رأس العنزة و قلب البشر

19 2 0
                                    

:« هذا مؤسف يا صبية..أنت إبنة بجاد بن جابر...والدك ساحر مشهور جنوب الجزيرة..» قالتها أجوان و هي تنظر في عيون الصبية..
تكلمت أثيل قائلة:« أعتقد أنه حي...»
لم تكن أجوان تريد إخبار أثيل بموت والدها فهي و إن كانت متقبلة لموت أمها فلا يمكن أن تتحمل مزيدا من الصدمات لذلك فضلت السكوت...
نظرت إليها أثيل بحزم:« سأنتقم.»
:« توقفي عن الهذيان يا صبية... فقط نامي و إستريحي إلى أن أعود..»
نظرت إليها أثيل بحدة..:«أريد أن أقضي على العجم دامو فوق أرضنا..»
أجوان و هي تخطو مبتعدة نحو الخروج:«عليك البحث عن شخص يساعدك.. ستنطلقين في الغد إلى بلاد الفرس في مدينة لوه بور هناك فتاة عربية.. تعمل عند ساحر أعرفه سأنقلك هناك..»
اضمحلت بعدها أجوان في الهواء لتنتقل إلى وجهتها و تركت أثيل غارقة في أفكارها..
بينما كانت على تلك الحال حتى سمعت نقرا خفيفا على النافذة بجوارها..
حاولت أثيل النهوض بتثاقل و توجهت للنافذة لترى مصدر الصوت.. كان غرابا أسود لم تعره إهتماما و عادت لتستلقي.. أغمضت عينيها.. تذكرت والدها فجأة و شعرت بالحزن على عائلتها بشدة.. بدأت أثيل بالبكاء بحرقة...
عادت أجوان للمنزل ووجدت أثيل نائمة..:«استيقظي يا صبية..!»
تكلمت أثيل بثقل «ما الأمر؟»
نظرت لها أجوان بحزم «من يسعى للثأر لا مكان للراحة في جسده و روحه و قلبه.. من تحترق ذاته شوقا للثأر لن يرتاح حتى يغسل جوفه بالدماء..»
إشتعل الحماس في قلب أثيل.. و نظرت لأجوان «أنا مستعدة يا عمة..»
إبتسمت أجوان «هذا جيد..»
بدأت اجوان بتدريب أثيل و تعليمها الطلاسم القوية كما قامت بتعليمها بعض طلاسم الانتقال كذلك و قد كانت أثيل وعاءا مثاليا لعلم أجوان الغزير فقد كانت تتعلم بسرعة كبيرة.. إضافة إلى تطوير فن المبارزة بالسيف عندها و تطوير هالتها التي اكتشفتها مؤخرا و هي التحول الذي يطرأ على طبيعتها أثناء الغضب فهي طاقة كانت داخلها منذ الصغر...
بعد ايام دخلت أثيل على أجوان «عمة.. متى سأسافر إلى فارس..»
أجوان و هي تحيك بعض القماش «يمكنك الرحيل الآن..»
أثيل بدهشة «و لكن يا عمة قلت أنك من سينقلني..»
أجوان و قد ألقت نظرة خاطفة على أثيل و عادت لتنغمس في خياطتها «إعتبري سفرك وحدك خطوة لإختبار قدراتك الجديدة في السحر و الطاقة..»
إبتسمت أثيل و قالت «فليكن إذا..»
_______________________________
إنتقلت أثيل إلى مدينة لوه بور في فارس بطلاسم الانتقال ووطأت رجلاها في السوق تحديدا.. بقيت تتجول بين الباعة.. إقتربت أثيل من بائع للأسلحة «هل يمكنني رؤية ذلك السيف؟  .»
إبتسم البائع و قال بلغة لم تعهدها و هي لغة أهل فارس:«البته که دارید خانم..»
نظرت إليه أثيل بنظرة عدم الفهم فأجابها بالعربية قائلا:« تفضلي يا آنسة هاهو السيف..»
تبسمت أثيل و هي تنظر بإهتمام للسيف:« إنه جميل..»
يبتسم البائع:« إنه مصنوع من معدن نفيس، الحديد المبروق الذي لا يولد الا من مصادفات نادرة عندما يضرب الحديد بصاعقة من السماء.. يصبح اغلى من الذهب..»
ترددت أثيل و أعادت السيف للبائع:«يبدو أنني لن أستيطع شراءه أنا لا أملك مالا كافيا..»
ابتسم البائع:« انا لم اطلب منك مالا يا ابنتي.. انت تعرفين قيمة السيف و هذا السيف لا يقدر بثمن.. انه هدية لك لتقديرك له.»
إبتسمت أثيل بشدة «أشكرك..»
يبادلها البائع الإبتسام و يسلمها غمد السيف و الذي كان مصنوعا من الجلد السميك و مطرزا بخيوط من الذهب..«لا داعي لشكري يا.. بالمناسبة ماهو إسمك..»
أجابته أثيل..«أثيل بنت بجاد بن جابر..»
إبتسم البائع:«انت من أهل العرب.. من حضر موت و تحديدا بمعين.. جنوب الجزيرة.. ابنة بجاد الساحر المخضرم.. أهلا بك في أرض الفرس يا إبنة الجنوب..»
لمع وجه أثيل بإبتسامة لطيفة :«لم أتوقع أن يرحب بي فارسي فلي ماض سيء معهم ..»
رمقها البائع و قال«ليس كل أبناء الفرس طغاة أيتها الأثيل ..»
إبتسمت أثيل للبائع «لدي غاية ما و لكني لا أعرف وجهتي تحديدا ..»
أخبريني بغايتك لعلي أساعدك في مسعاك يا إبنة العرب »
تغيرت نظرة أثيل للحدة و الصرامة «غايتي فتاة عربية تعمل عند ساحر هنا و لكنني لا أعرف أيا من السحرة يشغلون فتيات عربيات عندهم...»
إبتسم البائع « هناك ساحر يملك ماخورا هنا ..يمكن أن أدلك عليه إنه يشغل فتيات من كل الأعراق ...»
دل البائع أثيل على مكان ماخور الساحر الذي كان يدعى ٱريان و الذي عرف ببطشه و قوته في السحر إنتقلت أثيل إلى الماخور و دخلت لنجد نفسها بين موائد ملئت بكؤوس الخمر و كانت رائحة المكان نتنة و بينما هي على تلك الحال إذ إعترضها رجل بجسد ثلاثيني مفتول العضلات يلبس قميصا من الجلد بشعر أسود منسدل على كتفيه و شارب مفتول و تكلم بصوت غليظ واضح وهو يسند ذقن أثيل بسبابته و إبهامه «لا بأس بك ..تبدين جيدة ..»
أبعدت أثيل يده عنها بصفعها بقوة «أنت صاحب هذا الماخور؟»
ضحك الرجل ضحكة ساخرة و سرعان ما تجهم وجهه« فتيات العرب عنيدات و رغم ذلك فإن جمالهن يساوي الدنيا ..»
تجهمت أثيل و لكن سرعان ما راودتها فكرة لتجد غايتها ..فركعت تحت أقدام الرجل و هي تقول «سأخدمك سيدي ..»
تغير تعبير الرجل للإبتسام بتعال و غرور ووضع يده على رأس أثيل و ربت فوقه و نادى «حور !»
خرجت من بين اكتضاض الموائد فتاة ببشرة حنطية و شعر قصير كثيف أسود اللون بعيون دعجاء واسعة و ملامح جميلة في مجملها :«هذه عربية مثلك ..علميها ما تستطيعين من قواعد هذا الماخور ..»
أجابت حور بوجه متبلد «حاضر سيد ٱريان ..»
قادت حور أثيل لغرفة ملئت بالفتيات اللاتي كن يغيرن ملابسهن لإمتاع الرجال في الماخور ..جلست حور و قابلتها أثيل التي سألتها مباشرة «أنت من هجر صحيح؟»
إبتسمت حور بحسرة «نعم ..أنا إبنة النخيل ..»
إبتسمت أثيل و قالت «ما الذي قادك لهذا المكان القذر يا حور لماذا استسلمت بهذه السرعة يا أختي ..»
إبتسمت حور بحزن شديد «أنا لم أكن لأبيع نفسي لفارسي ..لقد إختطفوني عنوة ..»
إنتبهت أثيل لوسم على زند حور ..كان وسما غريبا «ما سبب هذا الوسم في زندك ؟»
غطت حور زندها بخجل :«إنه لا شيء فقط مجرد شامة..»
كانت أثيل تعرف سبب الوسم و لكنها لم تضغط عليها كثيرا ..
وجهت حور نظرها لأثيل :«علينا الخروج للرجال من أجل العمل ..»
وضعت أثيل يدها على كتف حور :«ستكون هذه ٱخر لياليهم ..»
نظرت حور بريبة لأثيل و قالت «ماذا تقصدين ؟»
إبتسمت أثيل «أتيت لأحررك فقط ..و إذا أردت مساعدتي في هذا المسعى فلن أمانع ذلك ..»
إبتسمت حور و قالت :«بالتأكيد سأساعدك ..»
خرجت أثيل برفقة حور و افترقتا.. كل منهما عند مائدة أحد الرجال ..
أثيل تصب الخمر في كأس رجل ثمل :«هل أعجبك هذا الخمر ..؟»
إبتسم الرجل بأسنانه الصفراء «أنت أجمل منه بكثير ..» ثم حاول وضع يده عليها و لكن أثيل لوتها و كسرتها  و بحركة رشيقة قلبت الرجل فوق الطاولة ثم وقفت فوق بطنه و فتحت فمه عنوة و بدأت تصب الخمر في حلقه و هو يختنق :« من يلمس عربية سيثمل حتى الموت ..»
كان الرجال ينظرون لذلك المنظر برعب شديد و لم يجرؤ أحد على الإقتراب منها و حور تنظر لأثيل و هي تبتسم ..فقد كانت تنتظر الأخذ بثأرها من كل الرجال الذين يدخلون للماخور ..
مات الرجل مختنقا بالخمر ..رمت أثيل الكأس جانبا ثم ركعت على ركبتيها و فتحت صدره و أخرجت قلبه و الدماء تقطر من يدها :«من الواجب التأكد من موتك ..»
كانت حور تصب الخمر بهدوء في كؤوس الزبائن و كأن شيئا لم يحدث ..
نظرت أثيل لمجموعة الرجال المرعوبين و الذين لم يلبثو  ان يدافعو عن انفسهم حتى طارت رؤ سهم دفعة واحدة ...
خرج ٱريان :« كنتم و مازلتم تحبون المذلة يا عرب ..»
إبتسمت أثيل بخبث :« بل عشقنا الكرامة أيها الذليل ...»
عندها شعر ٱريان بوخزة في ظهره و سرعان ما تحولت لألم صاعق حيث خرج السيف الذي طعنته به حور من الخلف من صدره ..
قبض ٱريان على شعر حور بعد و قرب وجهها من وجهه :« هل تظنين أنك ستفلتين أيتها الحشرة ؟..»
رماها بيده كأنها لم تكن تملك وزنا ..و ارتطم وجهها بالحائط و فقدت وعيها .. إنتشل ٱريان السيف من ظهره ..و إلتأم جرحه ..بعد أن توهج جسده بوهج أصفر ..و هو ينظر في وجه أثيل عاقدا أصابعه :« ماذا تظنين نفسك فاعلة يا ابنة العرب ؟»
توهج جسد أثيل بوهج أحمر و طالت أنيابها و مخالبها و تحولت  عيناها للون الأحمر القاني المصمت و سارت ببطء بين الجثث و الفوضى التي أحدثتها :« أفعل ما كان يجب فعله منذ قرون ...إبادة الفرس عن بكرة أبيهم ....»
ضحك ٱريان بصوت غليظ :« تبدين كالذئب و لكنك مجرد شاة سترين ما سيفعله بك السبع الفارسي ..»
إنطلقت أثيل كالذئب الهائج و لكن ٱريان باغتها بطلسم اخرج سلاسلا شوكية قيدتها ..كانت أثيل تصرخ بصوت متوحش ..«تبا لك !!». كان ٱريان يحرك أنامله و يضغط عليها بتلك السلاسل الشوكية التي اخترقت جلدها و بدأت تنزف و هو يقول :«سقطت مع أول طلسم أيتها العربية ..»
توهجت أعين أثيل بوهج أحمر ثم لفظت طلسما سريعا و بصقت على الأرض دماءا حمراء قانية ليخرج مارد  ضخم بجلد احمر و قرن في جبينه ثم قالت بصوت متوحش :« سترى ما ستفعله بك ذئبة الجنوب أيها الأعجمي .»
إنطلق المارد نحو ٱريان جاريا و شتت إنتباهه فألغي الطلسم و أفلتت أثيل من تلك السلاسل الشوكية رغم أن جسدها كان مليئا بالجراح و الثقوب بفعل الأشواك ..
صرفت اثيل المارد و قالت :«أنا لم أبدأ بشيء بعد تساقط رجالك على يدي كالذباب فلن تكون صعبا علي ..»
تجهم ٱريان و عقد أصابعه و هم ينطق طلسما ٱخر و لكن أثيل تمتمت بطلسم سريع و ضربت على صدرها بقبضة يدها اليمنى لتتساقط عليه جذوع نخل كالمطر ليتشتت انتباهه محاولا تجنبها ..اغتنمت أثيل تلك الفرصة و داهمته بطلسم شق الأرض من تحته و أخرج منها حمما نارية و السنة لهب سقطت على رأسه من فوقه ليتقلب على الأرض في النار و يبدأ جلده بالذوبان و قبل أن يحترق بالكامل تمتم بكلام غير مفهوم ...
ألغت أثيل الطلسم بعد إحتراق ٱريان و موته و تمتمت بطلسم سريع حوله لرماد ...
إقتربت أثيل من جسد حور الفاقد للوعي و أيقظتها ببسمة على وجهها "إنتهى كل شيء .."
إتسعت أعين حور و صرخت "انتبهي خلفك !!!"
قذفت يد كبيرة أثيل بعيدا لترتطم بأحد الحيطان و تنهض بأعين متسعة و هي ترى منظرا مخيفا أمامها :شيطان برأس ماعز و جسد إنسان مفتول العضلات ..تمتمت أثيل في نفسها "م..ما هذا ؟.."
إنطلق رأس الماعز بقرنه الحاد نحوها و حاول نطحها و لكن حور شتتته بالتلويح أمامه بسيفها و لكنه نجح في طعن بطنها ..صرخت أثيل كالمجنونة و إنطلقت نحوه كالذئب المسعور و لم يسعفها جسدها المنهك من استخدام كل قوتها في المعركة ضد ٱريان و سقطت بعد أن طعنها الماعز أيضا طعنة جعلتها تخسر الكثير من الدماء و قبل أن تفقد وعيها بقليل إلى جانب جسد حور رأت نورا قويا يشع و يغطي المكان بالكامل و فقدت وعيها بعدها مباشرة ...

شمس العرب Où les histoires vivent. Découvrez maintenant