جالسة علي الفراش بخصلات مبعثرة وحولها العديد من الأوراق ،وقعت عيناها علي تلك الزجاجة التي تحتوي علي رائحة المسك الطيبة ،امسكت الزجاجة مجدداً واشتمت رائحتها وفي داخلها تتساءل من أين تألف هذه الرائحة ؟!
تذكرت بالأمس بعدما انتهت من إعداد وجبة الغداء مع الخالة جلستا يتناولا الطعام سوياً ورغماً عنها كانت تستمتع بتلك الاجواء والاحاديث المرحة التي لا تَكُف الخالة عن مشاركتها إياها ...
ثم شربت قدح من الشاي بعد إصرار من الخالة وبعدما إنتهت كانت تُسارع بالرحيل قبل وصول زوجها وولدِها ..
خرجت لتتابع عملها فلم تشهد تجمهر بعض الاقارب والجيران لتهنئة "أنس" بعودته ولم تشهد ذلك الكم من الترحيبات المصحوب بالزغاريد الفَرِحه
وعندما عادت كان كل ذلك إنفضَّ ،تفاجأت بالخالة تعطيها تلك الزجاجة ورداء للصلاة كهدية وتخبرها بعودة ولدها "أنس"
شكرتها "رحيل" ثم وضعتها بإهمال لإنشغالها بالأمس ،والأن فقط إنتبهت لأمرها ،ارتمت علي الفراش لتنام ورفعت الزجاجة امام وجهها ثم رددت دون أن تنتبه :- أنس سعد علام ..
ساد صمت مريب في الغرفة وكأن عقلها يستوعب أمرا ما ،عقدت حاجبيها بغرابة ..ثانية اثنتين ..ثلاثة .... و..
انتفضت في نومتها لتعتدل سريعاً وتمسك برأسها قائلة :-أنس ..أنس سعد علام ..!!
ثم تابعت بتذكر :- وو ..الخالة مني..ايوه ايوه كان اسمها مني .. وو ..العمدة ..العمدة سعد ، ايوه ابوه كان عمدة ..
ضربت جبهتها قائلة :- انا ازاي مخدتش بالي ؟! معقول ؟! معقول بعد السنين دي كلها يطلع هو ؟! مستحيل ..
وضعت يدها علي فمها والأمور تتضح شيئا فشيء ،الآن فقط إنتبهت للأمر وأدركت الأُلفة التي كانت تشعر بها في كثير من الاحيان تجاه كثير من الأمور ..
استقامت واغلقت الباب جيداً وعادت تجلس مكانها بشرود وخمسة اعوام تمر امام عيناها الآن ،مرحبا بليلة آخري سيكون الارق خير رفيق فيها ..
بكت ،بكت بكل ما تحمله من قهر وألم ،عجز ثمانية وعشرون حرفا عن التعبير عما تشعر به الأن فبكت ،بكت بصمت وعَبراتها تهطل كالأمطار ،تذكرت ذلك اليوم المشؤم ،تذكرت تحطيمه لها وتركه إياها دون سبب ..
قالت من بين شهقاتها :- معقول بعد السنين دي كلها نرجع نتقابل تاني وانا اللي اجيله برجليا لحد عنده كمان ؟!!
عضت على شفتيها وقالت ببكاء :- يارب ..يارب ابعده عني، انا سبق ودفعت التمن غالي اوي وندمت والله العظيم ندمت واتعلمت الدرس كويس
استقامت ودارت حول نفسها في الغرفة تردد بجنون :-انا لازم أمشي من هنا حالا ،المرادي انا اللي هسد ألف باب في وشه وهبعد عنه ...المرادي انا اللي مش عيزاه
أنت تقرأ
رَحيل
Romanceلطالما رحلت عنها الاشياء والأشخاص، ولكن الحزن آبى ان يرحل عنها ،رافقها الالم وآبى ان يُفلت كفها عندما افلت الرفاق أيديهم ،تكافح في حياة تنبذها مع نسب مجهول ،تلاطمها امواج الحياة بقسوة ،تُغرقُها بحار الظنون والافكار دون رحمة ،تجذبها نَفْسَها نحو هوَّ...