Part 1 : الوَداعِ الأول

5.2K 634 1K
                                    

الرأسِ مُتحطِم الجُمجمة لنّ يبتسِم لآلة التصوير.

لم ينقشع السحابُ الحالِك ولم يزدادُ الغيث إلا شدّة، وَلم يتضاعف الرعدُ إلا قعقعة وقصفاً فوقي، تسرَّبت الرياح الهوجاءِ للعاصِفة إلى داخِل طيّات ثيابي الرثّة والمُبللة، إِختلج نبض خافِقي العاجِز عن مُكافحة البردِ القارِص الذي نخرَ عِظامي الجامِدة.

شفتايّ إرتجفت تتكاتفُ مع إرتعاشِ جُثماني الساكِن عُلوّ حافة صرح بنايَّة شامِخة، خُصلاتِي البلاتيِّنية الرطبةُ تبعثرتْ تلطُم وجنتايّ بفعل الهواءِ الشديّد.

مِقلتايّ المُترخية بتثاقُل حدَّقت إلى أَدنى موضِع مِن البسيطة، الطُرقات تحتي رُغم أنَّ الوابِل يهطِل فِي إِزدياد غيرُ مُنقطِع، بدى لأُناسِ عليهُم خفيف الأحساسِ بهِ، بل المظلاتِ غطَّت أجسادِهم تُعانِق رؤوسهُم بِدفء دفعني للشعورِ بالغيرة وَالمقتُ.

"تلبَّث أيها المطرِ، أنت تؤلِّمني" نبرة صوتي إحتوت على غصَّةٍ مكبُوتة العواطِف فِي حُجرتي ومَّا لبثت ثوانٍ هادِئة حتى تدَّفقت بِلوُرات هشَّة مِن مدمعايّ وسالت على خدايّ الشاحِبة، الرؤية أضحت ضبابيِّة جراء عِبراتي المُتساقِطة فرفعتُ كفي المُرتعش نحو دُموعي أُلملم أَطلال إنكِساري."يا ليتني لقِيتُ حتْفي معكِ"

تمتمتُ مُختنِقة الكلماتِ وجذبتُ نفساً مُهتزٍ إلى رئتايّ المُنقبِضة، قضمتُ أكناف ثغري بِقوة أبلع تراكُمات الجِبال الغليظة فِي حلقي ودوَّى صخِبي يصِل إلى أعالي الفضاء المُتبلِدة."لا أُريد الموتِ مرَّةً أُخرى، ليس بعدما رغبتُ بِالحياة مُجددًا" شهقتُ كطفِلة صغيِّرة أضلت طريق منزِلها.

"لا تمُوتي إذنْ"

إنتفض جسدي وأُوشكتُ على الإِنزِلاق والتدهورِ إلى الأسفلِ لكني إتِّزنتُ فِي اللحظة الأخيرة، إختلستُ النظر بوجهٍ خُطِفت الدماء مِنهُ جِهة مُستقرَّ وقوعي ماضٍ ثُم رَفعتُ زُرقة مِقلتايّ الساخِطة نحو القائِل فظَّ النبرة."من أنت؟ وَ ماذا تظُن نفسك ف..." إنخفضت كلِماتي وتوَارى صوتي الغاضِب داخِل فمي فورما أبصرتُ رِجالٍ ببذلاتٍ حالِكة، يحمِلون المظلات لِحجب المطر عنهُم.

ليس ذِلك مَّا جذب إنتباهي، بل منظرِ الأسلحة النّارية المُوجهة نحوي جعلت مِن شفتاي ترتجِف.

حدقتايّ المُهتزِّة تدحرجت إلى رجُلاً بدى هادِئاً لكِن ملامحهُ كانت أكثرَّ قساوةٍ مِن رجالهِ، مِقلتاهُ البُنيّة داكِنة تميل اللاسوِداد أسفل ضبابِ الجوِ الغائِم، وخُصّلاتهِ الفاحِمة مُنظمة للوراء إلا مِن الشُعيرات الضئيلة تناثرت عُلوّ جبينهُ.

دُخان كثيف غادر فمهِ وأنفهُ ولِتوي تنبهتُ على تدلي لِفافة التبِغ مِن بين أنامِلهُ الرُجولية."أهُبطِ برفق يا صغيِّرة" صوتهِ لأَبح إخترق أُذناي، كاد ثغري يخطُّ إبتِسامةٌ بلهاء لأني حظيتُ بفُرصة لِرؤية هذا الوسيم والأستماع إلى نبرتهِ قبل أنّ تُغادِر روحي هذا العالم، غيّر أنّ ساقاي إِرتعدت وأرادت التقهقُر لكِنها إمتنعت بإشارة واحِدةً مِن يدهِ."لا تتجرأي"

تراجيديا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن