الفصل الأول(حالي كحال عنزتي)

200 13 17
                                    

- مرحبًا.. أنا "سَجا"، لا أحب المقدمات ولا الثرثرة، أو في الحقيقةِ أخاف الثرثرة، لطالما نهرني "أبي" بقسوة كُلما أطلت الحديث مع أحد أمامه لذلك أخشى الانخراط مع البشر، أحب الحديث مع أغنامي و "طمطم" صديقي الوحيد ولكنه مشغولٌ الآن يعبث مع القردة الحمراء ينقذهم من خطر حرب الموز، أخبرني أنه سيقص عليّ كل مغامراته مع القردة الحمراء داخل غابات الحلوى عندما يعود، أنا مُتحمسةٌ للغاية لسماع كل تلك القصص ومُتحمسةٌ أكثر لمقابلة أخي "عدي" اليوم، انتظرته كثيرًا ليعود من التجنيد الإجباري،وها هو عائد الآن بعد مدةٍ قاربت العام ، أنا سعيدةٌ جدًا لرؤيته،أخي "عدي" هو الأمان لي بين حوائط ذلك المنزل، بين والدةٍ ضعيفة ووالدٍ قاسٍ وطفلٍ صغير بالكاد يتحدث، هناك "عدي" من يشعر بي ويتلطف معي، ويدافع عني أمام "أبي" بينما يصيح حينها قائلا..

حاولتُ تقليد صياحه بصوتٍ خشن قليلًا، فقلت:

- دعني أؤدبها، تزحزح من أمام ابنة ال*** هذه.

- إلخ إلخ، ألا يدري أنه يسب نفسه؟ أشعر أنني أكثرت الحديث معكم يا متابعيني، والآن سأضع الزيت على شعري.

أمسكتُ الزيت أمام المرآة التي أحدثها ورفعته لمستوى وجهي وأنا أتقمص دور إحدى أوجه الإعلانات فى التلفاز وأكملت:

- هذا زيتٌ فاخر قادم من أعرق شجرةٍ في الهند واسمه..

نظرتُ لقنينة الزيت لأرى اسم الشركة المنتجة له فلم أجد أي شيء، هذا بديهي فهذا الزيت اشترته والدتي من السيدة "أم جمال" مع العلم أن " أم جمال " لم تنجب أي ذكور فلا أدري لِمَ ننعتها بذلك اللقب، صففت شعري وأنا أحدث المرآة، أرجو بداخلي ألا تدلف والدتي إلى الغرفة الآن وتراني وأنا أحدث مرآتي وتسخر مني وتنعتني بأني طفلة، لا أدري لِمَ التعجب فأنا سبعُ سنواتٍ بالفعل لستُ مُدرسة في المدرسة، هل تفاجأت لتوها بكوني طفلة؟.

هندمت ثيابي واتجهت إلى الباب بخطوات مُتحمسة لأخرج مُنتظرةً أخي ولكنني وجدت والدي جالسًا على الأريكة واضعًا إحدى قدميه عليها والأخرى يتكئ بها على الأرض، حاولت الانفلات من أمامه بهدوء كي لا يراني وتبدأ مقطوعة طويلة من النهر دون سبب،رأيته ينظر لي، باءت محاولاتي بالفشل فقد رآني،سمعته وهو يناديني فاقتربت منه لأسمع أوامره التي تُتلى عليّ دون انقطاع فقال:

- من الجيد أنك استيقظتِ، كنت على وشك الصعود لإيقاظك أريدك أن تذهبي بإيجار البيت إلى "السيد كمال" وتعودي لأخذ القمامة والمال ترمي القمامة في مكب النفايات وتذهبي بالمال إلى محل الأعلاف لتشتري بعض الغذاء للبهائم وتمري على السوق وتأتي بالشراب الحلو وبعض الحلوى احتفالًا بعودة أخيك، وبالتأكيد معهم الخبز والتمر واللبن.

كان حديثه يحمل بين طياته معاني مختلفة بالنسبة لي، فكان يعني عدم رؤيتي "لأخي" سريعًا بل سأضطر أن ءأت بعد عودته بمدة، قد ينام حينها وتنتهي كل توقعاتي بلقاء أخي واستقباله، لا أخفي عليكم أشعر بالحزن، كان بودي استقبال "أخي" والترحيب به، باءت كل خططي بالفشل وحظت بحظوظ من الخذلان،طأطأت رأسي ناظرة إلى الأرض أحاول منع عبراتي من السيل، حركت رأسي مُطيعة لأوامر "والدي"،فلا مجال للجدال معه، أتذكر مرةً كنت مصابة بالحمى وتكاسلت في الذهاب الى "السيد كمال" وعندما علم "والدي" استشاط غضبًا وضربني ضربًا مُبرحًا،حتى أنني عندما ذهبت بعدها لإعطاء الإيجار "للسيد كمال" تعجب من زُرقة ذراعي وعرض علي مرهمًا لتلك الكدمات ولكنني رفضت خشية أن يظن "والدي" أني أخبرته عما حدث، أتذكر رجفة يدي وأنا أمدها للسيد لتتكرر ذات الرجفة وأنا أمدها "لأبي" كي يعطيني الإيجار، شددت بقبضة يدي على الأموال حتى لا تفلت وخرجت لأنفذ أوامره.

عنزتي السوداء (رميثاء مصطفى)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن