١_وليد.

458 36 41
                                    

لا أتذكر أنني قضيت عدة أشهر من حياتي أراقب الفراغ مثل الآن، أترُك جسدي مُسطح لساعاتٍ بينما أحاول إيقاف تشغيل عقلي المُتعَب.

مرت ثلاثة أشهر منذ تركي للمغرب، أو إن صح المعنى هروبي من موطن لم أعرف سواه إلى بلدٍ غريب بحثًا عن نسيان أو تعافي ولم أحصل على أي منهما في النهاية.

توقفت عن العمل وممارسة الرياضة، كنت أجلس لساعات فوق فراشي لا أفعل شيء سوى التحديق في السقف حتى تحترق عيناي وأغلقهما ليرتسم أمامي وجهها، ابتسامتها المشرقة وعينيها الواثقتين، ملابسها الأنيقة باحتشام وجديتها في العمل.

يغوص عقلي لأحلام تشبثت بها وعينيي مفتوحتين بكامل وعيِّ، مثل كيف أننا سنزور الكثير من البلدان والمعالم، سنبني بيتًا صالحًا سويًا، سيكون لنا أطفال نتقاسم تربيتهما ودائمًا سأكون ممتن أنني كنت في تلك الرحلة ذلك اليوم لمقابلتها والاستمتاع بصحبتها لساعات.

كنت أريد أن نذهب للعمل صباحًا ويدينا متشابكتين، أن أستلقي فوق ساقها أثناء ما تقوم بقراءة إحدى روايتها بصوت مرتفع لأنام أسفل تأثير صوتها الناعم.

أردت الكثير وتمنيت أشياء لا يمكنني إحصائها ولأول مرة أسمح لنفسي بمعانقة وهم، أترك قدماي ترتفعان عن الأرض لأصطدم بالقاع بعدها و تطلخ الصورة باعترافها الأخير وتنتهي سكرة اللحظة وينقشع الحُلم.

إنها تحب رجل آخر، كانت تلمع عيناها بجواره.. كان حزنها لأنها هجرته، كان كل شيء لها وأنا لستُ سوى مُسكن مؤقت ما أن انتهى مفعوله حتى هجرته دون أن تلتفت.

أعلم أنني لست طفل كي أتذمر وأدير ظهري للعالم لكن هذا أقصى ما يمكنني فعله؛ أن أتوقف عن فعل كل شيء وأغضب وحدي.. وأبكي قليلًا في بعض الأحيان.

في النهاية لم يُجدي الأمر، لم يهدأ غضبي أو ينجلي حزني ولا أظنني سأفعل قريبًا.

أغلقت الباب خلفي بعدما قررت الخروج من المنزل للمرة الأولى والتوجه إلى إحدى المكتبات التي رأيتها عبر الانترنت.

لم أكن من هواة القراءة ولكن في الفترة القليلة التي بدأ فيها إعجابي بها ومعرفتي لشغفها بالقراءة تغير الأمر، تعقبت حساباتها على وسائل التواصل وقرأت كل كتاب نشرت له صورة أو اقتباس.. كل كتاب أعجبها أو أبكاها. كنت أحاول الوصول لها عبر شيء تحبه.. أن أكون مرئيًا لها لكوني أنا ليس، ابن صديق والدها اللحوح وحقًا ظننتي نجحت بعد طريقة طلبي للزواج الحمقاء، وفي النهاية فشل آخر.

الآن أنا أحب القراءة دون حاجة لإبهار امرأة لم تنظر إليَّ ولن تفعل، إنها تحمل طفلًا الآن.. طفلًا يخصه هو.

أرخيت زفيرًا حارًا حانقًا وأنا أتمسك أكثر بمعطفي، أسير بخطوات مكرهة دون رغبة حقيقية في الذهاب لأي مكان.

بقايا محترقة | الجزء الثاني من عتمتهُ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن