عقد_الشيطان
الجزء الرابع : طقوس الظلام
طارق، قلبه يدق برعب في صدره راقب الفضاء أمامه وهو يتشوه تحت قوة غير مرئية كانت الطقوس محاولة يائسة لتخليص نفسه من الظلام الذي تسلل إلى حياته. قد وصلت إلى ختامها الحتمي، تجسد الكيان الذي سعى لطرده
لكن ما تجسد من الظلال لم يكن الرجل العجوز ذو العيون المجوفة الذي توقعه، الصورة التي كشف فيها الكيان عن نفسه لأول مرة بدلاً من ذلك، كانت الصورة التي تشكلت في وسط الغرفة شيئًا أكثر رعبًا شخصية منحوتة من أعماق كابوس.
تجسد امامه شيطان جلده لون الليل كما لو كان مصنوعًا من الظلام نفسه. كانت أطرافه طويلة تنتهي بمخالب تكاد تخترق الارض الخشبية. لكن عيون الكائن كانت اكثر ما ارعب طارق كرات نارية تتوهج بالخبث والغضب، نوافذ إلى روح تعرف فقط الجوع والكراهية
استقرت نظرة الشيطان على طارق مثبتة إياه في مكانه ، حمل يضغط على كتفيه مهددًا بإجباره على الركوع صدر عن الكائن زئير صوت ملأ الغرفة بإحساس ملموس بالرهبة
طارق على الرغم من الخوف الذي ينهش في عظامه مجبرًا إياه على مواجهة تجسيد كوابيسه وجد نفسه غير قادر على التحرك أو الكلام، أو القيام بأي شيء سوى التحديق في عيون الكيان الشرير الذي استدعاه. أدرك أنه كان عاجزًا تمامًا أمام مثل هذا الشر وكاد الإحساس بالعجز يطغى عليه، يغرقه في بحر من الرعب لا مفر منه
تحرك الشيطان بحركة كانت مرعبة، يده تمتد بمخالبها نحو طارق كما لو كانت ستنتزع روحه من جسده. فتح فمه كاشفًا عن فك مليئ بأسنان كالخناجر ومن حلقه خرج صوت كصوت الأرض نفسها وهي تئن
كيف تجرؤ همس بكلماته كسم أفعى ملأ الغرفة يتسرب إلى عظام طارق أنت مجرد بشري، كيف تجرؤ على تحدي الظلام الذي وُجد قبل ولادة النجوم
طارق و صوته همسة خافتة وجد القوة للتحدث على الرغم من أن كلماته بدت غير كافية أمام القوة أمامه أسعى فقط إلى إنهاء الكابوس تمكن من قولها و صوته يرتجف
ضحك الشيطان ضحكة مجلجلة اهتزت لها جدران الشقة ثم قال الكابوس؟! أنت لا تعرف شيئًا عن الكوابيس يا بشري لكنك ستعرف عن قريب
كان طارق يستمع الى كلام ذلك الكيان الشيطاني و الرعب يسيطر على كل خلية بجسدة.
قبل ان يطلق الكيان صرخة، كان الصوت ليس من هذا العالم؛ كانت صرخة تقطع الأبعاد اهتزت لها اساسات المبنى النوافذ، المحطمة بالفعل بدت وكأنها ترتجف في إطاراتها، والشموع التي كانت لهبًا يتحدى الظلام خبت وماتت. تاركة فقط ضوء القمر الخافت ليشهد ذروة مواجهتهم
طارق وهو يضغط يديه على أذنيه، شعر بالصرخة كهجوم يهدد بجرفه
مع تلاشي الصرخة تاركة صدى يبدو أنه يلتصق بجدران الشقة، تقدم الكيان و شكله كتلة من الظلال المتحولة ثم اكمل الكيان كلماته بصوت يملؤه الحدة و الرعب. "لقد رفضت هديتي و تجرأت على انكار سيد الظلام بطقوسك الساذجة ستدفع ثمن فعلتك غاليا ايها البشري، ثمن لن تتخيله حتى في ابشع كوابيسك
مع نظرة أخيرة تحمل وعدًا بالعذاب بدأ الشيطان يتلاشى يذوب في اعماق صفحات الكتاب الذي اطلق منه و هو يردد كلماته الاخيرة ستدفع الثمن غاليا تاركًا وراءه صمتًا أكثر قمعًا من أي صوت و تُرك طارق وحيدًا في أعقاب اللقاء جسده يرتعش عقله يدور من المواجهة و الكلمات الاخيرة تتردد في ذهنه
أدرك طارق حينها أن مواجهته مع الكيان كانت مجرد فصل في قصة أكبر قصة لم يُكتب نهايتها بعد. لم يكن تحذير الشيطان تهديدًا فارغًا بل وعدًا إعلانًا بأن توازن حياته قد تغير لا رجعة فيه الكتاب الآن صامت على الأرض كان سجنًا ومفتاحًا تذكيرًا بالقوة التي يمكن للكلمات والمعرفة أن تطلقها
في أعقاب الطقوس استقر هدوء خادع على شقة طارق كانت النوافذ المكسورة قد أُغلقت لكن ندوب أحداث تلك الليلة كانت محفورة بعمق في نسيج المكان الكتاب الذي كانت صفحاته تتوهج ذات يوم يرقد الآن صامتًا على طاولة القهوة غلافه مغلق على الظلام الذي يحتويه الهدوء الذي ملأ الغرفة لم يكن هدوء سلام بل توتر وخوف، صمت عميق بدا كأنه يتردد
تحرك طارق خلال الأيام التالية كشبح في حياته رجل خارج نطاق العالم من حوله تركت مواجهته مع الكيان أثرًا عميقًا فيه عقله ساحة معركة لمشاعر متضاربة الخوف عدم الإيمان وإحساس مؤرق تاركا إياه طافيًا في بحر من الحيرة كانت الطقوس التي كانت مفترضة أن تنهي كابوسه قد عمقته بدلاً من ذلك، تهديد الكيان الأخير يلوح كظل فوق كل لحظة تمر
ثم جاءت عواقب أفعاله تموجات الحجر الذي ألقاه في المياه المظلمة كان الازدراء العام أول ما ظهر رد فعل عنيف من الذين كانوا يمجدونه ذات يوم كسيد للرعب قراؤه الذين انجذبوا إلى ظلام قصصه الآن تحولوا ضده إعجابهم تحول إلى سخرية امتلأ صندوق بريده برسائل مليئة بالسم والسخرية كل رسالة خنجر يغوص في جرح عزلته
لكن الرؤى المؤرقة هي التي حقًا دفعته نحو حافة الجنون. الكيان، على الرغم من اختفاؤه ترك وراءه أصداء لوجوده ظلال تهمس في زوايا رؤيته كان طارق يلتقط لمحات من حركة في الأطراف شعور سريع بأنه تحت المراقبة تركه يلهث لم يجلب الليل راحة أحلامه كانت منظرًا مشوهًا حيث يطارده الشيطان عبر ممرات لا نهاية لها عيونه متوهجة بالخبث
أصبحت الشقة، التي كانت ملاذًا، سجنًا النوافذ المغلقة حجبت الضوء بدا الكتاب وكأنه يراقبه وجوده تذكير دائم بالعهد الذي قطعه والثمن الذي لم يدفع بعد
بدأ تمسك طارق بالواقع يتفكك، الخط بين اليقظة والحلم يُمحى بخوفه وجد نفسه يتحدث بصوت عالٍ إلى الهواء الفارغ جدالات مع خصوم غير مرئيين تركته يرتجف و منهك
العزلة استهلكته حرق بطيء هدد بتحويله إلى رماد الأصدقاء الذين تواصلوا قلقين من انسحابه المفاجئ استقبلهم بالصمت أو بثرثرة هيستيرية تحدثت عن شياطين وظلام طارق الذي كان ذات مرة مؤلفًا محتفى به الآن وقف على حافة الجنون، وحيدًا في معركته ضد الظلال التي سعت للسيطرة عليه
مع مرور الأيام ازداد التوتر والخوف الذي ملأ الشقة تمزق الهدوء الخادع بلحظات من الرعب لمحات سريعة من الهاوية التي تنتظر خلف الطبقة الهشة من الواقع
علم طارق أنه لا يستطيع تحمل هذا وحده أن المعركة التي واجهها لم تكن فقط ضد أصداء الكيان ولكن ضد الظلام داخل نفسه كانت الطقوس نقطة تحول خطوة نحو المجهول لا رجعة فيها تبعات تلك الليلة العزلة والرؤى التي أرقته كانت ثمن أفعاله، رسوم تطالب بالسداد بالكامل
ومع ذلك في أعماق يأسه ظل وميض من العزم طارق عبد العزيز مواجهًا عواقب سعيه للمعرفة فهم أن طريق الخلاص لا يكمن في الإنكار بل في القبول الظلام الذي سعى لغمره كان عليه مواجهته بنفسه رحلة إلى قلب الخوف يجب أن يخوضها إذا كان ليجد طريقه إلى النور
الهدوء الذي ملأ شقته انقطع فقط بصوت تنفسه تذكير بأنه لا يزال على قيد الحياة لا يزال يقاتل وفي تلك المعركة كان هناك أمل فرصة للخلاص في مواجهة الظلام الذي هدد بالسيطرة عليه
يتبع في الجزء الخامس و الاخير
أنت تقرأ
عقد الشيطان
Terrorعقد_الشيطان طارق عبد العزيز، الأسطورة في عالم الرعب و المتألق بين أوساط محبيه، وجد نفسه فجأة في مواجهة جفاف إبداعي مباغت، حيث تخلى عنه إلهامه الذي أغنى العالم برواياته الساحرة التي خطفت قلوب الجماهير. عاجزًا أمام الصفحات الفارغة، لم يعد قادرًا على...