناعم و اخذ يتحسسه برفق ليرى الملامح التى حفظها بيده آلاف المرات.... ما اجملها .... الصغيرة المقاتلة ....
قال اخيرا و ظل ابتسامة يلوح لى شفتيه
( ماذا ستدرتدين ؟...............)
نظرت اليه فاغرة فمها دهشة من استسلامه السريع ... و لحظة واحدة ثم استطالت لتتعلق بعنقه شاهقة و هى تقفز من السعادة بينما هو يضحك بخفة شاعرا ان كل مايحمله من هموم ٍ قد القى من على ظهره و لو مؤقتا .......
.................................................. .................................................. ..................................
؛( لا اصدق هذا ...... لا استطيع تصديق انك تمكنت من اقناعي باصطحابك معي!!!!.......)
نظر اليها فارس ببراءة و هو يقول
( وما العيب فى ان يصطحب زوج زوجته لشراء فستان ..... الا يحق لى ان ابدي رأيي ؟.......)
نظرت اليه عابسة ثم تطلعت حولها لترى ان كان هناك من يراقبهما ...... ثم قالت هامسة بغضب
( بهذه الطريقة ؟!!!!....... فارس ما تفعله غير لائق على الاطلاق .......)
ابتسم بخبث و هو يمرر يديه على طول جسدها ليستطيع رؤية الثوب الحريري الذى ترتديه .... الا انه اضطر ان يعيد ما يفعله للمرة الثالثة نظرا لأن الثوب هو آخر ما يفكر به ...... ماهذا القوام ؟.... متى كبرت بهذه الطريقة المتفجرة ؟...... هل يراها الجميع بهذه الأنوثة المتفجرة الا هو ...... شعر بالنار تشتعل فى اعماقه من كل عين نظرت اليها قبله .......كبت شعوره الخانق بداخله حتى لا يظهر على وجهه فيخرب فرحتها ......
لقد آن الأوان ..... لم يعد يطيق الإنتظار اكثر .... الليلة .... الليلة سيجعل منها زوجته , وما المانع فى ذلك ؟ .... انها تبدي نحوه استجابة تذيب الحجر ..... من الذى يستطيع مقاومة هذه المهرة الجامحة..........
لقد قضي الأمر و ستصبح ياسمينا ملكه الليلة ...... انها فى حالة عاطفية متوهجة بسبب زفاف سابين وهذا سيخدم هدفه ..... اخرجه من تفكيره صوتها الهامس و المختلط بضحكة خفية غاضبة و هى تقول
( يا الهى لن اتعجب ان طردونا من المتجر الآن ......... لقد نظرت الينا سيدة رفيعة المستوى باشمئزاز للتو يا فارس )
اجابها بسرور ( دعكِ منها ...... انسيتي انك ِ مع فارس مهران .... استطيع جعل صاحبة المكان تطرد جميع الموجودين ..... وتغلق علينا المتجر ...... لأجعلك تقيسين كل ثوب موجود هنا )
احمر وجهها بشدة و هى تقول ؛( كفى عبثا يا فارس ..... لم اكن يوما بمثل هذه الصفاقة )
تظاهر بالتفكير لحظة ثم قال مبتسما بمكر
( استطيع تذكر بعض المناسبات كنتِ فيها اكثر صفاقة بكثير ........)
اصبح وجهها الآن بلون الكرز و هى تعلم تماما اي المواقف يقصد ..... المخادع ....... تذكرت حين اقنعها بتغيير ثوب السباحة امامه .... كيف كانت بمثل هذا الغباء ففعلت ما طلب ..... فما ان انتهت من خلعه بصعوبة وتعثر تحت انظاره التى لا ترحم و المصوبة تجاهها بدقة السهم , حتى رأته برعبٍ يقترب منها ببطء و عينيه كعينا دبٍ مفترس ..... وقفت لحظة ذاهلة ثم صرخت
( لم انتهى فارس عد الى مكانك ..... )
الا انه لم يعد بل ظل يقترب منها دون ان تختفى الابتسامة المفترسة من على شفتيه ..... تمكنت لحظتها من الجرى يمينا تبتعد عنه الا انه غير اتجاهه يلحق بها ..... فصرخت مرة اخرى ( فارس توقف هذا ليس مضحكا ......)
فضحك بعبثٍ و هو يتجه نحوها محددا اتجاهها بكل دقة ....... فجرت الى ناحية اخرى و هى تصرخ ( فارس .... لقد وثقت بك )
اجابها ضاحكا ( اذن فهى غلطتك ..... كيف تثقين فى رجل يرى امامه .....)
لم يكمل كلامه ... بل اندفع مرة واحدة ليعتقلها بين ذراعيه وهو يضع يده تحت ركبتيها و يرفعها اليه مقبلا اياها بشغفٍ قاتل و هو يدور بها ..... يدور و يدور وقبلاته لا تتوقف ..... حتى ظنت انها فى دوامة وسط بحرٍ هائج ........ و هى التى كانت تظن انها فشلت فى اغواءه ......
لكن كالعادة تركها و هو يلهث مبتعدا عنها و هو يخبرها انه سينتظرها فى الخارج ........ بعد ان كادت تذوب به تماما ......
عادت من افكارها لتنظر اليه بغضبٍ يخالطه الاحباط ...... الى متى سيظل يتلاعب بها و يعطيها دروسا فى الحب غير مكتملة .....
ابعدت يديه عنها بحزمٍ وهى تقول بعد ان عاد اليها الاحباط ( توقف يا فارس...... لقد احرجتنى للغاية )
ابتعد عنها حين لاحظ تغير مزاجها ..... و هو يشعر تماما بمثل ما تشعر به , بل لا يقارن به اصلا .... لكن صبرا ياسمينا فالليلة ستكونين انتِ العروس صغيرتي .... ابتعد اكثر عند هذه النقطة حتى لا يفقد اعصابه هنا فى هذا المكان ........
قال اخيرا بصوتٍ اجش من العاطفة ( يبدو انكِ قد اخترتى الثوب اخيرا ......)
قالت عابسة ( لم اختره انا فهذا هو الوحيد الذى لم تبدي اعتراضك عليه ......)
سألها و هو يبدو مهتما ( صفيه لي ......)
قالت له ( اطمئن فكما تكفلت بنفسك و تأكدت .... هوحريري طويلا يصل الى الأرض لكن اكمامه شفافة قليلا تصل المرفقين و عليها تطريز رقيق .... هو ضيق حتى الوركين ثم يتسع اتساعا بسيطا الى اسفل .....)
سألها بهمس اضعفها ( ما لونه ؟............)
قالت له برقة و الابتسامة بدأت فى الظهور مرة اخرى على شفتيها من اهتمامه الجدى هذه المرة
( انه مزيج بين الذهبي و الوردي ........ لون رائع لم أره من قبل )
قال بهمسٍ حزين مزق قلبها ( لابد انكِ تبدين كالحلم ...........)
اقتربت منه و هى تحاوط عنقه بذراعيها وتهمس فى اذنه
( اذا كنت حلما فستستطيع و قتها ان ترانى ..........)
ضمها اليه مسندا ذقنه على رأسها يتنشق عطرها الناعم بينما تبدو هى بضغطها على صدره كالضماضة على جروحه الأزلية ........
.................................................. .................................................. .........................................
نظرت سابين الى صورتها فى المرآه .....لم تتخيل فستان زفاف ابدا بمثل هذه الروعه من قبل ...... لم يطرأ على بالها فستان زفاف ابدا ..... حتى مع مازن لم تتخيل نفسها ترتديه ابدا .......
لكنها حين تنظر اليه الآن تشعر انه صنع خصيصا لترتديه هى ........ كان فستان ملكة بحق ....
كان محكما تماما على نصفها العلوى و قد غطته الماسات اللامعة تماما حتى بات كالثريا من شدة لمعانه بينما ينزل من اسفل خصرها بقليل ليلتف قماشه الحريري حول وركيها باحكام ثم يتسع فى طبقاتٍ تظهر كل واحدة منها خلف الأخرى حتى تنتهى بالطبقة الأخيرة و التى يصل اتساعها الى درجة ان تغطى دائرة من الأرض حولها تتسع لشخصين معها ........بينما تم التوصية فى وقتٍ قياسي على سترة قصيرة تصل الى اسفل الكتفين فقط لتغطى الاكتاف المكشوفة للفستان بناءا على رغبة العريس الغيور للغاية ......
ابتسمت سابين و تتذكر صوته الصارم حين سألها ان كان فستانا يظهر منها اي شيء ...... ضحكت وقتها و هى تفكر بداخلها انه شخصا غريب يعيش فى عالم أغرب لم تعرفه من قبل ..... الا انه و ياللغرابة يشعرها بأنوثتها اكثر من اى عالم عاشته من قبل ......
تشعر انه يريد ان يخفيها عن اعين الناس التى تلتهمها ........ ابتسمت بعبث و هى تعاود النظر الى صورتها و تفكر ...... لا مانع لديها ابدا فى ان يخفيها عن اعين الناس فلنقل الشهر القادم على الأقل ............
الا انه بعدها عليه ان يتعلم العيش مع نظرات الناس اليها فهى ستعود الى حياتها الطبيعية المستقلة و عليه ان يتقبل ذلك ....... لكن بعد ان تكون قد اشبعت شوقها و جوعها اليه .......... فى شهر العسل الذى يعد سرا حربيا الى الآن يرفض البوح به ...........
قاطع رنين هاتفها افكارها فالتقطته من على طاولة الزينة لترى الاسم المثير يضيء ليضىء اعصابها معه , اشارت الى الفتاة التى تهتم بزينة وجهها ان تنتظر قليلا ......ثم ردت عليه باغوائها المعتاد هامسة
( ماذا تريد الآن ؟...... الا تعلم اننا نسابق الزمن )
رد الصوت العميق عليها
(اشتقت اليكِ ..... المكتب كان مظلما اليوم )
ارتفع حاجبيها بصدمة وهى تقول
(هل ذهبت الى العمل اليوم ؟........)
ساد الصمت بينهما عدة لحظات ليقول أخيرا بتملق
(كان لابد ان اذهب لأنهى آخر شيء ممكن ان يعطلني في شهر عسلنا .......)
احمر وجهها و هى تشعر بسخونة فى خديها من الصور المتلاحقة فى رأسها ........لتهمس أخيرا
( لن اسمح بأى شيء يشغلك عنى ......سأكون انا فلكك الذى تدور به الشهر المقبل )
ساد الصمت مرة أخرى محرقا اعصابها لتسمع صوته يأتى اليها بارد و هو يردد كلماتها
( ستكونين فلكى الذى ادور به الشهر المقبل .........)
صمتت وهى تتنهد بصمتٍ ثم قالت بعد لحظة بصوتٍ ساحر
( دعنى الآن لأنتهى ...... و سأراك قريبا )
همس بصوتٍ أجش ( بالتاكيد سترينني قريبا .... قريبا جدا )
اغلقت الهاتف و هى تعض على شفتها من الاثارة ...... هل يمكن ان تكون الحياة اجمل من هذا ....
بينما العريس كان واقفا هو الآخر ينظر الى نفسه فى المرآة لكن بوجهٍ متجهم و عينين قاسيتين ...... كم شخصا سيدمر فى طريقه ؟..... لم يبالى بأي احد .... الا صغيرته تالا التى تبدو وكأنها تعلقت بسابين لدرجةٍ مقلقة .....لم يكن يتصور ان تحبها تالا ابدا .... ماهذا السحر فيكي يا سابين اليس هناك شخصا على وجه الأرض لا تسبينه بسحرك .......
ارتفع رنين هاتفه لينظر اليه و هولا يزال بيده فقطب جبينه حين نظر الى الاسم ...... رد بهدوء بعد ان اخذ نفسا عميقا
(كيف حالك أمى ......)
وصله الصوت الناعم الذى عشقه من صغره
( كيف حالك حبيبي .....هل لازلت عند قرارك ؟)
زفر بغضب ثم قال و هويحاول السيطرة على صوته
(أمى انا الآن ارتدى بدلة العرس ........ باقي وقتٍ معدود على حفل الزفاف )
سمع تنهدها المرتجف ثم صوتها الحزين و هى تقول
(فكر قليلا يا احمد .... ليس من العدل ان تحاسبها هى على مافعلت انا فى الماضى .......)
قاطعها احمد بحزمٍ وهو لا يريد الاستماع لأى شيءٍ من الماضى المؤذى
( أمى انا لن احاسب احدا ...... انا اتزوج الم تكن هذه هى امنيتك منذ ان رحلت .......)
لم يستطع نطق اسم حبيبته الغالية فشعر بغصةٍ فى حلقه تمنعه الكلام ...........
تكلمت أمه بصوتٍ تخالطه الدموع الصامته و هى تشعر بحزنه المتجدد والذى لم يندمل بعد .......
( انا الآن فى طريقي اليك حبيبي ........اتمنى ان استطيع الوصول قبل انتهاء الحفل )
اخذ احمد نفسا عميقا و هو يشعر بحلول كارثه لدى حضور أمه الى الحفل الا انه لا يستطيع منعها .......فليحدث ما يحدث .......
(واااااااو ...... لا اصدق هذا , عفوا سيدتى الجميلة , لكنك تشبهين فتاة صغيرة حملتها و عمرها عامان اسمها سما ..... الا انك سيدتى تبدين كملكة من ملكات الجمال ..... فلا يعقل ان تكونى انتِ سما الصغيرة يبدو اننى اخطأت ......)
ضحكت سما بخجل من غزل ادهم الرقيق لها وهم يقفون فى مدخل القصر مستعدين للتوجه الى حفلة الزفاف ثم قالت باحراج
( هل ابدو جميلة حقا يا ادهم ...... لا تمزح )
قال لها ادهم بدهشة ضاحكا ( الم تنظري الى نفسك فى المرآة سيدتى الجميلة ؟....... ستحطمين ثقة كل المدعوات الليلة ... وقد يغطى جمالك على جمال سابين ..... لكن احذري من مخالبها )
اخذت سما تضحك و هى تتصور منظر سابين ان سمعت كلام ادهم .......
( الن نكف عن هذا العبث ....... انا اصلا اقنعت نفسي بالكاد ان اذهب ..... لاجد نفسي وافقا استمع الى احاديثٍ سخيفة )
انطلق صوت فارس متجهم حانق كطفلٍ مدلل يريد احد اخذ لعبته منه ..... فابتسم ادهم بخبث و هو يغمز بعينه الى سما التى احمرت خجلا ..... لكن حين استدار ليلتقط يد حلا فوجىء بها تنظر اليه عابسة هى الاخرى وهى تميل برأسها قليلا كأنها لا تصدق ما سمعته فارتفع حاجبيه من ردة فعلها الغريبة التى تبديها للمرة الأولى لكنه رفض ان يصدق املا زائفا انطلق بداخله ..........
مد يده ليأخذ يدها بين يديه و يرفعها الى شفتيه يقبلها بنهم و هو يكلم سما دون ان يرفع عينه عن عيني حلا
( لكن اعذريني سما ..... فحلا الليلة فاقتكما جمالا بلا منازع ......)
ضحكت سما بسرور و هى تقول ( لا مانع عندي على الاطلاق ...... لطالما كانت حلا الأحلى كما كان يقول الجميع سابقا .....)
استمر ادهم فى النظر الى حلا و هو يقول بهدوءٍ صلب
( كان هذا سابقا ...... فليجرؤ احد على قول هذا الآن عنها .... لتكون آخر حياته )
ابتسمت حلا قليلا و هى تخفض عينيها بينما احمر وجهها بشدة ...... تطلع ادهم اليها بشغف و هو يراجع نفسه فى الذهاب بها و هى على هذا الشكل الرائع ...... فقد كانت ترتدى ثوبا كثوب الأميرات بلون السماء الشاحبة الزرقة ....خصره مرتفعا الى اسفل صدرها بشريطٍ حريري ثم يهبط مسترسلا هفهافا الى كاحليها يتطاير حول ساقيها بنعومة كلما تحركت ..... بينما تركت شعرها الطويل مسترسلا براقا بنعومة على ظهرها بعد ان رفعت بعض خصل من جانبي وجهها بمشبكين ماسيين اضاءا و جهها .......
اقترب منها ببطء و هو يرفع شالها الذى سقط عن كتفيها بنعومة ....ليعيده مكانه ثم ابقى يديه على كتفيها و هو يقول بصوتٍ منخفض ( احرصي ان يظل هذا مكانه و الا ساجعلك ترتدين سترتي طوال الحفل .....)
اومأت برأسها بكل أدب ووداعة مما جعله يرغب فى اكلها دفعة واحدة ...... تنحنح يجلي حلقه ثم قال بهدوء
( هيا حتى لا نتأخر .........)
ثم امسك يدها الصغيرة و التى كانت باردة كالثلج و هى ترتجف .... فقبضت بأصابعها على يده تتشبث بها و هى غير قادرة على التحرك من مكانها و قد تصلبت ساقيها فنظر ادهم الى و جهها و همس فى اذنها دون ان يسمعه فارس و سما
( الا تثقين بي ...... لن اتركك لحظة واحدة )
أومأت على مضض بينما قلبها يرتجف من الخوف و الذى ظهر جليا بعينيها ثم مدت يدها الأخرى لتتعلق بذراعه ..... ثم يتجهون جميعا الى السيارة ...... فى رهبةٍ لا يعلم احد سببها ......
.................................................. .................................................. ...................................
كان ادهم يراقص حلا تحت الأضواء الخافته و هى مستندة برأسها على كتفه ... مغمضة عينيها تحاول ايهام نفسها بأنهما معا فى القصر ..... وحدهما ....لا يراقبهما هذا الجمع الغفير من البشر بينما ادهم يتمايل معها مسندا ذقنه على قمة رأسها و هو يفكر فى هذه السعادة التى اهدت له دون ان يدري ............
وكذلك سما كانت متعلقة بعنق فارس الذى بدا و كأنه يحترق من شوقه لإنتهاء هذه الليلة ليحمل عروسه بعيدا ... بعيدا جدا.......لتصبح له بعد عذاب السنوات السابقة .....قاطع تفكيره صوت سما المشع و هى تهمس بأذنه فجأة
( ما اجملها يا فارس ..... لن تستطيع ان تتخيل مدى روعة سابين فى فستان الزفاف .....و الحفل ايضا ... الورود و الشموع ....كل شيء رائعا يا فارس ..... عروسا كسابين تستحق كل هذا )
شعر و كأن احدا قد غرز خنجرا مسموما بصدره فجأة ..... انسحبت ذاكرته الى الصوت الطفولى الذى ابدى موافقته على عقد القران منذ ثلاث سنوات فى مكتب والده لينسحب بعدها خارجا تاركا الجميع خلفه بمن فيهم الزوجة الطفلة التى سميت باسمه للتو .....
ولاول مرة منذ سنواتٍ عديدة حدثت معجزة ان تبللت عينيه بدمعةٍ لم تسقط منها ابدا و لم يشعر بها غيره ...... همس لها بصوتٍ مختنق
(صفى لي شكل سابين .....)
نظرت اليه بدهشة تتعجب من نبرة الألم فى صوته و من اهتمامه المفاجىء بسابين .... لكنها اخذت تصفها له بصوتها الناعم الذى ينافس فى نعومته نعومة الأنغام التى يتمايلان عليها .........
كان ادهم يتحدث الى احد رجال الاعمال بينما تقف حلا بجواره صامتة متعلقة بيده لا تتركها ابدا و هى تعد اللحظات ليعودا الى القصر .... ملجأها الآمن .......
فجأة شعر بمخالبٍ كمخالب قطةٍ صغيرة تتشبث بكفه حتى جرحتها من شدة ضغطها عليه .... فنظر بسرعةٍ اليها فهاله شحوب و جهها الذى بدا كالقطن الأبيض و هى تنظر مرعوبة أمامها ......
فنظر تلقائيا الى ما ارعبها الى هذا الحد فوجد رجلا يقف فى زاوية بعيدة من القاعة و هو ينظر اليها ايضا لكنه ادار وجهه بسرعة ما ان لمح نظرات ادهم المتوحشة اليه ...... لحظاتٍ قليلة بعدها و كان اسم هذا الرجل لديه ....... فالتقط هاتفه فى غفلةٍ وحيدة من حلا و هو يقول لمحدثه ( الاسم الذى سأمليه عليك ..... اريد عنه كل المعلومات الممكنة , و فى اسرع وقت )........
ثم اخذ يبحث عن حلا بسرعة فهاله الا يجدها فى اي مكان اخذ يدور فى القاعة بهياج يبحث عنها حتى وجد فارس يقف وحيدا فاتجه اليه على الفور و سأله عن حلا فاخبره فارس بقلق انها منذ لحظات اخبرت سما بشعورها بغثيان فذهبت سما معها على الفور الى حمام السيدات .......
تركه ادهم حتى قبل ان يكمل كلامه و هو يسرع الخطى الى حمام السيدات ففتح الباب دون استئذان و دخل يبحث عنها و هو يسمع الصرخات المستاءة من السيدات دون ان يبالي بها , حتى وصل الى الحجرة الصغيرة المفتوحة فى النهاية حيث تقف سما مرعوبة وهى تحاول مساعدة حلا الجاثية على ركبتيها و هى تتقيأ فى المرحاض امامها بشكلٍ افزع الموجودات اقترب ادهم منها بسرعة و جلس القرفصاء بجانبها و هو يضعط على ظهرها مبعدا شعرها عن وجهها برفق بيده الأخرى .......
بينما اخذت سما تعتذر للسيدات عن وجود ادهم نظرا لحالةٍ طارئة ..............و بعد لحظات كان ادهم يوقف حلا على قدميها و يغسل لها و جهها و هى لا تتوقف عن الارتجاف ..... وما ان انتهى ادهم حتى اخذها بين ذراعيه و هو يهمس بأذنها ( لقد تكفلت بكل شىء .... لا تخافى ).........
اغمضت حلا عينيها وهى تدفن وجهها بصره , لا تريد ان تنفصل عنه ابدا ........ الماضى ... الماضى ... سيظل يلاحقها الى ان تموت .... لن تجد منه مهربا ابدا ......
خرج ادهم من حجرة السيدات و هو ممسكا بحلا التى تحاول جاهدة السيطرة على نفسها و هى تحاول الا تنظر حولها حتى لا تجده أمامها ......
همس ادهم فى اذنها ( هيا لننصرف يا حلا ......)
ظلت صامتة عدة لحظات ثم قالت بارتجاف
( لقد وعدتك يا أدهم ....... و سأبقى )
لم يصدق تلك القوة التى تحاول التمسك بها ...... فامسك وجهها بين كفيه يرفعه اليه وهو ينظر فى عمق عينيها المعذبتين قائلا
(الم اخبركِ قبلا كم انتِ رائعة ....... وكم انا فخور بكِ )
ابتسمت قليلا و هى تنظر الى وحش آل مهران .... وحشها المغوار ....وهى تتسائل متى سيتركها , هى و كل ماضيها بكل سواده .....
وصلت سما اليهما و هى تحتضن حلا بشدة و تقول
( الحمد لله انك بخير يا حلا ..... لقد ارتعبت )
ابتسمت حلا و هى تربت على شعر سما قائلة بضعف
( لا تخافي سما ...... هذه المواقف تحدث لي كثيرا )
دمعت عينا سما و هى تشدد من احتضان حلا التى بدت مثالا للعذاب و الألم ........وصلت اليهما اصوات الموسيقى الناعمة لتخرجهم من جوهم الحزين فانتهز ادهم الفرصة ليقول مبتسما
( اعذرينا الآن يا سما .....سآخذ هذه الجميلة لأرقص معها )
لكن حلا قالت بضعف ( لن استطيع الآن يا ادهم حقا .......)
لكن قبل ان يرد عليها سمع سما تسأله ( ادهم من هذه السيدة التى تحدث سابين ؟.........)
التفت ادهم لينظر الى احمد وسابين .....و السيدة التى تقف معهما فقال بدهشة وهو غير مصدق ( عمتى ؟!!......)
لينبعث صوتي سما و حلا فى وقتٍ واحد هاتفتين بدهشة اكبر ( أمى ؟!!.......)
.................................................. .................................................. ........................................
همست سابين تسأل السيدة الجميلة الواقفة امامها ...... والدة زوجها ....تلك الهالة الناعمة البيضاء التى تجلت أمامها فجأة كالملكة الأم
( هل قابلتِ أبي قبلا ؟...........)
بان حزنا دفينا فى اعماق عينيها الرماديتين الحانيتين والتى شردتا بعيدا .... بعيدا عنها و عن احمد الذى كادت نظراته ان تقتلهما معا الا ان سابين لم تكن تنظر اليه ..... كانت تنظر الى والدته مبهورة و التى تبدو و كأنها فتنتها........... تماما كما فتنت هى تالا الصغيرة.....
لكن قبل ان تسمع جوابها سمعت صوتا مبحوحا ساحرا بنعومة الافاعي جعل جسمها يقشعر غضبا يقول
(بالتاكيد قابلته حبيبتي ........ فهى كانت السبب فى ترك والدك لنا و الذهاب للموت فى احضانها )
اغمضت سابين عينيها من هول ماقالته تلك المرأة التى لن تتوقف عن اذيتها ابدا .... لكن ان تتجرأ و تأتى الى زفافها لتهين والدة احمد امامه بأكاذيبها الفجة ..... لقد اتت لتفسد زفافها و قد تأكد لها هذا حين سمعت صوت احمد يقول من خلفها بنبرة خافته جعلت الدماء تتجمد فى عروقها
؛( ان لم تحترمى من هم أعلى منكِ شأنا , فمن الافضل ان تغادري حالا ....... و الا فلا تلومي غير نفسك )
التفتت والدة احمد ببطء دون ان تهتز منها شعرة واحدة لتقابل بعينيها الرماديتين الصافيتين , عينا ايثار ذات اللهب الازرق الحاقد .....
ثم قالت بكل هدوء ووقار ( لن تتغيري ابدا ايثار ..... ستظل روحك الحاقدة تحرقك الى ان تقضي عليكِ فى النهاية )
قالت ايثار بهمسها الأجش ( تماما كما قضيتِ انتى على والد بناتى .......)
اندفع احمد هادرا بغضب صاعق ( هذا يكفي .... اخرجي من هنا حالا ......)
كاد ان يمسك بذراعها ليلقي بها خارجا .... الا ان سابين تشبثت به بقوة ٍ تقول ( ارجوك يا احمد لا اريدها ان تخرج بهذه الطريقة .........)
نظرة احمد اليها ارعبتها و سمرتها مكانها .... لكن من يلومه فايثار الليلة لم تكن لتفعل احقر من هذا ابدا ......لكنها بالرغم من ذلك تتكلم بثقةٍ و كأنها تحكي الحقيقة ....... ما الذي يحدث هنا ......شعرت سابين بالدوار من هذا الكابوس الذى تعيشه خاصة و ان معظم المدعوين الآن قد لفت نظرهم ما يحدث من فضائح العائلة الكريمة .......و اخذت اضواء الكاميرات تغمرهم حتى كادت ان تغشي عينيها ......
وصل اليها صوت ادهم الحانق المتوحش من خلفهم وهو يقول
( كيف تجرأت على الظهور هنا .... قسما بالله ان لم تخرجي حالا فلسوف القي بكِ خارجا بنفسي )
هذا ما كان ينقصني همست سابين فى داخلها بغضب ...ان يتدخل ادهم الآن ليفسد الموضوع اكثر و اكثر ..... لكنها التفتت اليه و قد فجرت كلماته الغضب الذى تحاول كبته فهتفت به
( ادهم لا تخاطبها بهذه الطريقة .... )
وصلت سما الي ايثار و اخذت تجذبها من ذراعها و هى تهمس بتضرع من شدة رعبها من الخراب الذى احدثته من حولها
(أمي ارجوكِ اخرجى معي الآن ...... ارجوكِ )
الا ان ايثار و والدة احمد ظلتا تنظران الى بعضهما و الماضي الأسود يندفع من بينهما ليعود بكل شروره مدمرا كل من حوله .......
قال ادهم مرة اخرى محاولا السيطرة على غضبه من تلك الأفعى التى ذبحته فيما مضى
( اخرجي الآن ايثار بما تبقى لكِ من كرامة .......)
و جاء صوت احمد و هو يقول بقسوة ( سيأتى من يصحبك خارجا الآن ثم سيقلك حتى باب بيتك .........)
ظلت ايثار واقفة مكانها و لحظاتٍ قليلة الى استسلمت جاذبة ذراعها بقسوة من يد سما لتندفع خارجة تلحقها شياطينها الحاقدة ......
تساقطت دموع سما مما حدث لايثار امامها بينما ظلت سابين متسمرةٍ مكانها تظر الى الارض وهي تقبض عل تنورة ثوبها بشدة حتى ابيضت مفاصل اصابعها و قد انحنت كتفيها من هول ماحدث لها فى هذا اليوم ...... ما الذى يمكن ان يحدث اسوأ من ذلك ......
وصل نادلا قلقا متوترا الى ادهم الذى لا يزال و اقفا قرب عمته بعد انصراف ايثار ليهمس فى اذنه
( سيدي .... السيد شقيقك يمسك بعنق مدعوٍ من المدعوين و يكاد يزهق روحه )
التفت ادهم اليه مصعوقا يسأله (اين ؟.....)
اجابه النادل بقلق ( فى الحمام سيدي .....)
نظر ادهم الى السماء وهو يتسائل بغضب ..... متى سينتهي هذا الزفاف المشؤوم ......
اخذ ادهم يدفع الجمع المتجمهر امام باب الحمام الى ان استطاع اخيرا ان يدخل ليفاجأ بفارس جاثما على شخصٍ ملقى على الأرض و هو يمسك بعنقه لا يريد افلاته بينما اثنين من الأمن يحاولان سحب فارس و تخليص الرجل من قبضته دون جدوى ..... اتجه ادهم اليه بسرعة و هو يمسك به من ثيابه ليشده و هو يصرخ
( كفى فارس ...... كفى ستقتله )
تمكن ادهم بمساعدة الامن من خليص الشاب بأعجوبة من يدي فارس ...... و الذى ما ان تحرر حتى قفز واقفا وهو يمسح الدم من زاوية شفتيه و هو يهدد ان والده سيدمر العالم من حولهم .......
اشتعل فارس مرة اخرى و هو يحاول الوصول اليه لكن ادهم و الحارسين امسكا به بشدة ......و صرخ ادهم
؛( ماذا فعل يا فارس ليستحق كل هذا .......)
هتف فارس الذى بدا فى هذه اللحظة كحيوانٍ مفترس همجى
(كان الحقير يتحدث هو و آخر عن سما ..... لقد سمعتهما وانا بالداخل )
صرخ به الشاب يستفزه من خلف ادهم ( انا اتكلم عن من تحلو لي ايها الأعمى ......)
حاول فارس الهجوم عليه مرة اخرى و هو يصرخ الا ان ادهم و الحارسين تشبثوا به مرة اخرى بكل قوتهم و صرخ ادهم
( كفى فارس ..... لا تنزل الى مستواه )
ثم لم يلبث ان استدار بسرعة ليلكم الشاب لكمة اسقطته ارضا و هو يكمل لاهثا
(دعني انا انزل بالنيابة عنك .......)
اندفع ادهم خارجا و هو يسحب فارس معه الى الخارج امام الأعين المذهولة بينما يتعالى من خلفهما صراخ الشاب الأحمق الذى اوقعه غبائه بين براثن اثنين من آل مهران ......
قال ادهم لفارس بغضب ( من اين علمت انه يتحدث عن سما نفسها .......)
قال فارس بصوتٍ لاهثٍ خافت ( كان يسأل صديقه ان كان رأى الشعلة الأنثوية التى تجر الأعمى خلفها .......)
صمت ادهم لحظاتٍ ثم قال له ( هيا بنا لنرحل .... لم اعد اطيق ان اظل هنا لحظة واحدة ......كان يجب ان اتوقع كم المآسي التى ستحدث فى زفاف الكارثة المسماة سابين ....)
وصلا الى سما التى صرخت حين شاهدت وجه فارس المكدوم الا ان ادهم اشار اليها لتصمت حاليا ثم اتجه الى حلا التى كانت الدموع تغطي و جهها راسمةٍ خطوطٍ سوداء على وجنتيها فأخذها بين ذراعيه و هو يهمس
( لقد انتهت الليلة حبيبتي ......انا آسف لأننى عرضتك لكل هذا )
دفنت و جهها فى صدره و هى تبكي ثم سمعها تقول
؛( لماذا لم تكتب السعادة لأي منا يا أدهم ......)
اندفع الألم حادا فى اعماقه وهو يتسائل.......الم تجدي سعادتك بعد يا حلا ؟.....
.................................................. .................................................. .....................................
كان يقود السيارة و لا يضيء وجهه الا الانوار الضعيفة الآتية من الليل الممتد حولهما ... فلم تستطع ان تتبين ملامح وجهه جيدا ....
الا انها كانت متأكدة ان ايثار نجحت فى مسعاها بكل اقتدار ...... يالها من ليلة ... ويالها من فضيحة ستظل الأجيال تتحدث عنها .... الا انها لم تكن تهتم لكل هذا .... فقط تتمنى ان تدخل الى عقله الآن لتعرف فيما يفكر....و كيف يشعر تجاهها الآن .....
عادت اليها كلمات ايثار التى القتها كالقنبلة الليلة ..... ماذا كانت تعنى بانها السبب فى ترك والدها لهن .... وأنه مات فى احضانها ....
كيف هذا ؟..... هناك فرق فى العمر بين والدة احمد وبين ايثار ...... هذا يبدو جليا , فايثار تبدو وكأنها لازالت شابة فكيف تعرفان بعضهما ....وما علاقة والدها بكل هذا ........
نظرت الى احمد مرة اخرى .... لقد بدا الليلة و كأنه كان يعلم عما قالته ايثار ........و لكنها لم تكن لتجرؤ على سؤاله الآن ......
وحين شعرت انها لن تستطيع احتمال الصمت اكثر همست بصوتٍ ساحر حتى فى حزنه
( اخبرني على الأقل الى اين نتجه ؟............)
التفت اليها الا ان ملامحه ظلت مختبئه فى الظلام ...... ثم قال اخيرا بصوته العميق
( ستعرفين حالا ..... اتمنى ان تعجبك مفاجاتي )
ابتسمت بدلال ٍ وقد ارتفعت روحها قليلا ثم مدت يدها ووضعتها على فخذه بنعومة و هي تهمس مبتسمة
(بالتأكيد ستعجبني ما دمت معى ....)
التقط يدها بيده و رفعها الي شفتيه و هو يهمس
(دوما سأظل معكٍ .....من هذه اللحظة وحتى آخر عمري سابين )
القت راسها على كتفه و هي تتنهد بارتياح بعد هذه الكلمات الآسرة التى سحبتها معها الى عالم الاحلام بعد هذا اليوم القاتل......
شعرت بأصابع حانية تتجول على و جنتها ثم تلتها ملمس شفتين رقيقتين اخذتا تمسحان شفتيها برفقٍ لتوقظها من نومها العميق ......صوته يخرج هامسا بين شفتيها
( سابين استيقظي ...... لقد وصلنا )
اخذت تتمطى بين ذراعيه التى اشتدتا عليها .... ثم ارتفع جفنيها ببطء لتطالعها عيناه اللامعتان المفترستان والتى جعلت قلبها يتفجر بألعابٍ نارية و مفرقعات ........
همست له بنعومة ( مرحبا .....)
رد عليها يهمس و هو يلامس شفتها السفلى بسبابته (مرحبا ......)
ظلا ينظران الى بعضهما و قد ابتلعهما الظلام من حولهما تماما سامحا لهما فقط بالنظر لأعين بعضهما .........
اخيرا همس احمد مرة اخرى ( لقد وصلنا .....)
انتبهت للمرة الأولى انه توقف بالفعل ..... فاستقامت بقدر ما سمحت لها ذراعاه ...... تنظر حولها , الا انها لم ترى سوى خيالات مبنى ضخم مغرق فى الظلام .....شعرت بالخوف فجأة لا تعلم ما سببه....... فهمست مرتجفة
(اين نحن؟..............)
نظر الى نظرة الخوف التى لم يراها فى عينيها مطلقا من قبل ..... كم بدت جميلة و ناعمة و صغيرة ..... كطفلة تقريبا بالرغم من انها فى السابعة و العشرين .....الا انها تصغره بتسع سنوات كاملة ........
كتم شعورا بالانقباض بداخله و رسم ابتسامة رقيقة على شفتيه .......ثم قال بهمسٍ اجش
(لقد احضرتك لقلعة الوحش ...... لالتهمك بمفردي )
احمر و جهها بشدة و اسبلت جفنيها ....شعر وقتها انه على وشك ارتكاب عملا احمقا , فتركها بسرعة لينزل من السيارة و يدور حولها ليفتح الباب المجاور لها , ثم مد يده يلتقط يدها و يسحبها اليه .....
و قفت سابين تحاول تبين المكان المظلم من حولها .... الا انها لم ترى سوى منزلا ضخما فى منطقةٍ منعزلة لم تتعرفها ......
قال لها احمد بغموض
( اعرف انكِ تشعرين بالاحباط ...... فربما كنتِ تودين السفر الى احد المتنجعات الراقية )
رفعت نظرها اليه و اهدته اشد الابتسامات سحرا و هى تهمس
( بل افضل تماما ان نكون وحدنا ,,,,,,)
شعرت فجأة باختفاء الأرض من تحتها حين مد ذراعيه و حملها بسرعة.....فشهقت ضاحكة و هي تقول
( احمد ...هذا الفستان يحتاج الى اربعة اشخاص ليتمكنوا من حملي .......)
ضحك احمد ثم قام بقذفها لأعلا لعدة سانتيمترات ثم التقطها مرة اخرى و هى تصرخ ضاحكة ............ثم اتجه بها اخيرا لتلك القلعة الغامضة ......
حين دخل احمد وسابين .......اخذت تنظر الى ذلك المنزل الضخم الذى يفوح منه رائحة الماضي المثيرة ..... بتصميمه الاثري و اثاثه القديم لكن فى نفس الوقت رائع ..... اللوحات الزيتية الضخمة .... الثريات الفخمة المتدلية ...... السجاد العتيق و الوانه التى يتداخل بها الأحمر الياقوتي الدافىء
صعد بها احمد مباشرة على السلالم الرخامية الى الطابق العلوي .... بينما اخذ قلبها يصرخ بشدة مما ينتظرها ........
دخل بها الى غرفة نوم ضخمة .... ذات فراشٍ ضخم يعتبر تحفة فنية فى حد ذاته بالستائر الشفافة التى تحيط به من كل جوانبه ......
انزلها على قدميها ..... فاخذت تدور حول نفسها مغمضة عينيها فاتحة ذراعيها ....... لا تصدق السحر الذى تعيشه ......اخذت تدور وتدور .... الى ان شعرت بذراعيه يعتقلان خصرها بشدة ...فارتفعت اقدامها عن الارض قليلا و فمه يلتهم فمها بقسوةٍ بينما اخذ يكمل الدوران هو وهويحملها .....وظلت سابين مغمضة عينيها لتعيش كل لحظةٍ من هذا الحلم .........
لحظاتٍ بعدها و كانت قدميها تقفان على الارض مرة اخرى بينما يده تمتد لتنتزع ترحة الزفاف و تلقيها بعيدا ...... لتشعر بعد ذلك بسحاب ثوبها يهبط ببطءٍ كاد ان يحرقها ...........
و بعد صراعٍ مع هذه الكومة الضخمة من الحرير ..... حملها اخيرا الى الفراش و القاها عليه .......ثم هجم عليها ليقضى على عذاب الأيام التى عرفها فيها ..... بينما ضاعا تماما و ضاع الماضى و المستقبل و كل شيء الاهما و اللحظات التى يعيشونها.....
فتحت سابين عينيها على صوتٍ اخترق نومها الهش لينتزعها من احلامها الرائعة ..... فقفزت جالسة و هى تحاول التأكد من الصوت الذى سمعته ...... وحين نظرت الى الجانب الخالي بجوارها ..... قفزت من الفراش و هى تجر اغطيته اليها لتلف بها نفسها ثم جرت الى النافذة و هى تحاول التبين من الظلام الذى لا زال يسود الدنيا بالخارج ........الا ان ما لم تخطئه ابدا ......هو سيارة احمد الذى انطلقت بسرعة ٍ محدثة صوتا عنيفا و مخلفة و رائها الرماد الهائج ......... وعروسا تقف فى النافذة مذهولة و هى لاتزال ملتفة بغطاء الفراش ......................................

انتهى الفصل

لعنتي جنون عشقك. 🌺بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن