3

19 5 0
                                    

.
.
.
.

أصابني وجع في الرأس منذ الصباح الباكر، مرده إلى جِنان، الجالس بجانبي، يهذر في شتى المواضيع، يقفز من واحد إلى آخر، دون أن يعطيني مجالاً لاستوعب ما يدخله إلى عقلي، فيأخذه الحديث عن نفسه وعائلته إلى قال

_ لقد صفعتني والدتي تلك المرة، عندما رفعت صوتي ووالدي كان نائما، كذبت عليك قائلا أنني صفعت نفسي، هل تذكر ؟

وأخذ يقهقه، لم أملك من الطاقة ما يحملني على مسايرته، كنت أما اومئ برأسي أو أهمهم رادا عليه، وهو كالطفل، لا يصدق أن أحداً يستمع إليه حتى يفرغ كل ما في صدره دفعة واحدة، لكني مع كل هذا الازعاج، بدأت اعذره، إنه وحيد كما يبدو لي، دون أصدقاء ليتحدث معهم، وأنا كنت الوحيد الموجود على قائمة معارفه الخارجيين، عدى عائلته، ولهذا إنما صبرت عليه، بعين الأبوة، ولكني أيضاً لا احتمل، مثل كل أب، أن يحوم حولي طفل صاخب، أثناء ادائي لعملي، وهو التأمل، فكنت أوحي له بحركات يفهمها، أن وقت الضيافة قد انتهى، فكان يرحل عني، مبتسماً ممتنا لوقتي معه، وكنت بعده اعاني من تبعات تلك الانفعالات، فاسكن في سريري، أعاني من أوجاع عديدة، حتى خيل إلي أنني أصبحت مسحوراً ربما أو مسني الحسد، لكن سرعان ما تراجعت عن افكاري، عندما لم اجد شخصاً يمتلك رفاهية الوقت، ما يخوله سحر شخص لا يخرج من منزله ولا يتفاعل مع أحد .

جِنان، لم يكن شخصاً متحمساً دوماً، كان أيضاً يتفوه بكلام يروق لي الاستماع له، فقد قال لي مرة

_ أنني أحب الذهاب إلى مزرعة جدي، ليس لشيء، سوى مشاهدة مصابيح السيارات الحمراء فجراً، تنعكس على الشارع المظلم، وعلى أسطح السيارات، كانت تحفة حمراء، تتراقص على أنغام لا يسمعها سواي، كل الركاب معي منشغلين في عوالمهم الخاصة، يفكرون وكأن التفكير سوف يوصلهم إلى نتيجة، لكنها لم ولن تكون موجودة، في رأيي، إن النظر إلى ذلك المشهد وحده، يكفي لأن يصبغ تعاستي بالأبيض، فيزيح عني الهم، واعود إلى طاقتي بمجرد حلول الصباح، كان السفر من وإلى مزرعة جدي يستغرق نهاراً كاملاً، فكنت أذهب إليه كلما ضاق صدري، في منزلي هذا، واعود من عنده كلما ضاق صدري في منزله، فأرى الأضواء ويعود لي الفرح والسرور، وأيضاً لسبب ما، أصبح مجيئي إليك أحد هذه الأسباب، فكلما هممت بزيارتك أجدني اشتعل بهجة وحماسة .

كان مهذارا، أكثر من أي شخص آخر، وفي كلامه ما يعد ساخراً أيضاً، لقد غضب مني مرة، عندما رآني أحدق في المنضدة، ولا أستمع لثرثرته المعتادة، قال لي

_ النظر إلى الفراغ ليس لك، أنه للحمار

رددت عليه في شيء من الاستياء : أعلم إنه لك !

أجوف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن