النداء

335 21 3
                                    

هاتف نقال ينير على منضدة..
متزامناً مع صوت تنبيه ورود رسالة نصية جديدة في صندوق الرسائل
يفتح (يوسف) عينيه وهو مستلق على سريره..
يمد يده ويتناول هاتفه وينظر للشاشة المنيرة بكلمة :"رسالة جديدة"
يفتح الهاتف بإبهامه ليقرأ محتوى تلك الرسالة التي وصلته قبل الفجر بدقائق
كانت رسالة من مصدر مجهول فقد كُتب في خانه المُرسل :"بدون الرقم"
ولم تحتو الرسالة سوى على مجموعة من الأرقام دون نص مرافق لها
امعن (يوسف) النظر لثوانٍ لتلك الأرقام وقرا:"٥١,٦٦٦٦٦٦,٢١,٦٦٦٦٦٦"
بم يعرها بالاً وعاد للنوم بعد تحويل الهاتف للوضع الصامت..
استيقظ (يوسف) مجدداً على صوت هاتف منبه الرسائل ليجد الرسالة نفسها بالنص ذاته.
نهض من فراشه مستغرباً و زاد استغرابه عندما وجد ان وضع الصامت قد تبدل للوضع العادي وقالي نفسه:"يبدو أن الهاتف به خلل ما"
أعاد هاتفه على المنضدة بجانب سريره واستلقى على فراشه محاولاً العودة للنوم لكن ما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى استلم رسالة ثالثة بالمحتوى نفسه
هذه المرة نهض (يوسف) رمن فراسه حاملاً معه الهاتف لغرفةالمعيشة وبدا بتقليب صندوق الرسائل الواردة باستغراب...
لم يسفر عن ذلك البحث شيء ولم يجد تفسيراً لتلك الرسائل الغريبة التي استلمها
لم يعد للنوم وبقي مستيقظاً يشاهد التلفاز حتى موعد عمله في الصباح..
عندنا وصل لمقر عمله وهو شركة لتوزيع المواد الغذائية بدا بممارسة عمله بشكل طبيعي حتى آخر دوامه وخلال عودته للمنزل وتوقفه عند إحدى الإشارات الضوئية تلقى رسالة رابعة بالمحتوى نفسه
بقي (يوسف) يحدق بالأرقام في تلك الرسالة يحاول جاهداً إيجاد تفسير او تبرير لها وعمن كان يرسلها لكن تركيزه انقطع حينما قامت سيارة خلفه باطلاق بوقها كي ينتبه للإشارة التي اخضرت امامه
وضع (يوسف) هاتفه على المقعد بجانبه وتحرك عائداً لمنزله خلالها تلقى رسالتين متتابعتين ولم يستطيع فتحها مباشرة لانه كان يقود في شارع مزدحم مما تسبب في تشتت ذهنه خلال القيادة وكاد ان يتسبب في حادث بسبب ذلك
أوقف السيارة جانباً وتناول هاتفه وفتح الرسالتين اللتين لم تكونا سوى نسختين مطابقتين للرسائل التي استلمها سابقاً
في تلك اللحظة قرر (يوسف) تقصي حقيقة تلك الرسائل ومصدرها فتوجه لاقرب فرع لمزود خدمة الهاتف وجلس مع احد موظفيه وشرح له رغبته في معرفة معنى ومصدر تلك الرسائل
(موظف الاتصالات) وهو يتفحص الرسالة بعينيه:"لا يمكننا تحديد مصدر الرسالة للأسف"
(يوسف) باستغراب:"كيف لا تستطيعون؟... الستم شركة متخصصة في هذه الأمور؟"
(موظف الاتصالات)وهو يعيد الهاتف لــ(يوسف) :"بلى ولكن مرسل هذه الرسائل يستخدم نوعاً من برنامج التخفي ومعرفة مصدرها شبه مستحيل"
(يوسف)بتجهم :"ما فائدتك ماذاً؟!..الا تجيدون شيئاً سوى تحصيل الفواتير؟! "
(موظف الاتصالات) بهدوء:"هل تحتاج خدمة أخرى؟ "
(يوسف )ناهضاً بغضب :"لا! "
لفت ارتفاع صوت(يوسف) مع موظف الخدمات نظر احد موظفي خدمة العملاء فتقدم نحوه مبتسماً وقال:هل يمكنني أن اخدمك بشيء يا سيدي؟"
(يوسف) بتجهم:"ستكون غير مفيد مثل زملك! "
(موظف خدمة العملاء)بلباقة :"اشرح لي المشكلة فقد اتمكن من خدمتك"
(يوسف) وهو يزفر بعصبية ويفتح هاتفه:"هذه الرسالة!... اريد معرفة من ارسلها لي! "
اخذ موظف خدمة العملاء الهاتف والقى نظرة على الرسالة محتواها ثم تبسم وقال:"للأسف لا يمكننا ذلك لان المرسل غير ظاهر..."
(يوسف) منتزعاً هاتفه من يد الموظف بغضب:" شكرا على المعلومة القيمة!"
(موظف خدمة العملاء) مبتسماًً:"لكن يمكنني أن أخبرك محتوى الرسالة لو رغبت"
(يوسف)وهو يهدا قليلاً:"تقصد تلك الأرقام العشوائية؟ "
(موظف خدمة العملاء) :"هذه ليست ارقاماً عشوائية بل احداثيات... "
(يوسف) بتعجب:"احداثيات؟ "
(موظف خدمة العملاء ) :"نعم... احداثيات لموقع ما"
(يوسف) :"اين؟ "
(موظف خدمة العملاء ) :"لا أعرف لكن يمكنك إدخال تلك الاحداثيات في اي محرك بحث على الإنترنت او جهاز ملاحة وسيتم تحديد الموقع لك"
(يوسف)وهو ينظر لشاشة هاتفة :"لمَ يرسل احدهم إحداثيات؟ "
(موظف خدمة العملاء )مبتسماً:"ربما احد أصدقائك يريد اللقاء بك في مكان ما... هل تحتاج اي خدمة أخرى يا سيدي؟ "
(يوسف)وهو يسير مبتعداً عن الموظف دون النظر اليه :"شكراً "
ركب(يوسف) سيارته وادخل تلك الأرقام في محرك بحث في الانترنت كي تنتهي حيرته لكنها تضاعفت عندما أظهرت الاحداثيات موقعاً في الصحراء على بعد ٥٠٠ كلم من مدينته تقريباً
لك تكن مدينة أو قرية بل مجرد بقعة خاوية وسط الصحراء الشاسعة
بقي(يوسف) في سيارته يحدق بشاشة هاتفة وبتلك النقطة المُحددة له في وسط الصحراء
انقطع تركيزه بها عندما رن هاتفه ليظهر له :"لا يوجد أرقام"
في الشاشة فقام بالرد عليه:مرحباً... من معي؟ "
لم يتلق (يوسف) ردًّا لكن تملكه شعور قوي بأن هناك من ينصت له على الطرف الآخر..
(يوسف) بعصبية:من يتحدث معي؟"
أغلق المتصل الخط فتعجب(يوسف) ولم يستطيع معاودة الاتصال لان الرقم لم يضهر... أدار محرك سيارته وقادها عائداً لمنزله...
عندما دخل البيت توجه مباشرة الغرفة النوم لانه كان مرهقاً بسبب استيقاظه اول الفجر وخل للنوم مباشرة
فتح عينيه وراى ان الوقت كان ليلاً ولم يعرف الساعةالتي استيقظ فيها الا عندما نظر في شاشة هاتفه ليكتشف ان الوقت شارف على منتصف الليل
وقف (يوسف) وهو قابض على هاتفه وعلى وجهه تجلت ملامح الفزع الشديد عندما شاهد ان لديه ٧١٣ رسالة واردة وزاد خوفه ورهبته عندنا فتح الرسائل ووجدها جميعاً متطابقة المحتوى وهي تلك الاحداثيات الغريبة
في تلك اللحظة اتخذ (يوسف) قراره بالذهاب للشرطة والابلاغ عن هذه الرسائل الغريبة المجهول المصدر لكن بعد مقابلته للضابط المناوب اصيب بخيبة امل فقد أفاده بأن الشرطة لا يمكنها التدخل بما ان محتوى الرسائل لا يتضمن اي تهديد ونصحه بمراجعة مزود الخدمة الخاص به او فني لإصلاح الهواتف لعله خلل في هاتفه فشرح له (يوسف) انه قام بذلك ولم يجد نتيجة وحاول اقناع الظابط بتحرير محضر لكن محاولاته باءت بالفشل ولم يستطيع اتخاذ اي إجراء قانوني بحق مرسل تلك الرسائل.
خرج (يوسف) من القسم قرابة الثانية صباحاً وسار بخطاً بطيئة نحو سيارته المركونة وعندنا امسك بمقبض بابها رن الهاتف فتوقع انه ذلك الرقم خفي يتصل مرة أخرى لكن المتصل كان رقماً اعتياديّاً غير مخزن في قائمة الأسماء لديه ففتح الخط وقال:"نعم؟"
(المتصل) :"صباح الخير"
(يوسف) :"اهلاً... من معي؟ "
(المتصل) :"عذراً يبدو اني قد أخطأت في الاتصال"
(يوسف) وهو يصرخ في المتصل:"ماذا تريد مني؟! "
(المتصل) بنبرة الخوف:"ما بك؟ انا لا اريد منك شيئاً كنت فقط اريد الاتصال بزوجتي"
اغلق(يوسف) الخط وركب سيارته وبدأ بضرب المقود بقبصته ساخطاً...
مضت الايام واستمرت الرسائل تنهمر على هاتف (يوسف) وبالرغم من انه قام بتغير جهازه و شريحته الا ان ذلك لم يُغير في الأمر شيئاً وكانت اعداد الرسائل تزداد يوماً بعد يوم
وفي احد الايام وخلال جلسة لتناول الشاي حكى (يوسف) معاناته لــ(عزيز) وهو احد أصدقاء المقربين وتربطه به علاقة وطيدة منذ الصغر والذي اقترح عليه اقتراحاً غريباً
(عزيز) :"لمَ لا تذهب؟ "
(يوسف) :"اذهب الى اين؛؟ "
(عزيز) :"للموقع الذي تشير له تلك الاحداثيات... "
(يوسف) :"المكان في وسط صحراء خاوية"
(عزيز) وهو يقزب كوب الشاي من فمه:"لعلك تجد جواباً يريحك"
صوت رسالة واردة في هاتف (يوسف)
(يوسف) متجاهلاً هاتفه:"وكيف اصل لمكان ناءٍ مثل هذا؟ "
(عزيز) :"الن تجيب على هاتفك؟ "
(يوسف)بحسرة :"وما الفائدة؟ انها الرسالة نفسها يوماً بعد يوم؟ "
(عزيز) :"لن ينال احدٌ منك اذا لم يجد مكاناً في تفكيرك... "
(يوسف) :"ماذا تقصد؟ "
(عزيز) :"تجاهل تلك الرسائل فقط ولا تجعلها تاخذ أكبر من حقها"
(يوسف) :" الكلام أسهل من الفعل... هذه الرسائل تثير اعصابي"
(عزيز) :"يمكنني مرافقتك لو رغبت"
(يوسف) :"إلى أين؟ "
(عزيز ) :"إلى موقع تلك الاحداثيات "
(يوسف) :"ومن قال لك اني ذاهب؟ "
(عزيز) :" ماذا تنوي ان تفعل اذاً؟ "
(يوسف) بحزن:"لا أعرف... "
صوت رسالة أخرى واردة إلى هاتف (يوسف)..نظر (يوسف) بوجه مهموم لهاتفه على الطاولة أمامه وبقي صامتاً وسارحاً في شاشته المضيئة...
(عزيز) :"حسناً... سوف اذهب انا وابقَ انت... زودني فقط بالاحداثيات "
(يوسف)سرحانه ينقطع :"لا لا... هذه مشكلتي وحدي ولا أريد اقحامك فيها"
(عزيز) ملتقطاً هاتف (يوسف) محاولاً فتحه:"ما هو الرقم السري هاتفك؟ "
(يوسف)منتزعاً هاتف من يد (عزيز) :"لا! سوف اتخلص من هاتف! "
(عزيز) :"وهل ستبقى بلا هاتف؟ "
(يوسف) :"الهواتف ليست أساسيات الحياة ويمكنني العيش بدونها "
(عزيز) :"كما تشاء... سوف اتواصل معك بالحمام الزاجل اذاً"
(يوسف)وهو يبتسم:"اعتقد ان هناك وسائل اقل مشقة من ذلك "
تخلص (يوسف) من هاتفه وبالرغم من انه واجه صعوبة في التأقلم في البداية الا انه اعتاد الأمر مع مرور الايام
خلال تلك الفترة تعرض(يوسف) لكوابيس المرعبة كلها تمحورت حول تلك الأرقام ولم يكن يستطيع النوم لعشر دقائق متواصلة دون أن يستيقظ مفزوعاً من نومه
كانت اياماً عصبية لم يخرج خلالها من المنزل حتى للذهاب لعمله او التسوق او للقيام بأي شيء فقد كان منهكاً طيلة الوقت ويسرق الدقائق للنوم وللحصول على بغض الراحة والتي كانت تُعكر دائما الكوابيس
استيقظ يوماً عندما سمع بابه يُطرق وبدأ بالسير نحو الباب وفتحه دون أن يسأل من الطارق
كان خلق الباب(عزيز) الذي دخل لغرفة المعيشة مباشرة دون تقديم السلام وجلس فيها
سار (يوسف) عائداً لغرفة المعيشة بعد أن أغلق الباب ثم جلس امان صاحبه واضعاً قدماً على قدم بصمت
(عزيز) :"يبدو أن حالتك تسوء يوماً بعد يوم... "
(يوسف) بوجه مكئيب يحدق بالنافذة:"ماذا تريد؟... لمَ اتيت؟ "
(عزيز) :"اتيت للاطمئنان عليك"
(يوسف) وهو يحك ذقنه الشائك باظافره:"وهل اطمأننت الان؟ "
(عزيز) :"هل ما زلت ترى تلك الاحداثيات؟ "
(يوسف ) :"لقد أصبحت تظهر لي في منامي ويقظتي ولا نهرب منها في اي مكان"
(عزيز) :"وماذا عن عملك؟ "
(يوسف) :"توقفت عن الذهاب... لا استطيع ممارسة عملي بشكل طبيعي وانا بهذة الحالة"
صمت (عزيز) لثوانٍ ثم قال:"هل ترغب بمرافقتي غداً؟ "
(يوسف) :"ترافقك إلى أين؟ "
(عزيز) :"هل يهم إلى أين؟... المهم ان تخرج قليلاً وتستنشق بعض الهواء"
(يوسف) :"لا أشعر برغبة في ذلك"
(عزيز) وهو ينهض ويهم بالسير نحو باب الخروج:"سأعرج عليك غداً صباحاً كن مستعدّاً"
(يوسف) باحباط:"لا فرق بين صباح او مساء انا لم اعد اهنأ بنومٍ اصلآ "
(عزيز)مغلقاً الباب خلال خروجه :"كن جاهزاً اذاً... "
عاد(عزيز) في صباح اليوم التالي في وقت مبكر وبدأ بطرق الباب حتى فتح له (يوسف) بالهيئة نفسها و الملابس نفسها التي قابله بها بالأمس فقال له (عزيز) بتعجب:" الم تبدل ملابسك؟ "
(يوسف)وهو يشد لباسه ويشتم رائحته :"لباسي لا بأس به... "
(عزيز):"لا يهم... هيا بنا"
(يوسف) :" الن تخبرني إلى اني نحن ذاهبان؟ "
(عزيز) :"ستعرف في الطريق "
(يوسف) :"سأذهب لاحضار شيء وسالحق بك"
(عزيز) :"حسنا لا تتأخر...ساكون بانتظارك عند مدخل العمارة"
بعد رحيل (عزيز) عاد (يوسف) ادراجه ودخل غرفة كان قد خصصها لحفظ بعض مقتنياته وبعد بحث قصير اخرج جهاز تسجيل صغيرا وتحقق انه مشحون بالكامل قبل أن يضعه في جيبه ويهم بالخروج والحاق بصاحبه لانه وقتها كان الشك قد تمكن منه وبلغ ذروته ولم يعد يثق باي احد حوله حتى المقربين منه
ركب الاثنان سيارة دفع رباعي كبيرة كانت في انتظارهما يقف خل مقودها رجل غريب لم يعرفه (يوسف) الذي ركب في المقعد الخلفي وتبعه(عزيز) بالركوب في المقعد الأمامي طالباً من السائق الانطلاق

_ _ _ _ (محتوى التسجيلات سري) _ _ _ _

             _تم المصادرة و الحفظ_  
وجدت جثة (يوسف) وصاحبيه من قبل أحد الرعاة في منطقة وسط الصحراء بعد عدة ايام وعُزي سبب الوفاة لافتراسهم من قبل الحيوانات الصحراوية الضاربة واستند الطب الشرعي في استنتاجه على الآثار المتروكة على عظامهم والتي كانت اثراً لانياب كبيرة
أغلق (اياد) الملف ووضعه على الطاولة..
ادا نظره تجاه (ياسر) ليجده نائماً...
مد يده وبدت يهزه لايقاظه....
وحد انه قد فارق الحياة....
__________________________________
يوم الثلاثاء فصل جديد
باقي بس فصلين

النداء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن