.
.
.
.ودون أن يعقب على كلامي، عاد للتحديق إلى ما خلف النافذة، لقد خُيل لي أن أمله خاب مني، أنه عدني إنساناً واعيا وكبيرا، وأحمل فكراً رصينا، ولكن الخطأ خطأه، عليه أن يعاتب نفسه التي رأت في نفسي أكثر مما فيها حقا، وأخذت تأمل منها أشد من طاقتها، والآن هي تصدم من الواقع، من كوني فارغاً دون معنى، ولهذا إنما ابتسمت، لأنه بنى بنفسه بنيانه وهدمه فوق رأسه، دون أن أرفع اصبعا واحداً حتى . انتظرته ونحن على هذه الحال، لعدة ساعات، قد انتصف النهار وحانت صلاة الظهر، فنهض قائلا لي، بابتسامة أخيرة شقت طريقها من اليأس
_ هل نصلي معاً ؟
_ أنا لا أصلي.
رددت عليه سريعاً ورأيت كيف تحولت ابتسامته التي عانت من أجل الظهور، قد ترنحت واختفت، كسراب لم يكن يوماً حقيقياً، عندها أظن أنني قرأت في شفتيه عبارة لم ينطق بها، كانت " الحمد لله " لعله حمد ربه أنه لم يكن مبتلى مثلي، أنه ما يزال متمسكاً بالصلاة، حتى وهو ضائع، وفي حالة أشبه ما يكون بانتكاسة عظيمة، تمسكه بالله، كان طوق نجاته الوحيد، وهذا ما دفعني لأن أقول عكس معتقداتي ورغباتي، حتى كدث اثلم طوق العزلة الذي يحميني_ التفكير لا يليق بك ...
لم أكمل كلامي، لقد كنت خائفا من نفسي، من أنني أفرض مبادئي على أحد، وأحاول أن أكون على صواب، لقد توقفت عن التبرير والاقناع منذ عقد، وادري خيراً من أي أحد ، أن لي أفكارا لن تروق للناس، وهو أيضاً لن تروق له، رأيت فيه جميع من أكره من البشر، نظر إلي، جاهد على الكلام معي، وكأنه يهرب من وباء
_ سأذهب إذا إلى المسجد، الوداع .
لقد أراد أن يقول شيئا آخر، أخفاه، لكن عينيه اظهرتاه واضحاً دون شوائب، اكتفيت بتوديعه وإغلاق الباب خلفه، ثم عدت إلى حجرتي، بسطت مصلاة، سجدت عليها إلى أن أقام الإمام الصلاة...
أديت الصلاة بخشوع واكملت الأذكار بعدها، وجلست افكر في محادثتنا القصيرة، إننا خلال الخمس ساعات الماضية، لم ننطق سوى همسات لا تعد كلاماً، لم نتحدث إلى بعضنا أكثر مما كنا نخاطب أشخاصاً آخرين، ليسوا نحن ولن يكونوا ابدا، لعله أراد الفضفضة، إذنا تسمع شكواه؛ لكني حجر، والحجر لا يسمع للاعترافات
أردت أن أعرف كيف سيبدي تجاهي من فعل، عندما أخبره أني تركت الصلاة، لعله يكون مختلفا، ولا أنكر أنني فكرت لوهلة إنه سيكون، وهذا التفكير، اثبت لي ما كنت احذر منه، أنني ومع عزلتي هذه، ما أزال ارتجي شيئا من البشر ...
مر شهر كامل، دون أن تتخلله زيارات جِنان، تخلصت منه أخيراً، وصفى ذهني من أفكار دخيلة، وعدت إلى ما كنت عليه، محدقا في جدار حجرتي، أراقب بثبات أميال الساعة وهي تعدو خلف الأرقام، في حلقة لا نهاية لها، مثل الحياة التي بدت طويلة، ولن تنتهي أبدا، وأثناء تأملي، طرق الباب بخفة، ظننت معها أنني بدأت اتهيئ أصواتا لا وجود لها، لكن عندما أصغيت السمع، كان فعلاً صوت طرق خفيف على الباب، ذهبت لأرى من الطارق، وفي أثناء سيري، شعرت أنني تغيرت، لم يعد يزعجني أن يأتيني أحد، ويكسر عزلتي، وقبل أن أدرك، وصلت إلى مرحلة أسمى من التفرد، أنني لم أعد أبالي حتى وإن رميت في قلب الضوضاء، ما دام في قلبي سكينة، وفي عقلي صفاء، كنت مستعداً دون أن أشعر، للخروج إلى العالم، والحياة، والعيش دون خوف من أن أتأثر بأفكار أي شخص آخر.
أنت تقرأ
أجوف
General Fictionنظرت الى الاسفل، كان الابن الاكبر في الدور الثاني، يطل برأسه من الشرفة، ينظر الي باسماً، وكأنه وجد كنزاً ، لا ادري أكان ذلك بريق عينيه أم هو ضياء الشمس ، لكن خيل الي أنه كان يبكي، مع ذلك وجدت البسمة طريقها بحرية، نظرت له انا ايضا، كنا على هذه الحالة...