تعود احداث قصتنا الى القرن الثامن عشر ، اي قبل عقدين من الان، و تحديدا في دَشْرَة ( قرية او قبيلة ) من دشرات الجزائر ، اين نشأت علاقة حب عُذري ( عفيف ) بين الشاب مَخلُوف ، و زَعرة التي كان يَبعد مَنزِلها عن منزله عدة امتار ،و قد دام حبهما لسنوات اعتادا فيهما على الالتقاء سرا بين الفنية و الاخرى ، الى أن فُضِحَ امرُهما ووصلت الأخْبار إلى أهل زَعرة ، الذين اعتبروا الأمر فَضيحة و أرادوا كَتمه بكل السبل و إن تحتم الامر بِمغادرتِهم للدَشرة ، فقرر مخلوف خِطبة زعرة من أهلها و إغلاق الأفواه من حولهم ، لذا بعث أهله للحديث مَع اهلها بشأن العدول عن قرارهم بالرحيل و تزويج زعرة لمخلوف ، لكن اهل زعرة اعتبروا الأمر اهانة لهم و رفضوا امر الخِطبَة و الزواج و منعوا زعرة الابتعاد عن حدود الحي الذي تقطن به ، حتى لا يكون هناك تواصل بينها و بين حبيب قلبها مخلوف ، لكِن هذا الاخير لم ييأس و ذهب يبحث عنها بين احياء الدشرة عله يجدها بمكان ما ، و كما كان الحال بعد عدة ايام من البحث المطول وجد من مال لها قلبه جالسة قرب نبعة ماء تملأ الدلاء، فاقترب اليها و قال :
" يا ذابل لعيان يا ذابل لعيان ••• و يا البنية تهموك بيا
اهلك هزو الرحيل و بعدو ••• و جحدو و ما قالوش
دزيت الخطابة و رفضوا ••• و حقروا و ما ردوش
و انا قصدي شريف ما هو مغشوش ••• "لترد عليه زعرة :
" مَخلوف يا زهو البال ••• نارك شعلت في حواجيا
راه بابا رافض ••••و الخاوة ضاغطين عليا
و العيشة صبحت مرار "و في هذين المقطعين الشعريين من القصيدة التي تناولت قصتهما فان مخلوف بعد لقائه لزعرة عند منبع الماء قال لها :
" يا صاحبة العيون الذابلة ، و يا صبية لقد اتهموك بي ، اهلك قررو الرحيل دون سابق انذار و لم يعلموا احد ، و انا عندما سمعت ارسلت اهلي نية في خطبتك ، لكنهم رفضوهم و احتقروهم و لم يردوا علينا بالموافقة ، و انا نيتي في خطبتك كانت صافية و غير مغشوشة تشوبها الخديعة "
ليكون رد زعرة :
"مخلوف يا من يزهو بوجوده بالي و يرتاح ، حبك في قلبي اشتعلت نيرانه و لكن ما باليد حيلة فوالدي رافض لامر الزواج ، و اخواني كانوا لي بالمرصاد ، و ضغطهم علي جعل من حياتي مريرة"
افترق الحبيبان بعد الحديث الذي دار بينهما و وعد مخلوف لزعرة بعدم الاستسلام و العودة لخطبتها الاف المرات حتى يرضخ اهلها و ياخذها عروس امام اعيان كل من تكلم عنها بالسوء ، و لكن ما لم يكن بالحسبان ان جارة زعرة راتهم ، و اخبرت اهلها عن لقائهما و الحديث الذي دار بينهما ، و زودتهم بمعلومات اخرى اكثر دقة عنه ، فوضعوا له جاسوسا يترصد اخباره ، الى ان علموا ادق تفاصيل يومه و درسوا كل حركاته بعناية ، فارسلو له في احد الايام بمرسال يحمل اسم زعرة و الذي قيل فيه " اريد لقاءك في المقهى مساء اليوم " ووضعوا ذات الجاسوس على باب المقهى و عندما وصل مخلوف لـلقاء محبوبته زعرة تفاجأ باهلها في انتظاره بدلا منها ، و اغلق الجاسوس عليه الابواب حتى لا يكون له سبيل للهرب ، فدعاه والد زعرة للحديث برجولة و الاتفاق على قرار يرضي الجميع ، و حينها طلب منه الابتعاد عن ابنته ، و عدم التفكير فيها ، لكنه رفض و اختار الموت بدلا عن فراقها ، فهجم عليه اخوتها و ابرحوه ضربا الى ان اعتقدوا انه مات ، فحملوه بين ايديهم الى مكان شبه مهجو ، و تركوه مرميا على جانب الطريق غارقا في دمائه ، الى ان وجده بعض الصيادين العائدين من رحلة الصيد ، فتعرفوا عليه و لحسن الحظ لم يكن ميتا و انما فاقدا لوعيه ، فاسرعوا لاخبار اهله الذين حملوه و اخذوه الى البيت ، و ما ان سمعت زعرة بالخبر المشؤوم الذي وقع على مسامعها كالصاعقة ، خالفت كل اوامر اهلها ببقائها حبيسة بيتها و غادرت بسرعة صوب بيت محبوبها ، و لما دخلت وجدته ممددا كالجثة الهامدة ، فجلست على ركبتيها امامه ووضعت راسها على صدره ، اما دموعها فقد كانت كشلال جارٍ تغسل جروحه و لما سألته عن ما جرى له و ما أوصله للحال الذي هو فيها راح ينشد :
أنت تقرأ
||قِـصّـة زَعْرَة و مَخلُوف ||
Kurzgeschichtenقِـصّـة مِنَ التُـراثِ الشَـعْـبِي الجَـزَائِري ، مََأخُـوذَة مِن قَـصِـيـدةٍ شَـعْـبِـيـة تَـحْـمِـلُ ذَات الـعُنـوَان ، مِـن دِيـوَان بَـيـنَ المَـاضِـي و الحَـاضِـر : رِيت العقَاب حَايف بَكرَة . مَـا أنْـتُـم عَـلـَى وَشَـكِ قِـرَائَـتِ...