علامة حمرا

31 5 6
                                    

تطلعت إليَّ وابتسامة بلهاء تزين ثغرها وقالت:-
- لهذا أحب كرة القدم، فلاعبي إيطاليا اليوم سيضعون علامة حمراء على وجناتهم، لدعم حملات منع العنف ضد المرأة.
لم تكد تنهي كلماتها حتى انتابتني نوبة هستيرية من الضحك، صحبتها بضع دمعات على وجنتي، لا أدري أنزلت من فرط الضحك، أم من مرارة ما يجول بخاطري.
- العنف ضد النساء؟!، نحن معشر الرجال من يُمارس ضدنا التعسف والعنف والتفرقة في كل لحظة نعيشها، وفي كل نفس نجتره، وفي النهاية يجدر بنا أن نتظاهر بالقوة والصلابة، كأن ما يحدث لا يعنينا البتة، وإلا لا نصير رجالًا.
بدى عليها أنها تستنكر كل حرف أنطق به، فلم يكن أمامي بد إلا أن أشرح لها ما أعنيه، والله وحده يعلم كم أكره الشرح، وخصوصًا لو أن تلميذي الوحيد هي.
وبدأت شرحي الطويل بإسلوبي المفضل، المثال أولًا.
- أتحبين الشطرنج؟.
- نعم تلك اللعبة المرقطة مع أشكال الحيوانات عليها...
- أنا هو الحيوان الحقيقي لاختياري لهذه اللعبة دونًا عن الألعاب الأخرى، ما علينا، فلنتظاهر بأننا نتابع حياة الشاب "يونس" من أعلى؛ لنحصي عدد الانتهاكات التي يتعرض لها في حياته، ما بين عنف وتمييز وحصار نفسي عليه من كل حدب وصوب.

"يونس" فتى حاصل على الكثير والكثير من الشهادات التي تؤكد لكل من يراها، أنه يونسًا بحق، وقد كُتب عليه أن يظل طوال حياته حبيسًا مكبلًا ببطن وطن - بين الأوطان - لا يفقه أبسط مفردات المساواة.

هل ترينه وهو يلملم أوراقه؟!، ويجمع شتات أمره للتقدم لوظيفة الأحلام، فأخيرًا وجد العمل المناسب، عمل يتناسب مع كم الشهادات التي يمتلكها والخبرات الكبيرة - بالنسبة لحديث التخرج مثله.
وهاهو يقف أمام لجنة من الوحوش - التي تسمى زورًا بالموارد البشرية - لتجهض أحلامه وتُعنف طموحاته وتُعجز خبراته، فيطلبون منه سبعين عامًا من الخبرة وشهادتين ممضيتين من كل موظفي الدولة وكل من يتشدد لهم، وشهادة صحية وغير صحية، ويشترط إجادة مائة وسبعين لغة، حية وميتة، والتحدث بلغة الثعابين تمامًا "كهاري بوتر" وباقي رواد مدرسة "سليذرين" ، ويشترط الخدمة العسكرية، وأن تحارب وتستشهد في معركة الاستنزاف مرتين على الأقل، وبالنهاية ستحصل الفتاة الهيفاء حسنة المظهر على الوظيفة، لأنها حضرت "كورسًا" على الإنترنت - أونلاين - عن كيفية إنقاذ الباندا من الاختناق بعلكة "الترايدنت"، فلا يجد المسكين "كورسًا" واحدًا ينتشله من خيبته سوى "كورس" المعسل على قهوة غير آدمية في شارع من حواري تحت الأرض، ويصب جام غضبه على "القهوجي" - الغبي - الذى أحضر له قهوة سادة، بدلا من المضبوطة.

فيُسمع "القهوجي" بعض من السباب غير الوارد في أيٍ من قواميس الشتائم في نطاق التسع مجرات - وذلك لو احتسبنا بلوتو - ذلك "القهوجي" المسكين، والذي بدوره تمارس معه الحياة نوعًا آخرًا من التعسف، فبعد حصوله على الماجستير في التربية، يضطر آسفًا للعمل "كقهوجي" لأن وببساطة مرتب المعلم لا يكفيه وأطفاله، بالإضافة لتكاليف تحضير رسالة الدكتوراة، هل أخطأ بزواجه المبكر - لو فرضنا أن سن السابعة والعشرين مبكرًا - أم أخطأ في طموحه الزائد؟.

مقالات يونسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن