في مدينة حضر موت و تحديدا بمعين نشأت أسرة ميسورة الحال تقطن في بيت في تلك المدينة حيث عاش زوجان مع أطفالهما الخمسة.. و من بينهم أثيل التي كانت البنت الصغرى و كانت قرة عين والدها.و لكنها أيضا كانت أكبر مصدر قلق لأمها فهي البنت المندفعة ذات الأفعال الصبيانية... و لكن والدها كان دائما ما يشجعها فكانت تملك خصالا أهلتها للدفاع عن نفسها و الذود عن حقها...
دخلت أثبل ذات يوم مصابة بجرح صغير في زندها و كان الدم ينزف منه فإندفعت أمها صارخة فيها؛:« ما الذي فعلته هذه المرة يا حمقاء؟..»
جرت أثيل نحو حضن والدها الدافئ الي ضمها لصدره و قال:« إحكي لي عن مغامرتك يا شقيتي الجميلة ما سر هذه الحفرة على زندك؟..»
تبسمت أثيل و قالت بشيء من الحماس؛:« لقد كان رجلا تهجم علينا و نحن نلعب..»
رد والدها بشيء من الإهتمام:« و كيف حدث ذلك؟..»
أثيل:« لقد كنا نتسلق النخيل و نأكل البلح فأقبل علينا رجل ملثم يحمل سيفا لم أعره إهتماما في البداية و لكنني ما إن نزلت من جذع النخلة سمعته يخاطبني بلسان غريب لغة لم أعهدها أو اسمعها في بلادنا يا أبتي..»
فرد والدها و قال و قد إرتسمت على وجهه علامات القلق:« ما الذي حدث بعدها؟..»
أثيل:« لقد حاول مهاجمتي بلا سبب و لكنني تصديت له فقأت عينيه و عضصت أذنه و لكنه تمكن من جرحي بسيفه المهم أنني لم أتركه يلمس شعرة مني..»
ربت والدها باسما على رأسها و قبل وجنتها و ضمها بشدة لصدره بحنان و قال:« هذه هي بطلتي الشقية.. هؤلاء هم العجم يا صغيرتي إنهم يريدون أن يطأو على أرضنا و يسفكو فيها دمائنا و يستنزفون من مالنا و خيراتنا و من واجبنا الذود عنها و ما قمت به اليوم دفاعا عن نفسك خير صنيع يا صغيرتي..»
تكلمت أمها بحسرة:« و أي صنيع حسن هذا يا بجاد .. إبنتك تجلب لنا المشاكل و ترحب بها..و فوق هذا تأتيني مصابة كالصبيان ليت فيكي ذرة أنوثة..»
ضم بجاد إبنته لصدره أكثر و هو يقول:« دامت أنها تهاجم العجم فأنا فخور بها إبنتي لا ترضى بالظلم و هذا مدعاة للفخر... أصيلة عربية ذات جاه هذه هي الأثيل..لذلك لا داعي لكل هذا الحنق يا تفيدة..»
زفرت تفيدة و ذهبت حتى تكمل عجن خبز الحنطة..
طبطب بجاد على كتف إبنته آمرا إياها بالذهاب لمساعدة أمها في العجن...
فهمت الصبية و لحقت بأمها تساعدها..
أمسكت أثيل بعد ما غسلت يديها بالعجينة و بقيت تعجن مبتسمة و أمها تراقبها و تعجن هي الأخرى عجينة مماثلة في الحجم..
كسرت تفيدة الصمت بينها و بين إبنتها عندما قالت:« أشعر أنك لن تتزوجي..»
أثيل:« و من قال أني أريد أن أتزوج يا أمي؟»
نضرت تفيدة بتعجب لإبنتها:« و ماهو مصير أي بنت يا أثيل إلا الزواج و الإنجاب و رعاية البيت و الزوج.»
فأجابتها أثيل و رفعت رأسها محدقة بأمها:« لا أريد أن أكون دجاجة معدة للتفريخ.. بل نسرا محلقا مشتعلا كالنيزك في كبد السماء و لن يتوقف حتى يطفأ..»
تعجبت تفيدة بسبب الكلام الكبير الذي يخرج من فم إبنتها و لكنها لم تعلق وواصلت العجن صامتة.. حتى سألتها أثيل قائلة:« كيف تعرفت على أبي يا أمي؟ ... هل أحببته؟..»
أجابتها تفيدة بعد أن زفرت زفرة دلت على إسترجاع ماض جميل:« أحببته أكثر من روحي.. كان جسدي معلقا بين واقع أليم و أحلام وردية لم أراها إلا بعد ما تزوجت أباك.. تحررت من قيود أسري لأصبح أسيرة حبه..»
أكملت الصبية العجن باسمة و نهضت و هي تقول:« لهذا لا أريد الزواج و لا أريد أن أهب قلبي لأحد لا زلت صغيرة و الحياة أمامي و ربما لا تخبئ لي الأقدار شيئا جميلا في طياتها و لكنني مستعدة لأن أبذل جهدي من أجل تحصيل الحياة التي أريدها..»
تبسمت تفيدة و مسحت على رأس إبنتها بعد نهضت هي الأخرى من مكانها و قالت:« أنت هي الحنين الذي يجذبني لوالدك رائحتك تشبه رائحته جوفك الذي يحترق شوقا لحرية لم تحلم بها أي فتاة.. كانت هذه النار تسكن والدك شوقا لأرضه سعيا لبذل جهده في حمايتها و سعيا لنيل الحرية.. و لكن لا تنسي أن النسر المحلق لا بد و أن يحط من أجل البحث عن لذة الحب..»
تبسمت أثيل و قالت:« كلامك صعب الفهم يا أمي..»
قالت تفيدة بعد أن بادلت إبنتها الإيتسام:« ستفهمينه يا صغيرتي لا تعجلي الأحداث..»
حل الليل و جلست الأسرة بأكملها تتناول الطعام و بعد ما إنتهوا نهضت أثيل تساعد أمها في غسل الأطباق ثم جهزت الفراش مع أخواتها للنوم..
لم تستطع أثيل النوم الذي هجر مقلتيها و إكتفت بالتحديق في السقف و بينما هي كذلك حتى سمعت صوت رجل يتكلم قريبا من بيتهم بلغة أجنبية غير مفهومة و كانت تشبه لغة الرجل الذي تهجم عليها أول الصباح...
بدأت تسمع صوت ركل للباب... و الجزع يتسلل إلى قلبها..
إستيقظت أختها الصغرى قائلة موجهة نظرها لأختها المترقبة بأعين خائفة :« ما الأمر يا أثيل ما هذا الصوت..»
لم تلحق أثيل أن تجيب إذ أن الكل فزع لإقتحام ثلاثة رجال مسلحين لا تظهر من ملامحهم المغطاة بألثمة سوى أعينهم صرخت أثيل صراخا أيقظ والديها النائمين في الطابق العلوي و نزل بجاد حاملا في يده سيفا كان معلقا في أحد حيطان المنزل مخاطبا الرجلين بالعربية:« ما الذي جاء بكما إلى هنا.. و بأي حق تقتحمان بيتي؟..»
تكلم الرجل الملثم بالعربية قائلا:« أتيت لقطف روح من هاجمتني..»
فأجابه بجاد رافعا السيف في وجهه:« إباك و الإقتراب من إبنتي كي لا تذوق حر هذا النصل على نحرك البالي..»
تقدم الرجل مهاجما بجاد الذي تفاداه موجها نصل سيفه حيث شق نحره بسهولة و قضى عليه صارخا في تفيدة و بناتها بالخروج من البيت مسرعة فلبت أمره و حملت بنتها الصغرى و أمرت بالبقية أن يتبعنها..
قال رجل ملثم محدقا بجثة صديقه الملقاة تحت أقدام بجاد:« ستدفع ثمن ذلك..»
رمى بجاد بالسيف جانبا و عقد أصابعه متمتما بطلسم أخرج حرابا شقت الرجل الملثم لأشلاء في ثوان...
تكلم الرجل الثالث مزيحا اللثام و قد إتضح أنها إمرأة:« أنت ساحر إذا...»
بجاد و هو يحدق فيها بحدة:« انا الساحر الذي بذاته سيفلق جمجمتك..»
إبتسمت المرأة بخبث محدقة ببجاد و عقدت أصابعها لافضة طلسما بصقت على إثره بصقة على الأرض لتنشق تحت أقدام بجاد الذي قفز تفاديا للسقوط..
:«أنت أيضا ساحرة أذا..» قالها بجاد متجهما...
ضحكت المرأة ضحكة ساخرة ووضعت كف يدها خلف رأسها و هي لا تزال تبتسم و لكن إبتسامتها سرعان ما زالت عندما رأت بجاد يقف خلفها مباشرة قبل أن تلتفت بالكامل لم تجد فرصة للدفاع عن نفسها حيث لطمها لطمة قوية أدمت أنفها...
في تلك اللحظة دخل عليهم أربعة رجال إضافيين فقالت المرأة و قد عادت تبتسم بإبتسامة خبيثة دالة على تحقيق النصر:« أخيرا أتيتم يا سحرة فارس...»
كشف السحرة هن وجوههم و رؤوسهم الصلعاء...
في تلك الأثناء كانت تفيدة لا تزال تجري هائمة مبتعدة ببناتها الخمس عن البيت و لكنها توقفت فجأة و هي تحدق بخوف في الرجال الملثمين الذين إعترضوهم...
تفيدة بخوف و هي تحاول ضم بناتها في حالة من الخوف و الجزع و هي تصرخ بأعين دامعة:« أقتلوني و لا تقتلو بناتي أرجوكم!!!؟»
كانت أثيل في ذلك الوقت تستشيط غضبا شديدا عندما رأت الرجال يحاولون الإقتراب من أمها فتفلتت منها و انطلقت ناطحة برأسها أحدهم حيث إختل توازنه و تمكنت من سحب سيفه ثم قفزت من فوقه برشاقة و نحرت رقبته.. و بقيت تلهث و هي تحدق في بقية الرجال كالذئب المسعور و تقول:« أقسم بتراب هذه الصحراء لأسويكن بالأرض و لأسفكن دماءكم أيها العجم السفلة..!!»
صرخت تفيدة في إبنتها كمحاولة فاشلة لإيقافها عن ما كانت عازمة عليه:« توقفي و لا تحاولي الدفاع عنا أهربي يا إبنة بجاد أهربي.!!»
نظرت أثيل بنظرة رافضة لأمها و قد بدا أنه لا يمكن ثنيها تفلتت تفيدة من الرجل الممسك بها و سحبت سيفه بحركة رشيقة لتنحر عنقه في تلك اللحظة لحق الرجال بفتياتها اللائي هربن مسرعات و لكنهن لم يلحقن إذ أطبقو على أعناقهم بحبال متينة و ربطنهن كالأسرى..
إنطلقت أثيل جارية نحوهم و هي تلوح بالسيف بوجوههم فتارة تذبح ذاك و تارة تقطع أوصاله وواحدا تلو الآخر تساقطو على أيديها و لكنهم كانو كثرا و لم تكن هذه المواجهة لتحول بالنصر..
فقد كانت تفيدة مرهقة من القتال و أثيل أصيبت أثناء عراكها مع أحدهم إصابة بليغة في زندها و أخرى على فخذها كان بقية الفتيات يسقن كالنعاج أمام أمهم و أختهم اللتان حاولتا الذود عن كرامتهما و هما محاصرتان بدائرة من الرجال الذين عزمو على ربطهم كالبهائم..
تفيدة و قد خارت قواها:« أهربي يا أثيل أنتي مصابة يا إبنتي...»
حدقت أثيل بنظرة جمعت بين الحدة و الحزن و قالت:«لست من نسل الهاربين يا أمي.. من هنا ستبدأ حياتي من هنا سأقطف أعناق العجم و سأطأ على رؤوسهم خانعين تحت أقدامي...»
ثم إنطلقت كالذئب الهائج و عادت للقتال بضراوة و لكنها لم تستطع مقاومتهم فسرعان ما خارت قواها و أصيبت بإصابات بليغة في جسدها خسرت على إثرها الكثير من الدم في حموة المعركة و سقطت على ركبها...
في تلك اللحظة كانت تفيدة أيضا مرهقة و جالسة على ركبها مجبرة بجانب بناتها الأربع و هن مربوطات من أعناقهن بنفس الحبل و قد كانت تنظر بأعين آمتلأت دمعا و قهرا في تلك اللحظة رفع رجل ذقن تفيدة كاشفا عن نحرها ممررا السيف فوقه لتنفجر أوداجها دماءا فائرة أماما إبنتها و قام بالمثل مع بقية الفتيات...
إشتعلت أثيل بوهج أحمر غطى جسدها...
أنيابها طالت...
عيونها أصبحت حمراء مصمتة...
أظافرها أصبحت مخالب...
و قالت و هي تنظر بحدة لبقية الرجال الذين كانو يضحكون بسبب نصرهم.:« سأنحر رقابكم كما تنحر الشياه..»
ضحك الرجال بقوة أكبر و لم يظهرو رهبة لما رأوه...
إنطلقت أثيل تجري بينهم مقطعة أوصالهم بمخالبها الطويلة و هم يتساقطون واحدا تلو الأخر...
و انتهت بقسم أخر واحد منهم إلى نصفين....
خارت قواها و فقدت توازنها بسبب الإصابات البليغة التي أصيبت بها سابقا...
بعد هذه المأساة إستيقظت أثيل بجروح إكتست بالقيح بسبب عدم تطبيبها و هي لا تزال في الصحراء واقفة بين الجثث..
نهضت بخطوات مترنحة باحثة عن جثة والدتها و أخواتها حتى وجدتهن ملقيات فجثت باكية بحرقة ثم وارتهم التراب كإكرام لهن..
ثم بدأت تمشي هائمة في الصحراء إلى أن وصلت إلى سوق المدينة...
![](https://img.wattpad.com/cover/369839570-288-k820802.jpg)
VOUS LISEZ
شمس العرب
Fantasy"أقسم بشمس الصحراء و ترابها و حوافر الإبل و سنامها أنني سأذود عن أرضي بكل ما أوتيت من قوة أنا هي الأثيل إبنة العرب... من رحم الحنوب ولدت و في النخيل ترعرعت و بين أحضان الشمس نشأت أنا هي شمس العرب.. "