4- فقدان الوعي.

114 20 14
                                    

تمتمت أمي بِكلامٍ اِعتدتُ عليه، لن يغيروه ولو بعد قرن:
- لا تأكل يا "أسامة"، حتى إنها لمْ تفطر إلى الآن!

لا أعرف طريقةٌ للعيْش دون طعام، أيعقل أن أكون نبات يفعل عملية البناء الضوئي؟ بالطبع لا، المُشكلة ليست فِي كلمات أمي المنفعلة، المُشكلة فِي أبي الذي يكمل الحوار، تفوه فِي غضبٍ طفيف:
- والدتكِ معها الحق يا "ثورة"، أصبحتِ ضعيفة البنية، أعلمي يا ميسان ما تريد وسأجلبه لها.

- علي من تتحدثون بالضعف؟ "ثورة"؟ إننا كُنا نتشاجر بالأمس؛ وكانت على وشك كسر ذراعي.

غُلف حديثُ أخي سخرية لاذعة، أسوأ علاقة أخوة على مرت التاريخ، هذه الكلمات لن تجلُب سوى الخِلافات وحسب؛ لِذلك تصنعتُ التعب رغم إنني أصبحتُ بخير، تمتمتُ بصوتٍ منخفض يشوبه التعب:
- أبي، أمي، إنني متعبة قليلًا، وأريدُ النوم.

تثاءبت بعد نهاية حديثي، خرج كُل مَن بالغرفة، وتبقى أبي، هتف فِي قلق:
- ما الذي حدث أفزعك؟

- لمْ يحدث شيء، حلمتُ بالرسوب فِي الإختبار.

- لا تقلقي عزيزتي، سيكون كل شيء على ما يرام.

صمت لِبرهة قبل أن يُكمل:
- أهدئي عزيزتي، وامنحي لِعقلك إستراحة، فعقلُكِ سينفجر عمَّا قريب.

خرج، وتركني لِأفكاري الذي تفتك بي، إنني أود أن أنعم بِبعض الراحة فِي نومي، هذا كل ما أتمناه.

غفوتُ فِي الحال، تزامنًا بِشعور سخونة حولي، تجولتُ فِي المكان بِبصري ولمْ أجد سوى اللون الأحمر، الأشجار، المنازل، المباني، حتى الأرض؛ وكإني واقفة على لهب.

أتعرق بشدة؛ مِن درجة الحرارة المرتفعة، نظرتُ لِنفسي، هذه المرة لم أكن أرتدي فستان، بل كان سروال لونه أحمر، ومعطف طويل يصل لِلركبة لونه كلون كُل شيء حولي، وقفاز أحمر يعانق يدي!

ومِن شدة الحرارة أشعرُ بالإنصهار! أشعرُ بإنصهار أعضائي.
وعلى مرمى البصر نهر، فِي الجهة المقابلة منه جليد! كل شيء مُجمد.

عبرتُ النهر عن طريق قارب موجود على حافة النهر، ومع أول قدم لي فِي الجليد تغير لون ملابسي لِلأزرق، أشعرُ وكأن هذا المكان القطب الشمالي وخط الاستواء في آنٍ واحد! يفصِلُ بينهما نهر.

فجأة رأيتُ الشعار أمامي، انجذبتُ نحوه، حاولتُ المقاومة ولم يُجدي نفعًا، رفتُ يدي رغمًا عني، ووضعتُ يدي على الجزء المنقسم.

جلستُ على سريري بِهلع، فكنتُ أتنفس بصعوبة، صدري يعلو ويهبط بطريقةٍ سريعة، أتعرق بشدة، وضعتُ يدي المرتعشة على جبهتي؛ لأجفف عرقي، وجدتُ قفاز أحمر يعانق يدي.

شعرتُ بدوار مفاجئ؛ فنمتُ على السرير مرة أخرى.

ها هو الشعار لِلمرة التي لا أعرف عددها، أكثر ما يعجبني فِي أحلامي... ملابسي! هذه المرة كان الفستان قطعةً مِن البحر، أقاوم؛ لِلخروج مِن هذا الحُلم، جلستُ فجأة على السرير بأنفاسٍ لاهثة، التقطني السريرُ مرة أخرى لِأحضانه.

كُنت أركض كالمعتاد، وأمامي الشعار، ودون إرادة مني... رُفعت يدي، وَوُضعت على الجزء الذي يشبه فِي زرقته لون البحر! فِي هذه اللحظة سمعتُ صوت ارتطام الأمواج فِي أذني مع أصواتٍ أخرى متداخلة.

- "ثورة".

- "ثـورة".

- "ثــورة".

- "ثــــورة".

همهمتُ بِنعاسٍ، وعقل مسلوب فِي جمال الطبيعة:
- بحرٌ جميل.

- "أسامة"، اجلب الطبيب؛ أصبح يغشى عليها كثيرًا.

كان هذا ما أردفت بهِ أمي بنبرة قلِقة غُلفت طياتها الحنية!
شردتُ بعقلي قليلًا، بدتُ أعرف الحلم مِن الواقع، وهذا شيء مريب.

تنهدتُ بحنق قبل أن امرر بصري على يدي، تلك اليد الذي يعانقها قفاز أحمر اللون، ولم يكن القفاز هو فقط من يعانق ويحتوي.
فكان معطفٌ أحمر يحتويني أنا أيضًا، ولم يكن ذلك من جعل الصدمة تعتلي ملامحي.

بل ذاك القماش الذي يُدفِئني؛ كان سبب الصدمة كُلها، فكان القماش مزين بي، وأنا خلفي البحر والرمال.

ولِلخيال بقية!

عودة الورديِّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن