"فهمت... كنت دوماً اطمح ان اكون محققاً ميدانياً لكن بعد كلامك عن (نادر) أشعر بالتردد.."
(د. عبد الهادي) :"لماذا"
(اياد) :"العميد (غازي) كان محقاً..لا أريد أن اصاب بمثل هذا الهوس"
(د. عبد الهادي) :"اتقان عملك ليس هوساً"
(اياد) :"ما سمعته منك لا يوصف بغير ذلك.. "
(د. عبد الهادي) :"هل مررت بتجربة مماثلة من قبل؟ "
(اياد) :"ماذا تقصد؟ "
(د. عبد الهادي) :"اقصد قصية عجزت عن حلها؟.. من الواضح انك من الأشخاص الذين لا يرضون بحدوث ذلك و يواجهون صعوبة في تقبيل فكرة القضايا الباردة"
صمت(اياد) لثوانٍ ثم قال:" قضية واحدة فقط.. قضية'البناية'... وانا لم أعجز عن حلها لكنها مؤجلة إلى حين و سوف احلها و اقبض على الفاعل يومآ ما "
(د. عبد الهادي) :"هل يمكن أن تخبرني عنها؟ "
(اياد) :"كل ما استطيع قوله عنها أنها لم تغلق بعد وانا لم افقد الامل وحينما يحين ذلك اليوم ربما اتحدث عنها.. فلنركز على قضايانا الحالية الان... وهذا يقودني للاستشارة التي رغبتها منك لو سمح وقتك"
(د. عبد الهادي ) :" تفضل كلي اذان صاغية"
(اياد) :"لدي عشر قضايا جميعها تتمحور في ظاهرها حول أشخاص مفقودين و مختلفين جدا من كل النواحي لكن مع البحث و التعمق انتابني شعور ان هناك عاملاً مشتركاً يربط فيما بينها "
(د. عبد الهادي ) :"هل تقصد ان الفاعل في جميع هذه القضايا هو الشخص نفسه؟ "
(اياد) :"لم اصل لهذا الاستنتاج لاني لم اجد الرابط بعد.. كل ما اعرفه و متقين منه هو أن هناك عاملاً مشتركاً بينها لكني لم استطع تحديده وكنت امل ان تساعدني في هذه النقطة.. "
(د. عبد الهادي) :"حسناً... ارسل لي الملفات عبر البريد الإلكتروني و سوف اقوم بمراجعتها والرد عليك خلال ايام "
(اياد) :" لا أريد أن أكون ثقيلاً عليك لكني لا أملك أياما فالوقت عندي محدد وضيق ولا يمكنني الانتظار"
(د. عبد الهادي) :"كيف تريد أن اساعدك واقدم المشورة لك إذا دون الاطلاع على ملفات القضايا؟ "
(اياد) :"الانصات لما توصلت له انا.. ساحدثك عن كل قضية بايجاز واريد فقط في تكهناتي حتى الان"
(د. عبد الهادي ) :"حسناً تفضل كلي اذان صاغية.. "
(اياد) :" القضية الأولى هي لاختفاء مدرسة لرياض الأطفال... عزباء وتقيم مع امها وحياتها روتينية جدا وليس لها أي حياة اجتماعية ملحوظة فكل حياتها كانت مسخرة لعملها و والدتها التي تسكن معها فقط افادتنا ان ابنتها خرجت يوم اجازتها الوحيد في الأسبوع صباحا على غير العادة لأنها دوما تمضية معها ولم تخبرها سوى انها ذاهبة لاحضار بعض اللوازم التي تحتاجها للمدرسة "
(د. عبد الهادي ) :" و القضية الثانية؟ "
(اياد) :" عن عامل نظافة يخرج يومياً مع فريقة الذين يتم نقلهم بسيارة البلدية و توزيعهم على أحياء مختلفة وفي نهاية اليوم وفي ساعة معينة يتم جمعهم في نقطة استلام محددة تتوسط تلك الأحياء واعادتهم لمبنى البلدية ومن هناك يذهب كل واحد منهم في حال سبيله ما حدث معه هو أنه بدا قبل اختفائه بعدة ايام بالتأخير عن الوجود عند نقطة الاستلام حيث كانت السيارة تنتظرهم لتعيدها وهذا التأخر حسب إفادة زملائه تزايد في مدته يوما بعد يوم وفي نهاية المطاف وفي أحد الأيام لم يظهر لهم ولم يروه بعدها مجددا"
(د. عبد الهادي) :" وما غريب في هذا القضية؟ "
(اياد) :" الأعذار الغريبة التي كان يقدمها عامل النظافة لزملائه ليبرر سبب تأخرة... فمثلا أخبرهم مرة انه كان يبحث عن مكان أراد زيارته منذ الصغر وفي مناسبة أخرى قال لهم انه قابل شخصا لم يره من سنين وسرقة الوقت وهو يتحدث معه أو أنه وجد شيئا وكان لا بد أن يعيده لصاحبه وغيرها من الأعذار التي قد تبدو طبيعية لكن احساسي يقول بأنها ليست كذلك "
(د. عبد هادي) :"وانت محق في الاحساس... اكمل"
(اياد) :"القضية الثالثة لا يوجد بها تفاصيل كثيرة... فقط عن طفل خطف من أمام للمدرسة لكن إفادة زملائه ذلك يوم هي التي جعلتني اضع ملف ضمن هذه الملفات وهي انه كان يومها سعيداً جداً و متحمساً لنهاية اليوم الدراسي لا اباه سوف ياتي و يقله للمنزل بدل امه"
(د. عبد الهادي) :"وما الغريب في هذا الأمر؟ "
(اياد ) :"ابوه متوفي من خمس سنوات.. "
(د عبد الهادي ) :"فهمت... اكمل... "
(اياد) :"القضية الرابعة قد تكون أكثر حالة جُمع فيها أدلة ومع ذلك لم يكن هذا كافياً لحلها فهي عن رجل تلقى رسالة على هاتفه من شركة سياحية بأنه ربح رحلة مدفوعة التكأليف وعلمت الشرطة ذلك لانه نسي هاتفة في منزله في اليوم الذي خرج فيه ولم يعد و بعد تفقد صندوق الرسائل اكتشفو انه لم يتلقَّ رسالة واحدة فقط من تلك الشركة فقد تجاوز عدد الرسائل المئات ناهيك عن الاتصالات الفائتة و المردود عليها من هذا الرقم لكن ما اوصلهم لطريق مسدود هو أنه لا يوجد سجل شركة الاتصالات عن هذا الرقم بعد المراجعة وكأن الاتصال أتى من تطبيق معين يخفي اصل و مكان المتصل بالرغم من الاستعانة بالمباحث الجنائية و تقنياتها المتقدمة لتعقب مصدر الرقم الا انهم فشلوا في اكتشاف واسم الشركة المذكور في رسائل لا يوجد له سجل تجاري في اي مكان بالعالم "
(د. عبد الهادي ) :" اعتقد اني بدأت أرى صورة نمطية في هذه القضايا لكن مع ذلك اكمل كي احسم استنتاجي"
(اياد ) :" القضية الخامسة كانت الاختفاء رجل عجوز بعد ما قرر فجأة في احد الايام الخروج من شقته السكنية بالرغم من كبر سنه و مرضه فهو حسب إفادة ابنته التي تزوره كل يوم لم يكن يستطيع حتى النهوض لفتح باب لها بسهولة مما جعلها تاخذ نسخة من مفاتيح الشقة لتهون عليه زياراتها اليومية لكن كامرات المراقبة اظهرته وهو يخرج من الشقة ويسير نحو المصعد بصعوبة وينزل الطابق الأرضي ويخرج من العمارة حينها انتهى مجال التصوير ولم يرَه احد بعدها واللافت في التسجيل الذي بحوزتنا انه كان يعاني جدا خلال السير ومع ذلك استمر وكأنه مجبر"
(د. عبد الهادي ) :"هل قدمت ابنته اي معلومات إضافية؟ "
(اياد) :" لا شيء سوى أن اباها قبل اختفائه بفترة كان يعاني من بعض كوابيس مزعجة التي تؤرقه لكنه لم يفصح لها عن فحواها و كذلك قالت بأنه كان يتحدث عن امها كثيراً وشعرت بأن أجله قد دنا بسبب ذلك لكنها لم تتصور ان تفقده بتلك الطريقة.. القضية السادسة"
(د. عبد الهادي )مقاطعاً :" لا داعي للاكمال.. اعتقد اني وصلت لاستنتاج"
(اياد) :"حقّاً.. ؟"
(د. عبد الهادي) :" لكن تذكر أن ما سأقوله هو مجرد تقييم مبني على نمط تفكيري وليس راياً يمكن أن يحسم لك القضية لكني اظنه قد يوجهك للطريق الامثل للبحث "
(اياد) :"مفهوم... وهذا ما اريده"
(د. عبد الهادي ) :" من الواضح أن الضحايا جميعهم تم استدراجهم بطريقة ما وكأنهم يلعبون نداء يُلح عليهم بالتحرك تجاه هدفٍ ما.. مثل فراشات الليل حينما تطير نحو السراج المنير... لكن المقارنة هنا أن السراج لا يبطن الشر والحاق الضرر هو من تسبب من النوايا الموجهة بدافع... سوء تقدير الفراشات هو من تسبب في نهايتها لكن هذا لا ينفي عامل الجذب غير المقصود... ناهيك عن الأثر المتروك... ففي مثال السراج الفراشات لم تختف فهي متراكمة على القاع محرقة وشاهد على ان اجسادها لم تكن هدفآ لاحد.. هذا يقودني لنظرية أخرى مع الابقاء على الجذب في المعادلة وهي نظرية 'الصياد'... وهي الأقرب لتفسير ما حدث في القضايا التي ذكرتها للتو.. "
(اياد) :"وحول ماذا تتمحور هذا النظرية؟ "
(د. عبد الهادي) :" في الصيد هناك نوعان من الصيادين... من يهجم ويلاحق فريسته بشكل مباشر مستعيناً بأسلحته سواءً كانت نارية او جسدية... فالإنسان يصطاد ببندقيته او حربته والأسد بمخالبه وانيابه و العامل المشترك بينهما هو انها مسلحان بالادوات التي ستحقق هدفها النهائي ولا يملكان الصبر حتى تأتي الفريسة إليهما بل يسعيان وراءها لنيل منها.. "
(اياد ) :"والنوع الثاني..؟ "
()د. عبد الهادي :" من ينصب الفخاخ وينتظر بهدوء وصبر فريسته ان تاتي اليه ليصطادها مثل صياد السمك او نبته 'فينوس' التي تقتات على الحشرات... وتكمن فعالية هذا النوع من أساليب الصيد في 'الطعم' المستخدم أكثر من مهارة الصياد نفسه.. الخاطف في قضاياك العشر صياد يتبع الأسلوب الثاني ولكي تكشف هويته يجب أن تعرف نوع 'الطعم' الذي يستخدمه لستدراج ضحاياه كي يذهبوا لــ'الفخ' المنصوب لهم طواعية دون أدنى مقاومة ليبقى هو مختفيآ على الانظار حينما يُطبق عليهم... وهناك شيء مشترك بين الضحايا وهو اسلوب الاستدراج... جميعهم يستجيب لــ'نداء'معين يقودهم بعيداً لمكان ما كي يتم خطفهم او قتلهم... نداء ملح يستدرجهم رغماً عنهم ولا يستطيعون مقاومته... هذا 'النداء' هو الطعم الجاذب الذي لا يستطيعون تجاهله واجبر رجلاً مسنّاً على النهوض من فراشه ليلاً والخروج من منزله... اكتشف الطعم وكيف يقدم للفرائس وسيقودك ذلك لمكان الفخ وبالتالي للصياد المرقب بالقرب منه.. "
(اياد) :" لقد فتحت لي باباً جديداً من التفكير... أشعر بأن الاجابه امامي وفي الوقت نفسه بعيدة عني "
(د. عبد الهادي ) :"تذكر فقط أن 'أكثر الفخاخ فعالية هي ابسطها.. ' فليس من الضروري أن تكون الإجابة معقدة فاحياناً يكون من المعضلات توضيح الواضحات... بالطبع تعرف العبارة الدراجة التي تقول :"فكر خارج الصدوق"؟ "
(اياد) :" نعم اعرفها.. "
(د. عبد الهادي) :"انت تحتاج ان تفكر خارج عقلك..
"(اياد ) :"وكيف اقوم بذلك؟ "
(د. عبد الهادي) :"بأن تبحث في قضية أخرى غير القضايا العشر تشبهها في المضمون لكنها حلت او على أقل تقدير وصلت لمرحلة متقدمة من البحث وجمع الدلائل ووصل فريق التحقيق فيها لبعض النتائج الملموسة وبالاطلاع عليها و ستجد بجوانبها سوف تخرج من الغمامة المحيطة بتركيزك وستجد نفسك تنظر لقضاياك من زواية مختلفة قد توصلك لاجابة "
(اياد):" واين أجد مثل هذه القضية؟ "
(د. عبد الهادي ) :"خلال حديثك عن قضاياك تذكرت قضية معينة حدثت في الماضي ووجدت ان التشابه بينها كبير لدرجة قد تبدو غير منطقية لان أحداث تلك القضية لم تقع في المدينة التي انت بها الان بل في أخرى مجاورة لها... مدينة 'الرفوع'.. "
(اياد) :"احتاج ان ماتطلع هذه القضية لكن قبلها هناك سؤال طرا ببالي حينما ذكرت مكان الجريمة "
(د. عبد الهادي) :"ما هو؟ "
(اياد) :"ما هي احتمالية ان يكون الفاعل في القضايا العشر الشخص نفسه كون الأسلوب متقارباً؟ "
(د. عبد الهادي ) :"هذا وارد جدّاً ونظري'الصياد' التي شرحتها لك تعزز تلك الفكرة لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك هو الواقع فقد تكون عصابة منظمة تتبع النهج نفسه والأسلوب ذاته "
(اياد) :"معنى ذلك لو لم ننظر للمجرم كشخص بل كـ'كيان' فسيكونون هم الفاعل نفسه.. "
(د. عبد الهادي ) :"إلى حد ما نعم "
(اياد) :"وهذا قد يفسر حدوث جريمة مماثلة في أماكن ومدن أخرى... "
(د. عبد الهادي ) :" فهمت قصدك... واتمنى ذلك لانه لو كان الفاعل في القضية التي ذكرتها لك هو شخصاً يعمل وحده وهو نفسه المسؤول عن قضاياك العشر فهذا مؤشر سيء جدّاً"
(اياد):" لماذا؟... ماذا تقصد؟ "
(د. عبد الهادي ) :"هذا يعني ان صيادنا قاتل متسلسل لا يرتبط بجغرافية معينة ومن خلال الضحايا يتضح انه كذلك لا يتبع نمطية محددة في الشكل او الجنس او العمر وهذه العشوائية في انتقاء الضحايا تعقد الأمور على المحققين وتجعل تحديد الدوافع أصعب مما يقلص فرص كشف هوية المجرم"
(اياد) :"لكن كشفها ليس مستحيلاً... "
(د. عبد الهادي) :"لا يوجد شيء مستحيل... خاصة على شباب ذكي ولماح مثلك"
(اياد) :" اعتقد حان الوقت ان تخبرني عن تلك القضية التي وقعت في المدينة الاخرى"
(د. عبد الهادي) :" معلوماتي عنها محددة وكل ما اعرفه عنها أنها وقعت لشخص اسمه(يوسف) كانت تصله رسائل مجهولة المصدر وعرفت القضية باسم 'النداء' بين اوساط الدائرة حينما اكتسبت شهرة وهذا ما جعلني اتذكرها خلال حديثنا"
(اياد) :" وما سر اشتهار تلك القضية بالذات؟ "
(د. عبد الهادي) :" تدخل الشرطة العاصمة في مجريات التحقق فجأة بعد أيام من حدوثها وقيامها بالاستحواذ على كل الادلة الملموسة التي جمعها المحقق الذي تولى القضية من قبل شرطة المدينة التي وقعت ولم تترك لهم سوى التقرير الأولي الذي اعدوه يوم الحادث وما زاد الأمر غرابة هو أن المحقق الذي تولى القضية تم نقله لمنطقة نائية بقرار صدر من الوزارة بعد سحب القضية منه بشهور وكانه ارتكب مخالفة ما"
(اياد) :" سارسل في طلبها من العاصمة اذاً"
(د. عبد الهادي) :"أشك انهم سيزودونك بالملف لان تلك القضية قد صُنفت من القضايا السرية غير المسموح بتداولها خارج الدائرة "
(اياد) :" احتاج تفاصيل أكثر من التي اخبرتني بها... "
(د. عبد الهادي) :"حسب علمي هناك نسخة من بعض أوراق ملف القضية قد تفيدك وهي لا تزال موجودة في أرشيف دائرة شرطة 'الرفرع' لكن يجب عليك في هذا الحالةان تطلب الملف بشكل رسمي من دائرتك"
(اياد) :"أشك ان العميد (غازي) سيوافق على ذلك"
(د. عبد الهادي) :" لن تحتاج مدير المركز لتقديم مثل هذا الطلب... فقط يجب أن تكون علاقتك جيدة مع مسؤول الارشيف فهو المخول بطلب مثل هذا الأمور بشكل رسمي ومستعجل"
(اياد) :"اعتقد اني اعرف الشخص المناسب لهذا المهمة... شكراً"
(د. عبد الهادي ) :"على ما منحتني اياه من وقتك الثمين انا بالفعل لا أعرف كيف اعبر عن امتناني "
(د. عبد الهادي) :"لو تمكن تلميذي من حل هذه القضايا فسيكون ذلك أكبر شكر تقدمه لي... "
(اياد) :"اعدك بأني سافعل "
(د. عبد الهادي) :"تصبح على خير "
أغلق (اياد) الخط واتصل مباشرة بـ(ياسر) الذي أجاب بصوت خفيض ومتعب:" محقق (اياد)؟... هل هناك مشكلة؟ "
(اياد) :"هل نمت؟ "
(ياسر) بنبرة تثاؤب:" نعم... الم تخبرني بان انام على الفور كي نستعيد اجتماعنا غدا مع العميد (غازي) لتقديم التقارير؟... هل استجد شيء؟"
(اياد) :"نعم سنؤجل الاجتماع وسنركز على أمر اخر لكن أخبرني قبلها كم يستغرق طلب ملف القضية من دائرة بمدينة أخرى؟ "
(ياسر) :"بالعادة ثلاثة إلى خمسة أيام وحسب المسافة بين المدينتين"
(اياد) :"ماذا عن مسافة بين مدينتكم ومدينة 'الرفوع'؟ "
(ياسر) :"أربعة أيام كحد أقصى... لكن لَم تسأل؟ "
(اياد) :" لاني احتاج الاطلاع على ملف القضية موجودة عندهم بالارشيف الخاص بهم... لكن ما ذكرته وقت طويل... الا يوجد طريقة اسرع؟ "
(ياسر) :"بلى... ان يُسلم الملف مناولة باليد لكن ذلك يتطلب ذهاب موظف مختص من الدائرة التي تطلب الملف للدائرة المسلمة له واستلامه بشكل رسمي"
(اياد) :"وكم يستغرق ذلك لو طلبت منك ان تقوم بتلك المهمة غدا؟ "
(ياسر) :"فقط المشوار بين المدينتين بالسيارة... لو خرجت في الصباح الباكر فسيكون الملف بحوزتك بعد الظهر "
(ايا ) :"ممتاز... اعتبر نفسك في مهمة رسمية ولا تعد الا والملف معك"
(ياسر) :"ساحتاج قبلها ان اعرج على مكتب الأرشيف صباحا للحصول على بعض الاستمارات الرسمية لتقديم الطلب بشكل يدوي واحتاج كذلك منك رقم القضية وبعض التفاصيل عنها كي يجدوا الملف بسرعة"
(اياد) :" هذا دورك يا (ياسر)... كل ما املكه هو اسم القضية المعروف في الدائرة بـ.. 'النداء'... "
(ياسر) :"حاضر ساتصرف... سوف استعين بمعارفي هناك ليساعدوني في ايجادها بأسرع وقت ممكن... هل ترغب مني القيام بشيء اخر؟.. ان اقلك للعمل حينما اذهب مثلاً؟ "
(اياد) :"لا... لا اريدك ان تتأخر... لا تقلق ساستقل سيارة أجرة... فقط أن تعود للنوم والا تطيل السهر كي تنجز مهمتك غدا"
(ياسر) :"سافعل... تصبح على خير... مرة اخرى"
(اياد)باسماً قبل أن يغلق الخط :"تصبح على الخير... "
في اليوم التالي ذهب (اياد) لمقر مركز الشرطة كعادته وتوجه لمكتبه في قسم الأرشيف حيث وجد الموظف الجديد الذي اوكل له (غازي) تولي مهام(ياسر) خلال تكليفه معه فنهض الموظف مقدماً التحية لــ(اياد) قائلا :" اهلا محقق (اياد)... كنت اظن.."
(اياد) مقاطعاً ومشيراً للموظف بالجلوس :"انا فقط هنا في زيارة سريعة... هل رأيت (ياسر) اليوم"
ـــ "رايته صباحاً حينما أتى لطباعة بعض الأوراق"
(اياد) :"جيد... "
ـــ "هل تحتاجيني في شيء؟ "
(اياد) :"متى ينتهي دوامك؟ "
ـــ " الثانية بعد الظهر وحينما ياتي زميلي للفترة المسائية يستلم مفاتيح المكتب ويغلقة لمدة ساعتين ويعود بعدها تبدأ الفترة المسائية للارشيف تمام الرابعة"
(اياد) :"اذا حان ذلك الوقت لم يعد (ياسر) فلا تغلق المكتب واتصل بي سأكون في المبنى"
ـــ " امرك"
مضت ساعات العمل وانتهت الفترة الصباحية وبدا الموظفون بالخروج بعد ما سلموأ نوباتهم لزملائهم في الفترة المسائية وحينما دخل (اياد) على موظف الأرشيف و جده وحده فقال:"لم يعد (ياسر) بعد اذاً.... "
ـــ " لا ليس بعد وانا في طريقي للخروج الان "
(اياد) :"لقد حاولت الاتصال به مرتين لكن هاتفه مغلق"
ـــ "لا أعرف..."
(اياد) :"حسنا ناولني مفاتيح المكتب وسابقي هنا بانتظاره وسوف اعطيها لزميلك المناوب حينما اراه"
ناول الموظف المفاتيح قبل خروجه لــ(اياد) الذي جلس خلف المكتب بانتظار(ياسر)...
بعد عشر دقائق دخل الموظف المناوب فشرح له اياد الموقف واتفقا ان يعود في الرابعة لاستلام المفاتيح على افتراض ان (ياسر) سيصل قبلها لكن ذلك لم يحدث ومضت الساعتان دون أن يظهر له أثر وهاتفه لا يزال مغلقاً.
حينما عاد الموظف المناوب ووجد(اياد) على حاله يدخن سارحاً في الافق من خلال النافذة قال:"هل انتهى الأمر؟ "
(اياد)ملتفتاً اليه :"اسمع... انا سارحل واذا أتى (ياسر) إلى هنا في اي وقت خلال مناوبتك فابلغة بضرورة التواصل معي في الحال"
ـــ "امرك"
خرج المحقق (اياد) وركب مع إحدى الدوريات ووجهها باخذه لمبنى الضباظ حيث يقيم ودخل شقته وبقي اي تطور في الوضع..
مضت الساعات وحل المساء ولم يظهر (ياسر)...
ولم يفتح وهاتفه...
خلال انتظار (اياد) وغرقه بين أفكاره وهواجسه وعن خطوته التالية رن جرس الباب فنهض وسار لفتحه وكان مستغرباً لان ذلك مبنى لا يدخله المدنيون ومخصص فقط لموظفي وأفراد الشرطة ولا يوجد مناسبة او سبب ليزوره احد من قاطني المبنى في تلك الساعة لكن استغراب زال حينما فتح الباب وشاهد (ياسر) يقف أمامه بملابس متسخة وممزقة وعلى ملامحه ظهرت معالم التعب والإرهاق وكانه خاض عراكاً..
(اياد) وهو مصدوم:"(ياسر)؟!... اين كنت؟!... وما الذي فعل بك هذا؟! "
(ياسر)بفم المفتوح وهو يتنفس بثقل رافعا ملفا امام وجه (اياد) :"هذا الملف هو السبب... "
تجاهل (اياد) الملف واسند(ياسر) بكتفه وادخله لوسط شقته واجلس على الاريكة في غرفه المعيشة وتوجه مباشر للمطبخ واحضر كوباً من الماء ومده له قائلاً:" اشرب... "
رفع (ياسر) يده الراجفة المليئة بالجروح لكنه لم يقو على حمل الكوب فقام (اياد) بالجلوس وسقيه قائلاً:" ماذا حدث؟"
(ياسر)مبتلعاً شربة الماء :"لا يهم ما حدث لي الان الوقت ليس مصلحتنا"
(اياد) :"عن ماذا تتحدث؟ "
(ياسر) بوجه تائه ومشتت:"دعك من هذا الان... خذ الملف واقرا محتواه بعدها سنتحدث... لا أريد أن تذهب تضحيتي سدىّ"
(اياد) :"لن اقرا شيئا قبل أن اخذك للمستشفى! "
(ياسر) وهو يشد (اياد) من لياسه ويقرب وجهيهما بعضهما لبعض وبنيرة صارمة:"لن نلحق ان نصل للمستشفى لو اضعت المزيد من الوقت.... ارجوك حاول أن تفهم"
(اياد) في حيرة من امره:" حسنا هدئ من روعك... ساقرا الملف"
(ياسر)مسندا ظهره للاريكة مغمضا عينيه:" حينما تنتهي نبهني وسنخرج حيث تشاء.... سوف ارتاح قليلاً"
سحب (اياد) الملف من فوق سطح الطاولة والقى نظرة على غلافة الخارجي وقرا:" القضية٥٤/A
قسم الجرائم المعلوماتية"
فتح (اياد) الملف وبدأ بالقراءة...
وخلال قراءته اخذ يتصور الأحداث التي وقعت في ذهنه...
__________________________________
اسبوع جاي فصل جديد