لم اتكلم مع قارئ من قبل لكن سأخبرك ب احدى ليالي غدير ...
في احدى اليالي الباردة بعدما فرشت السماء بساطها الاسود ذهبت الى السرير و انا في قمة التعب الجسدي لم اكن كعادتي اليلية فقد اعتدت على ان انظر الى السقف و اتأمل مظهره البسيط ثم اضع قصة ما في مخيلتي لربما اغفو قليلاً.
في تلك الليلة بمجرد ان وضعتُ رأسي على الوسادة لم اشعر الا و انا لست انا....
كنت جالسة على ارضِِ باردة في مكان معتم اسمع صوت الرياح
يتضارب بالارجاء أظن انني بغابة بعيدة المدى او ربما ارض قاحلة ... خطفني صوت اقدام تهرول حولي كدوامة
حاولت الوقوف على قدمي و ان استرق هذا الصوت الغريب.
لكن عندما وقفت على قدمي الحافيتين الباردتين توقف الصوت . رفعت يدي لأتفقد هذا المكان و مصدر الصوت الخفي .
قُلت بصوت مرتعش..
- مَن هُنا؟
- أيوجد احداً ما هنا؟
ماذا حدث؟ لمَ أنا هنا؟ تسأولات كثيرة تدور داخل رأسي.
سمعتُ صوت احداً ما يحاول فتح باب ما.. هذا يعني بأني لستُ بغابة
-قُلت مَن هنا؟!
حرقت عيناي ضوء الشمس عند فتح الباب حاولت جاهدة ان انظر من هذا الشخص .
- حرير.. أأنتِ بخير ؟.
من هذه الفتاة الصغيرة ؟ من هي حرير؟
-حرير أجيبيني أأنتِ بخير؟
اجبتها بصوت خافت و مرتعب..
-اين انا؟
- اعلم أنه مكان مرعب لكن هذا هو العقاب . كم مره اخبرتكِ ان تلتزمي الصمت لكن انتِ عنيدة.
- ألتزم الصمت؟؟
- انظري الى وجهكِ الشاحب ...
مسكتني بقوة من يدي و قامت بسحبي الى مكان كبير للغاية صوت ضجيج اطفال لعب و فوضى في كل مكان . قرأت الافتة الموجودة على باب هذا القصر مكتوب عليها باللون الازرق الغامق "الميتم".
ماذا افعل بالميتم؟ ما الذي اجرني الى هنا؟ هذه الاسألة تُخيفني اجوبتها .
دخلت الى غرفة زرقاء تلمع من كل مكان كالزجاج كانت في الغرفة اربعة فتيات صغار لكن عندما رأونني كانوا كأنما رأوا شبحاً ما او ربما وحي من الخيال وقفوا متجمدين في مكانهم و اخذ وجههم يصفر ..
-حرير؟؟
- كيف؟ كيف؟...
اجابتهم الفتاة التي حملتني الى هذا المكان بصوت منخفض و سريع..
- ريما.. ليس الان . أنظري إليها كم هي مرهقة.
ذهبت الى المغاسل لأغتسل بماءِِ دافئ كانت يداي ترتجفان اخاف ان انظر الى المرأة .
حرير: إنه حلم .. انا لازلت غارقة في النوم ... سأنظر الى المرأة و اغتسل ثم استيقظ...
وضعت يدي في الماء الدافئ ثم حاولت ببطئ ان ارفع رأسي لأنظر الى المرأة ..
تجمدت في مكاني عندما وجدت طفلة صغيرة امامي في المرأة .. من المحال ان تكون هذه انا .
جلست على الارض لأستوعب ماذا رأت عيناي.
مسكت رأسي و اغمضت عيني لأُهدِءَ نفسي و اضع افكار جيدة في مخيلتي..
حرير: من انا؟؟ اين انا؟ من تلك الطفلة الشقراء التي رأيتها للتو في المرأة.... انا غدير ... المحققة غدير..
وقفت على قدمي من جديد ثم اخذت احدق على نفسي بالمرأة .
تذكرت هذه القضية ..
فتاة شقراء.. في ميتم ... تبلغ من العمر تسعة اعوام...
نعم، نعم . إنها قضية حرير .
لِنرجع إلى الوراء ...
٢٠/٦/٢٠٢٤
علي: هل تعلمين لم أنم منذ البارحة بسبب هذه القضية اللعينة.
غدير: لم تُحَل بعد؟!
علي: اذا كان لديك مساعد مثل فهد كيف يمكن للقضية ان تُحَل؟!
ضحكت ثم قلت بلطف..
غدير: لكنه يبذل قصار جهده افضل من البقية.
علي: ماذا حدث عن قضيتك ؟.
غدير: و لماذا احمل ألعاب اطفال؟
قال علي بمزاح كعادته..
علي : ظننتها لكِ.
نظرت إليه نظرة بطرف عيني ثم قُلت..
غدير: قضيتي خطرة و متأكدة إنها صعبة لم اتعامل مع اطفال من قبل و لا اعرف كيف استجوبهم . لذا احضرت هذه الالعاب لتسهل عملية الاستجواب.
علي : قضيتك قضية الطفلة ريما أليس كذالك؟!
غدير: نعم، يكذبون الكذبة الشهيرة بأنها انتحرت . كيف يمكن لطفلة ان تقتل نفسها حتى ان كان هذا صحيح لا يمكن من دون سبب وجيه.
علي: ربما لم تحتمل فراق عائلتها.
غدير: اذا كانت لا تحتمل فراق عائلتها لماتت من اول يوم لها في الميتم ليس بعد عامين من قدومها للميتم .
علي: لماذا دائماً تكون هذه القضايا من نصيبك؟!
غدير: لأنني لست محظوظة مثلك. على اي حال يجب ان اذهب الان .
علي: أتريدين ان ارسل معكِ فهد؟.
قلت ب استهزاء...
غدير : هههه كم انت مضحك.
علي: كم انتِ باردة اضحكِ قليلاً العالم لم ينتهي بعد ....
ذهبت بمفردي الى الميتم لانني احب العمل الفردي و حل هذه الالغاز.
كان الميتم ضخم كالقصر مطلي باللون الازرق و الابيض يلمع كزجاج او مرأة . من ينظر إليه من الخارج لم يتوقع ظلامه من الداخل.
عندما دخلت داخل الميتم استقبلتني مديرة الميتم كانت امرأة مسنة كبيرة العمر لا تعلم ماذا يحدث حولها.
المديرة: مرحباً بِك أيتها المحققة . تفضلي تفضلي..
غدير: سيدة سناء أليس كذالك؟
المديرة : نعم نعم إنها انا.
((سيدة سناء))
امرأة مسنة تبلغ من العمر خمسون عاماً ذات شعر ابيض لامع و نظارات كبيرة قديمة ... متأكدة بأنها لا تعلم شيء تصدق كل شيء او بالاحرى تنخدع بسهولة .و نحن نتمشى داخل الميتم قمت بسؤالها بعض الاسألة الروتينية.
غدير: كم عام اصبح و انتِ تعملين هنا؟!
سيدة سناء : اهدرتُ عمري هنا. كنت اظن بأنني كالوالدة في هذا الميتم. لم اكن اتوقع سأخسر احد اطفالي.
غدير: كيف حدث كل هذا؟.
سيدة سناء: ريما فتاة هادئة مطيعة لم اسمع لها اي صوت و لم تدخل في مشكلة من قبل . تختلف عن باقي فتيات الميتم . لم تختلط مع احد. ظننت بأنها مصابة بالاكتآب لكن تم تشخيصها على إنها بخير و لا تعاني من اي اضطرابات نفسية.
غدير: أليس لديها اصدقاء؟.
سيدة سناء: نعم، نعم لأول مرة من بعد عامين من العزلة يصبح لها صديقة مقربة.
غدير: من هي؟!
سيدة سناء: حرير.
غدير: اريد مقابلتها...
جلست داخل غرفة المديرة منتظرة قدوم حرير . كان الحائط مليء بصور اطفال الميتم . وجدت صورة تبدو قديمة لريما تقف بمفردها بعيدة عن الفتيات الاتي في الصورة . قمت بلمسها لأرى ماذا حدث في ذاك اليوم عند التقاط هذه الصورة.
اثناء تركيزي على هذه الصورة لعلي ان اجد ثغرة انفتح الباب ثم دخلت فتاة شقراء ذات بُنية ناعمة و شعر ناصع كالذهب صغيرة للغاية لم ترفع رأسها عن الارض.
غدير : اريد ان ابقى بمفردي معها رجاءاً.
سيدة سناء: بالطبع، بالطبع.
ثم حنت رأسها و قالت لحرير ..
سيدة سناء: لا تقلقي يا عزيزتي فقد اجيبي بكل صدق .
ثم مسحت على ظهرها و خرجت من الغرفة.
لا اعرف كيف اتحدث معها فهذه اول مرة استلم قضية لطفلة . جلست على ركبتي لأصبح بحجمها ثم حاولت ان اتكلم بنبرة صوت مريحة تجعلها لا تخاف مني لطالما يخبرونني بأنني امتلك نبرة صوت فيها تهديد بطريقة غير مباشرة.
حسناً سأحاول..
غدير: ما أسمك؟!
لم تجبني..
غدير: انا اسمي غدير.
لم تجبني ايضاً..
بدء هذا الشي يستفزني لكن حاولت ان اذكر نفسي بأنها طفلة احتاج ان اصبر . و استخدم طرق اكثر ذكاء. الاطفال لا يحبون الاسألة لذا.....
غدير: كنت فتاة مشاغبة لا يمكن لأي شي ان يوقفني سوى النوم كان الجميع يحبني و لدي الكثير من الاصدقاء الا ان لا احد منهم كان مقرب الى قلبي سوى واحدة كانت مشاغبة اكثر مني لربما النوم من يوقفني لكن هي حتى النوم لا يستطيع ايقافها ...
تبسمت حرير و بدت القصة تعجبها ثم قالت بصوت اكثر من هادئ..
حرير: كانت ريما كذالك .
استغربت بشدة لان المديرة اخبرتني للتو بأنها منعزلة لم توحي لي بأنها مشاغبة.
حاولت ان اسألها بطريقة عادية ابدو بها انني اريد التعرف عليها و ليس استجوابها.
غدير: أتلعبون الكثير من الالعاب؟.
حرير: نعم.
غدير: ماذا تلعبون؟!
حرير: الاستغباء.
غدير: الاستغباء؟؟؟!.. و كيف تلعبونها؟.
حرير: تعرفين الحقيقة لكن تظهرين بأنك تجهلين كل شيء. و يمكن ان تغيري الشخصيات.
هذه ليست لعبة اطفال..
غدير: كيف اغير الشخصيات؟.
حرير: ريما ليست هادئة و لا مطيعة .
غدير: اذا من هي؟.
لم تجبني..
غدير: أيمكنك مساعدتي ؟!
لم تجبني ايضاً..
غدير: هل يمكن ان نلعبها معاً؟.
لم تجبني..
غدير: أتعتقدين حقاً بأنها يمكن ان تؤذي نفسها؟!
نظرت إلي ثم غرقت عيناها بالدموع لم اعرف ماذا افعل لذا ناديت المديرة لتأخذها الى غرفتها. لكن قبل خروجها قالت لي جملة واحدة غيرت الموازين .
قالت لي .."بدئت اللعبة".