٢_چُمانة.

278 37 29
                                    

|قبل عدة ساعات.|

أسبوع ثقيل ومُرهق، بعد الرحلات الجوية والبرية العديدة التي التحقت به حتى وصلت إلى هنا كي لا يستطيع أحد تتبع أثري.

المَسكن الذي من المفترض أن أبقى به، كان غرفة في شقة بها العديد من الفتيات المغتربات كلهن عربيات لكنني لم أستطع التآلف معهن مهما حاولت.

بكاء دانة يزعجهن، نظراتهن تجاهي تجعل بدني يقشعر؛ امرأة وطفلة داخل سكن جامعي أمر غريب لكن قبول الآخرين لي الآن لم يكن من ضمن قائمة أولولياتي القصيرة.

خلال الأسبوع أنشأت صفحات جديدة في مواقع للعمل الحر التي زهدتها منذ أشهر كنت بدأت فيها التفكير في إنشاء شركتي الخاصة.

لقد قضيت سنوات منذ مراهقتي أدرس وأعمل في أوقات كان بها الكثير يلهون ولا يلقون للحياة همًا.

تعلمت الكثير من اللغات التي لسخرية القدر لم تكن الألمانية من ضِمنها. ربما بجانب كون عمي يمتلك معارف هنا، تلك البلد لم تكن يومًا ضمن قائمة أحلامي وإهتماماتي مما سيجعلها بعيدة عن موضع الشك.

الآن عليّ البدأ من الصفر، إيجاد مشروع بسيط بأي مبلغ ممكن فقط من أجل النجاة وإطعام طفلتي.

نظرت لوجهها الغافي وأنا أشعر بذلك الوخز في جسدي بأكمله، منذ ولادتي الألم لم يهدأ وأفقد الكثير من الدماء.

عليّ زيارة طبيبة لاحقًا إن لم تتحسن حالتي.

نظرة أخرى لوجه دانة بدأت الذنب داخلي يتصاعد تجاه إيقاظها ومغادرة المنزل من أجل شراء بعض الأغراض التي لن تستغرق الكثير.

"هل أنتِ بخير يا چُمانة؟"

اخترق صوت أثير تحديقي المريب في الحائط، نظرت لها بابتسامة واهنة وأنا أهز رأسي.

"بخير لا تقلقي."

أثير فتاة جزائرية تدرس الطب، الوحيدة التي لم تنظر لي بازدراء مقيت، بل وحاولت إنشاء صداقة معي والتي تقبلتها برحابة صدر بالتأكيد.

المرة الأولى التي أشعر بها بحاجة ماسة لوجود صحبة حولي، بشر أستطيع التحدث معهم بدلًا من الغوص داخل عقلي وإخراج تلك الصناديق الصدئة المكتظة بذكريات عطنة، وصور مهترئة في إطارات متهالكة.

"هل تستعدين للخروج؟"

عاد صوت أثير ذو البحة المميزة يسألني.

"نعم، ولكنني أشعر بالسوء لإيقاظ دانة وإخراجها معي في ذلك البرد."

"لِمَ لا تتركينها قليلًا؟ يمكنني الاعتناء بها لعدة ساعات ريثما تعودين. وعلى كلٍ هي نائمة الآن."

داعبت الفكرة عقلي بشدة لكن انقبض قلبي قليلًا؛ هل من الصحيح تركها هنا؟ في وسط فتيات لا أعرفهن. والافتراق عنها للمرة الأولى منذ ولادتها؟

بقايا محترقة | الجزء الثاني من عتمتهُ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن