أجبتُ عليه بإجابة اِعتيادية:
- "مصر".- ماذا تعنِي بِكَلِمَة "مصر"؟ أهذه بلد اِختُرِعتْ؟ أم إنكُم غيرتُم اسم مملكة "تنبريس" "بِمِصر"؟
أنتِ من "تنبريس"؟- تـ.. ماذا؟ كيف تنطق؟
- تنبريس، مملكة تنبريس؛ مملكة الظلَام.
وتركت الكوب من يديها فِي الهوَاء، حلّق وغادر الغرفة فِي هدوء! اِتسعت حدقتيَّ فِي تعجب ودهشة وكتمتُ الأسئِلة في جوفِي.
________
فِي صباح اليوم التالِي، تتوسط الشمس السماءَ فِي دلالٍ، تنشر ضياءها كمعلومةٍ مهمة لا بُد أن يعرفها الجميع، يتسلل الضوءُ باحترافٍ ليخترق زجاج النافِذة بحرص، ويتسلطُ عليها.
أجلسُ على السرير، أتحرك لِلأمام والخلف فِي حركة روتِينية منِي، أفكر فِي كُل شيء، بدايةً بالأحلامِ المريبة، مرورًا بالاختبار السيء، نهايةً بِانتقَالِي هنَا، لو كان أبِي بجوارِي لاحتوانِي، لو كان أخِي بِجانبِي لهوّن عليَّ، ولو كانِت أمي.. كانِت ستتحدث بصوتٍ عالِي ولكنّه حنون.
المرءُ كَقطعةِ الأحجية، يميلُ لِلجزء الذي يكمله، والجزء هو عائِلتُه، رُبما لن يرى ذاك، ورُبما كانت أمنيتُه الوحِيدة هو أن يخرج عن القطعة الخشبية التِي تجمعه مع من يكمله، الغباء بِحد ذاتُه.
غادرتُ الغرفة التِي أقمتُ بِها الليلة الماضية، توجهتُ نحو غرفة المعيشة، وجدتُها تجلس على مقعد تحدق في النافِذة، رسمتُ اِبتسامةً على ثغري، أردفتُ بلطفٍ:
- صباح الخير، والمقصود بالخير وجودكِ.اِتسعت اِبتسامتها، وسعادةٌ اِعتلت وجهُهَا،
ردة فعلُهَا فِي قلبِي،
لستُ مِن الأشخاص التِي تتغزل في كل شيء أبصرتُها عينيها، ولستُ معتادة حتى على قول الكَلِمَة الطيبة، ولكنِي رأيتُ تلك الفتاة حزينة وبِشدة؛ فَودَدْتُ أن أبهج قلبها ولو بِكلمة.جلستُ على مقعدٍ مجاوِر لها، تسائلتُ فِي فضولٍ:
- كيف حلّق الكوب البارحة؟- أتذكرين أمر الهوايات؟ هوَاية شعب مملكة أيار.. الرياح، وأنا مِن مملكة أيار.
سؤال على لسانِي يود لو يخرج؛ ولإنِي شخص أفكر في الشيء ألف مرّة قبل أن أقُوله -فِي أوقاتٍ وأوقات-، وشخصية مترددة فِي كل شيء تقريبًا، تحدثتُ بتوتر وصوتٍ منخفض:
- ألم يكُن الرسم، والكتابة، والقراءة من الهوايات؟ وكيف يكن الرياح هواية؟- لديك خطأ فِي المسميات فقط، القراءة والكتابة وهكذا مِن الحِرف التجميلية، أمَّا الرياح، والورد، والنار والثلج، والمياه، والظلام من الهوايات كُما قلتُ لكِ سابِقًا.
- حِرف تجميلية؟!
- نعم، سأوضح لكِ، مثلًا الرسّام يجمل الغرفةَ برسمهِ، الكاتِب يجمل عقل القارئ بكلماته، والقارئ ينشر ما تعلمه من الكتب؛ فَيُجمل الناس بعلمه، وهكذا فِي كل الحِرف.
اِنبهرتُ بحديثُها، فقلتُ بإعجابٍ:
- رائِع.صمتنا لِبرهة قبل أن تسأل هي هذه المرّة:
- كَمْ عُمرك؟ أنا فِي عُمر المئتين.- ماذا؟ مئتان؟ كيف؟ مظهرُكِ يوضح إنك فِي العشرين من عُمرك على الأقل! مئتان! تبًا لِكل هذا.
- لِمَ أنتِ مندهشة؟ وبل متعجبة؟ وكيف أكون فِي عمر العشرين؟ أترين إنِي طفلة تحملُها والِدُتهَا؟
صحتُ بغضبٍ ودهشة:
- طفلة بِعمر العشرين؟ تمزحين معِي؟ ماذا تقولين؟ تبًا لكِ يا فتاة! أهاجُر عقلُكِ جمجمتُكِ؟- ولكِ يا حمقاء، لا تُثرثري بِمَ لا تدري، كُفي عن قول السخافات.
بدأ الحديثُ بابتسامةٍ، وكلمةٌ جميلة أبهجت قلبها، وانتهى الحديثُ بسبُّ بعضنا لِبعض!
وللخيالِ بقيّة!

أنت تقرأ
عودة الورديِّ
Fantasyرُبما مرّت الرحلة؛ لتُدرك قيمة نفسها، نفسها المميزة الضائعة بين طيّات الأيام.