الجزئية الثالثة.

20 2 0
                                    

_ يعني إية الفرح هيتأجل يا ماما ! أنا عندي سفر تاني لازم أخلص شغل مهم عشان أقدر أستقر من تاني في مصر..

قالت والدته بإرهاقٍ بعدما ركضوا جميعًا إلى العمارة التي تسكن بها وسام ليجدوا أن جارتهم العجوز قد توفت لتقرر والدة صدفة دون تفكير بعد وصلة من الصراخ والبكاء المستمر على العجوز إن الزفاف سيؤجل لإسبوع..

_ دي جارتنا ومكنش ليها حد غيرنا يا ابني عيالها كلهم برة مصر ومكنوش بيكلموها كتير ولا حتى بيبعتوا لها فلوس.. بعدين لما جار يموت نقفل التليفزيون.. ما بالك لما يكون عندنا فرح! فرح جمب عزا! ماسخة وبايخة وقلة أصل.. بعدين الست دي كانت طيبة أوي يا رحيم..

كانوا جالسين بشقة العجوز بعدما قاموا بكسر الباب.. ليقول رحيم بغضبٍ تملك من ملامح وجهه.. كان قمحيًا عينيه بنية ككوب قهوة مُسلطة عليه إشاعة الشمس فـ كان بُنيًا محروق يميل للسواد، عندما يغضب ويثور تثور ملامحه.. عينيه.. حتى تلك التجاعيد القليلة التي ظهرت في وجهه بسبب الشقاء والعناء الطويل في سنوات العمل بالخارج.. بالغُربة القاتلة..
لكن مظاهر العز طغت عليه بين الجالسين من رجال.. عم إبراهيم وعزوز.

_ يا أمي أنا لازم أرجع مش هينفع أتأخر أكتر من كدة.. بعدين هسيب فرح أختي ولا شغلي وفلوسي وشقايا إلي مع الراجل ولا أعمل إية!! حاولي بس عشاني لو مرة..

_ ما شاء الله يا حبيب قلبي أنتَ بتقبض بالدولار؟

قالها عم إبراهيم غامزًا إلى زينات التي كانت تبكي بشدة، لم يجد الرد من والدته فـ ظل يحرك ساقيه في غضبٍ وضيقٍ حتى دلفت زينات بالكفن مع صدفة لتغسيل جثمان العجوز..

كانت وسام بالمطبخ، تسمع صراخ ذلك الرجل الذي إهتز كيانها فقط من نبرة صوته التي جار عليها الزمن.. بل قتلها بل مزقها.. شعرت بالشقاء في نبرته كما في نبرتها، خرجت بعدما وضعت وشاح أسود على عبائتها السوداء التي لا تمتلك غيرها.. تمسك بأكواب القهوة في يديها.. حتى قالت في حزنٍ دفينٍ:
_ البقاء لله يا جماعة..

لتمر بالأكواب عليهم جميعًا حتى ظل كوب في يدها.. نظرت إلى الكوب من ثم إلى المقاعد الغير متهالكة تمامًا من قلة الزائرين لتقول عاقدة حاجبيها:
_ فين أخو صدفة؟

_ دخل البلكونة يدخن سيجارة..

قال عزوز، لتقع عينيها على الشرفة.. كان واقفًا مكتوف الذراعين.. واضعًا علبة السجائر أمامه ناظرًا إلى الصوان الذي سرعان ما بدأ رجال الحارة في تجهيزه..
حتى وجد يد على كتفه.. إلتفت لصاحبها وكانت أنثى، كانت وسام..
وضعت كوب القهوة على السور أمامه لتقول بتنهيدة حارة:
_ مكنتش أعرف إن صدفة عندها إخوات مع إننا صحاب من سنين ياما يعني.. بس عصبيتك دي مش هتفيد وإلي مكتوب مكتوب وهنشوفه يا أستاذ رحيم

قالتها وهي تعدل الوشاح على جسدها بعدما تطاير من نسمات هواء لا تعلم من أين أتت بالرغم من الحر القارص، لكنها تشعر إن تلك نسمات الإعجاب التي إحتلتها فور رؤيته..

الجمعة الأخيرة ( وان شوت ) ✔️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن