أثر (عبيد)

793 54 3
                                    

كما أسلفت فعدد مرات خروجي مع (عواد) أخذ بالتناقص يوماً بعد يوم لتكرار الحالات المتشابهة ولم يكن يلجأ إلي إلا للضرورة ومن ضمن تلك المرات هي عندما طلب لتشخيص حالة امرأة أصيبت بانهيار عصبي بسبب اختفاء ابنها الصغير قبل ثلاثة أيام. لم تكن المرأة تشكو من علة روحانية لذا اكتفى (عواد) بمواساتها والقراءة عليها دون مقابل وبعد الرحيل تواصل معي وطلب مقابلتي على عجالة ورفض الحديث على الهاتف. وصل بسيارته لمنزلي وركبت معه بعد إعلامي بوصوله باتصال سريع دون أن يطرق الباب وما أن ركبت حتى قال: أحتاج مساعدتك في

أمر ما وأرجو أن لا تردني. ولم أردك؟.. هذه ليست أول مرة تطلب فيها مني مساعدتك...

ولم لم تخبرني بما تريد عبر الهاتف ؟.. لم يستوجب الأمر حضورك (عواد): لأن العلاج الذي سأطلبه منك خارج عن المألوف لكني على

يقين أنك تستطيع إحضاره

- لا تتحدث بالألغاز وهات ما عندك... حكى لي (عواد) حكاية المرأة التي فقدت ابنها في أحد الأسواق المزدحمة وكيف أن فقدانها له سبب لها حالة من الحزن والكآبة الشديدة قادتها الحالة نفسية عصيبة فقلت له : كان الله في عونها لكن ماذا تريد مني

أن أفعل؟

أنا معك منذ مدة وأعرف بأن علمك يتجاوز ما تلقنني إياه وأنك

تملك القدرة على إيجاد ابنها بطريقة ما

عن ماذا تتحدث يا (عواد)؟

لن أطلب منك تعليمي الطريقة ولن أتدخل في شيء لكن أرجوك

أعد لها ابنها

ألم يبلغ أهل الطفل الشرطة ؟

(عواد): بلى والبحث جار عنه...

سيجدونه بإذن الله

(عواد): أرجوك.. ذلك الطفل وحيدها وسوف تموت تلك المرأة

قهراً عليه أنا واثق من ذلك!

وماذا تريد مني أن أفعل ؟!

لم يرد (عواد) علي لكنه أخرج قطعة قماش من جيبه ومدها لي قائلاً:

هذا أثر من (عبيد).. أرجوك.. أعرف بأنك تملك علم القص» ولن أسألك أو أطلب منك تفاصيله لكن لا تدع تلك المرأة تفقد ابنها للأبد مددت يدي وأخذت قطعة القماش وقلت: وكيف ستفسر إيجادك

للطفل ؟

(عواد): لا عليك سوف أتحمل أي مسؤولية قد تنجم عن إيجاده حتى لو تعرضت للسجن لكن لا بد أن يعود الطفل لأمه ما هذه الرحمة التي نزلت عليك فجأة يا (عواد)؟.. قلتها وأنا أدخل قطعة القماش في جيبي باسماً

(عواد): صدقني لو أنك سمعت نواحها وأنا أقرأ عليها لفهمت

السبب.. حدقت أمامي وأنا أراقب مجموعة من الصبية يلعبون الكرة في وسط الشارع وقلت: الفقد مر ولا أحد يريد دفن ذريته...

(عواد): متى سترد علي؟

ترجلت من السيارة وأنا أقول: لا تغلق هاتفك وتوقع مني اتصالاً خلال ساعة ...

أغلقت الباب خلفي وارتسمت على وجه (عواد) ابتسامة لم أرها من

قبل.. علم القص» الذي ذكره (عواد) علم معروف بين الروحانيين

والسحرة ويعتمد على الجن في إيجاد المفقودين وهو علم مندثر ولا يجيده إلا القليل بالرغم من أنه لا يزال يستخدم إلى اليوم على كافة الأصعدة وأعلى المستويات هذا العلم منقول وليس مستحدثاً ويعرف بأسماء كثيرة من ضمنها علم الأثر» أو علم التابع» وأسماء كثيرة للمضمون نفسه تاريخ هذا العلم يعود لآلاف السنين ولم يتم تدوينه إلا في المتني سنة الأخيرة وحتى الكتب التي دونته نادرة جداً ولا يمكن إيجادها بسهولة. الحسن أو لسوء حظي.. لا أعرف.. كان (عمار) يملك ثلاثة من تلك الكتب العتيقة وقد قرأتها جميعاً لكني لم أذكر الكثير من تفاصيلها الدقيقة فالبحث بالأثر أنواع ودرجات وإيجاد ذلك الطفل لم يستلزم سوى إحدى تلك الطرائق البسيطة منها وكنت على دراية بها لكن لم

أجربها من قبل.

عدت لغرفتي وأخرجت قطعة القماش من جيبي والتي كانت فيها يبدو كيس المخدة الذي كان ينام عليها (عبيد).. أثر جيد وقوي جداً.

بالطبع دخلت في جدال وصراع مع نفسي فأنا قد عقدت العزم على عدم قراءة الطلاسم مرة أخرى أو التعامل مع ذلك العالم لكن كون علم القص» لا يعتمد على طلاسم والتعامل به يكون مع جن مسلمين وليس شياطين وجدت أن المسألة على أقل تقدير خلافية» وقد حسمتها

المصلحة عودة (عبيد) لأمه.

لن أدخل في تفاصيل الطريقة لكن سأتحدث عن النتيجة الناجمة عن تطبيقها وهي أن يهمس في أذني عن مكان وجود صاحب الأثر وعن ما إذا كان حياً أم ميتاً. حصلت على المعلومة بدقة وعن مكان المدينة والمنزل الذي كان (عبيد) موجوداً فيه والحمد الله كان ما زال على قيد الحياة. قدمت ما طلبه ناقل المعلومة له وهذا أيضاً أمر مألوف وهي كالأجرة مقابل العمل لهم وليس قرباناً كما يعتقد البعض.

اتصلت بـ (عواد) وأخبرته بأن (عبيد) موجود في مدينة بعيدة عنا في غرب البلاد وزودته بالعنوان وصفاً وليس بالأرقام فأخبرني بأنه سيتواصل مع الشرطة فوراً.. قاطعت حديثه قبل أن يغلق الخط وقلت:

هل حددت كيف ستبرر معرفتك بمكان الطفل ؟

(عواد): لا يهم المهم أن يعود لأمه...

مضت أيام بعد حوارنا هذا ولم أتلق أي اتصال من (عواد) لا بشأن

الموضوع أو غيره ولا أنكر أني كنت قلقاً قليلاً عليه فما قمنا به لن ينظر له

كفعل خير بنية حسنة بل سيحاسب (عواد) كساحر ومشعود. قبل مرور

أسبوع كامل على ذلك رأيت اسم ورقم (عواد) يُنير على شاشة هاتفي

بعد منتصف الليل فأجبته وقال بصوت مرتاح: لقد عاد (عبيد) لأمه...

شكراً لك

لم أدخل معه في أي تفاصيل عن من كانوا يحتجزون الطفل أو سبب خطفهم له أو ما المبرر الذي قدمه (عواد) للشرطة لتبرير معرفته بمكان (عبيد). كل ما عرفته أن الأمور سارت على ما يرام ولم يصب أحد بضرر وعاود (عواد) ممارسة عمله في العلاج وعدت أنا لروتيني السابق.

خوف 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن