الظلام

3 0 0
                                    

عقد_الشيطان
الجزء الثالث: الظلام
بدأت حرارة الصيف الشديدة تتراجع، ممهدة الطريق لنسائم الخريف الأكثر برودة التي كانت تهمس عبر شوارع المدينة. ولكن داخل حدود شقة طارق ، كان نوع آخر من البرودة قد تسلل، برودة اخترقت عظام المكان، محولةً إياه من منزل إلى أرض مسكونة.
كان ذلك خلال إحدى تلك الليالي الطويلة التي لا يذوق فيها النوم، حيث تجلى الأمر بشكل مرعب وملموس. طارق، الذي دفعه الاضطراب المستمر والتحذير المشؤوم إلى حافة الجنون، كان يتجول في شقته كالأشباح، مجرد متفرج في حياته الخاصة، يشاهد تفكك عقله بفضول.
كانت الظلال قد أصبحت أكثر جرأة، لم تعد راضية بالتخفي. بدأت تتحرك الآن بصورة ظاهرة، كانت تتجمع في أشكال تحاكي الشكل البشري، فقط لتتلاشى عندما يجرؤ على النظر مباشرة إليها. ولكن هذه الليلة، استمرت. تتماسك في شكل رجل واقف في الطرف البعيد من غرفة المعيشة، حيث لا تصله الإضاءة الخافتة.
تجمد طارق، حابسا انفاسه وهو يحدق في الشكل. كان من الواضح أنه بشري، رجل ملامحه مخفية بالظلام، لكن هناك شيء خاطئ، شيء غير طبيعي. الظلال تتلوى ككائنات حية، وبينما طارق يشاهد، و يغرس الرعب البارد أظافره في قلبه، بدأ الشكل يتحرك نحوه.
أصبحت الغرفة أكثر برودة، سرت في جسد طارق حتى العظام. أراد أن يهرب، أن يفر من هذا الكابوس الذي غزا منزله، ولكن قدميه كانتا مثبتتين مكانهما، كما لو أن الأرض نفسها قررت أن تحتجزه.
بينما اقترب الشكل، بدأت الظلال التي تغطيه تتلاشى، كاشفة عن ملامح الرجل الغامض. كان عجوزًا، وجهه خريطة من التجاعيد المحفورة عميقًا في جلده، عيناه هوتان فارغتان تبدو وكأنها تمتص الضوء. ولكن تعبيره كان الأكثر إرهابًا لطارق - مزيج من الحزن والشر.
"لقد أطلقتني". تحدث الشكل، صوته همسات جافة، "والآن يجب أن تتحمل العواقب."
كان صوت طارق همسًا بالكاد مسموعًا. "مَنْ أنت؟"
تحولت شفاه الشكل إلى ما يشبه الابتسامة، لكن لم يكن فيها دفء. "أنا مَنْ يكمن خلف الحجاب، ما سعيت لتسخيره بقصصك. لقد أعطيتني شكلاً، بكتاباتك، وبذلك أعطيتني ممرًا إلى عالمك."
تفجر الإدراك بعقل طارق ، الكتاب، القصص، كل ذلك كان فخًا. طريقة لهذا الكيان لدخول عالم الأحياء. و هو في طموحه الأعمى، كان المفتاح.
"ماذا تريد؟" استطاع طارق أن يسأل، صوته أكثر ثباتًا الآن، على الرغم من أن الخوف بقي نبضًا ثابتًا في عروقه.
توقف الشكل، الآن على بعد بضعة أقدام فقط، ونظر إلى طارق بتلك العيون المجوفة. "أريد ما كان دائمًا من حقي بالطبيعة. أرواح أولئك الذين يجرؤون على الحلم، على الإبداع. لقد فتحت الباب يا طارق. والآن سترى ما يكمن وراءه."
مع هذه الكلمات المرعبة، تلاشى الشكل مرة أخرى إلى ظلال، تاركًا طارق وحيدًا في الغرفة ، قلبه ينبض في توتر. كان اللقاء قصيرًا، ولكن تأثيره كان ابديا، ندبة بروحه لن تشفى أبدًا.
كان التجلي تحذيرًا، إعلان نوايا من قوة قديمة ولا يمكن إيقافها. فهم طارق الآن أن معركته لم تكن فقط من أجل عقله، بل من أجل روحه نفسها. كان الكتاب محفزًا، وسيلة للكيان لاختراق الحواجز بين العوالم، وطارق قد لعب دوره دون قصد في إيقاظه.
مع بداية ضوء الفجر ، راسمًا ضوءًا باهتًا على فوضى غرفة المعيشة، علم طارق أن وقت الإنكار قد انتهى. لم يعد بإمكانه تجاهل واقع وضعه، ولا يمكنه الأمل في الهروب منه. كان الكيان قد علم به، و لا يوجد قوة ستحرره من قبضته أبدًا.
لكن طارق لم يكن مستعدًا للاستسلام. الخوف الذي كان يشله في السابق أصبح الآن يغذي عزمًا يائسًا. كان سيجد طريقة لطرد الكيان، لإصلاح الضرر الذي تسبب فيه. كانت الرحلة ستكون محفوفة بالمخاطر، هبوطًا إلى الظلام قد لا يعود منه أبدًا، ولكن طارق كان مصممًا على مواجهة أي رعب ينتظره.
ففي قلب كل كاتب تحترق شعلة الإبداع، وكانت هذه الشعلة هي ما سيستخدمه طارق ضد الظلال، منارة في الظلام كان يأمل أن تقوده إلى الخلاص.

عقد الشيطان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن