الظل الأول

297 2 0
                                    

داخل مكتبها الفخم بالدور الخامس والثلاثين بالبرج الأيقونى وسط جدران مزينة بلوحات فنية أنيقة وشهادات تقدير ومكتب كبير من الخشب الداكن يقف في وسط الغرفة وخلفه نافذة ضخمة تطل على المدينة حيث تتسلل أشعة شمس منتصف النهار من النافذة مُضفية بريقًا مميزاً على كل شيء داخل المكتب ...
يجلس رجل أربعينى خالط بعض الشيب رأسه بوقار يتسم بالهدوء والتفكير العميق على كرسي جلدي أمام مكتب نسرين يتابع بنظراته المدينة الصاخبة خلف الزجاج ويبدو مُنغمسًا في أفكاره حين يُقطع صمت المكان بطرقات خفيفة على الباب.

تقول نسرين بنبرة صوت جادة قاطعه موجات أفكاره : تعالى يا هايدى ، أدخلى
لتفتح الباب برفق امرأة شابة رشيقة القوام يبدوا من خلف بريق عينيها طموح يفوق أرتفاع السحاب المحيطة بأدوار المبنى الشاهق وتدخل حاملة ملفات وأوراق تتجه نحو المكتب بخطوات واثقة لتضع الملفات على المكتب وهى تُلقي نظرة خاطفة نحو باهر متأمله بدلته الأنيقة ، قائله بنبرة مهنية لكن مع لمحة دفء :
دى المستندات اللى حضرتك طلبتيها الخاصة بالمشروع ومعاها الدراسة الكاملة اللى عملتها بخصوص الأرباح وتقييم المخاطر الخاصة بيه.
تتلقى نسرين الملفات دون أن تلتفت عن شاشة الكمبيوتر وهى تُشير بيدها لهايدى كإشارة للخروج التى تتردد للحظة ثم تُعدل من نظارتها وتُلقي نظرة أخرى نحو باهر وهى تقول بصوت أكثر نعومة :
هل تحتاجى شيئًا آخر، سيدتي ؟
لتجيبها نسرين دون أن ترفع نظرها عن شاشة الكمبيوتر : لا، شكرًا
فتتوجه هايدي نحو الباب مرة أخرى لكن قبل أن تخرج تلتفت قائلها وهى تتوجه بنظره مباشرة إلى عينيى باهر الواسعتين بينما تحدث نسرين :
إذا احتجتى أي مساعدة أو توضيح لا تترددى في الاتصال بى .
لتخرج مغلقه الباب خلفها برفق وهى تتنهد بعمق :
أااه ، ليه مش قادره عن التوقف عن التفكير فيه فتجيبها زميلتها منال وهى تنظر إليها بفضول :
في مين تقصدين؟ هل تقصدين الرجل الموجود بالداخل مع نسرين ؟
هايدى : أيوة ، هو... هناك شيء مختلف فيه لديه هذا الهدوء الذي يخفي عاصفة ، وعيناه ترويان ألف قصة.
منال وهى تضحك بخفة :
يبدو أنكِ معجبة به كثيرًا لكن احذري هؤلاء الغامضون يمكن أن يكونوا معقدين ، أنا خايفة عليكى.
لتبتسم بتردد هايدى :
عارفه ، لكن هناك شيء فيه يجذبني ليس فقط مظهره، بل طريقة تحركه وتحدثه... كل شيء فيه يبدو مدروسًا بعناية فائقه وغريبة ، لا توجد عشوائية في أي شىء.
فتقاطعها منال وهى تضع يدها على كتفهامحاولة تغيير الحوار :
فقط خليكى حذره الشغل مع نسرين يحتاج تركيزًا وهى مش بتتهاون في الشغل، ولا يمكنكِ أن تتشتتي بسبب ..... حسنًا ، بسبب صديقها الغامض.
هايدى وهى تنظر إلى باب المكتب المغلق الذى يقبع خلفه باهر ونسرين:
ممكن يكون كلامك صحيحًا ، لكن أحيانًا القلب لا يتبع العقل.
فترد عليها منال وهى تبتسم بمودة :
فقط تأكدي من أن قلبك لا يقودكِ إلى مشاكل.
في تلك الأثناء بينما باهر مُحتارًا بين نظرات هايدى الجريئة والمدينة التي تمتد شوارعها أمامه خلف زجاج المكتب ، تقطع نسرين كل ذلك وهى تُلقي نظرة خاطفة نحوه :
باهر ... أنا عارفه أن المشروع دا مهم ليك وليا كمان زى ما وضحت ليك ، بلاش تخلى الأمور الصغيرة ومخاوف تافهة تُشتتك ، أعتقد دا الوقت المناسب أن يبقى بينا شغل مشترك نكبر بيه سوا ونقدر نسيطر على السوق عن طريقه.
وبينما يشعر باهر بالضغط يتزايد ، فهو يعلم أن عليه اتخاذ قرار مصيري و يُحاول التركيز على السبب الذي جاء من أجله ، لكن صورة هايدى ونظراتها لا تفارق ذهنه....
باهر : أنتى عارفة كويس إن من سنين وانا واخد قرار أن اى شغل أقوم بيه يكون خاص بشركتى بشكل منفرد ، عارفه طبعا إنك شخص عزيز عليا وأن اللى بينا مش مجرد شغل دى صداقة وعشره لسنين طويلة يا نسرين ، بس دى مسألة مبدأ وأنا هنا علشان أوضح ليكى كل دا ... يا تنفذى أنتى المشروع دا لصالح شركتك أو هقوم أنا بتنفيذ العملية بشكل منفرد لكن المنافسة بينا ممكن تخسرنا أحنا الاتنين فرصة المشروع دا .
هنا تعتدل نسرين في جلستها وهى تغلق شاشة الكمبيوتر وتتوجه بكامل تركيزها لباهر قائله :
بص يا باهر الموضوع مش منافسه زى ما بتقول على قدر ماهى شراكة استراتيجية تخلينا نكبر احنا الاتنين ... خد الملف اللى جهزته هايدى اقراءه بتركيز هتلاقى فيه كل التفاصيل وإجابات لكل مخاوفك بشكل متأكده انه هيعجبك
، وتضحك بسخرية قائله : شغل هايدى هيعجبك صدقنى هي محترفة !!
لترتسم على وجه باهر ابتسامه خفيفة وهو ينظر اليها قائماً متوجهاً لباب جانبي بالمكتب كى يغادر :
ماشى .. أوعدك أنى هدرس الموضوع بشكل مختلف وهقرأ الملف كويس زى ما طلبتى ... بس القرار اللى هوصله هيكون نهائي مش هنتناقش فيه اكتر من كده.
تبادله نسرين نفس الابتسامة وهى تعود إلى شاشة الكمبيوتر بنظرها :
باهر هيفض طول عمره باهر ... مش هتتغير ، ماشى وانا موافقه على قرارك مهما كان ومتنساش الحفلة يوم الخميس في البيت عندى ، مراد هيزعل بجد لو مجتش ، مع السلامة.

ظلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن