1

101 7 0
                                    

.
.
.
.

جالس في حجرتي ، احدق في مصباحها المطفأ، بخمول امتد حتى اخر خلية في عقلي، لا افكر في شيء سوى متى ينتهي اليوم، أشد ما في وضعي من بؤس هو انني استيقظت للتو من نوم اشبه بسطح ماء تقفز عليه الضفادع، يالها من بركة منتنة، حتى لم اعد اشعر بالنعاس، اطلت التحديق في المصباح والجدار، اكتشفت من هذا التأمل المسرف اشياء عديدة، كنت اجهلها قبل هذه المدة، اولها طلاء الحجرة المتآكل، والسقف الذي طالته الرطوبة من الامطار، كان لزاماً عليّ ترميمها، لكني بالكاد ارمم نفسي المنهكة مني، بكسل حركت يدي لأرفع الغطاء الي صدري، انني اعاني من التبلد رغم ذلك ؛ لا اجدني افعل ما يجب لأعالج حالتي، انا بخير كما انا، وهذا ما اقنعت به نفسي، لم اعد اشعر بشيء ولا شيء يؤثر بي، هذه العزلة تلتهم بشريتي، تمضغها ، تتلذذ بها، وتبصقها في وجهي، ساخرة مما انا فيه، تحيلني الى جماد، مثلها ، لكني لا ابالي، ان ارادت المزيد؛ يمكنها اخذي كلي، وتركي بعد ذلك للفناء، في ظلمة حالكة وباردة، بعيدا عن نفسي، وعن ضميري، وكل ما يجعل مني بشراً، لتأخذه كله وأكثر...

سمعت صوت خطوات اقدام الساكنين في الطابق السفلي، بددت سكون جنتي وأحالتها ضجيجا صخبا، في مثل هذه الساعة، السابعة صباحاً، يستيقظ اطفال جيراني يستعدون للذهاب الى المدرسة، محدثين عاصفة من الصراخ، الان احدهم يصيح متسائلاً عن مكان بنطاله وحقيبته المدرسية، تجيبه امه بصراخ ايضاً قائلة انه مهمل وهذا جزائه لعدم ترتيب اغراضه، يولول الصبي، يعم الصمت دقيقة واحدة، ليبدئ صراخ الاخ الاكبر فيهم، لقد تأخر عن الجامعة، يصيح على اخيه الاصغر ، لماذا لم يوقظه مبكراً، يرد الاخ الاصغر، انت من طلب عدم ايقاظك! يسمع دوي صفعة ، امسكت خدي متألما يبدو ان خد الطفل اضحى في خبر كان، لكني مع ذلك لم امنع شفتاي عن التبسم، انني حقير، هذا ما تلته علي نفسي، ساحبة البسمة مني عنوة، عم الصمت، سمعت الباب يفتح، ولم اسمع شيئا بعد ذلك الى وقت متأخر من النهار.

مع اني انزعج من هذا الضجيج الصباحي؛ الا انني لا اكرهه، فهو ما يحرك في نفسي شعورا، وإن كان امتعاضاً، فهو شعور، لقد تبلدت احاسيسي هي الاخرى، وأجد أن من دواع سروري بقاء ولو شيء بسيط منها. يعود تركيزي المضمحل الى الجدار، لا صدى في الافق ولا همسات النسيم، حتى الطيور لا تغرد، ان الحياة تعاديني، وهي تجيد العداء، اين المعنى من بقائي هنا، متوسد سريري، احدق بالجدار وكأن الوحي سيهبط عليّ من خلاله ؟ انه لا شيء، ولن اجد فيما انا فيه اي معنى، اظل جالسا من الفجر الى الليل، اياما بطولها...

العبث يتوسم حياتي، يخبرني انه قمة ما اصبو اليه، وأن لا هدف قبله ولا بعده يهم، يجبرني على قبول مصيري، شاكرا له انه رضي بي، مع تخلي الجميع عني، وددت لو قابلته، هذا المصير العابث، لو انني حدثته، محتسين الشاي على شرفة حجرتي، لا شك انه يفهمني وافهمه، انه انا الاخرى...

أجوف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن