روح مرحة

1 1 0
                                    

[8]

بوريزا
بعد ما يقارب العام

تقفز ضياء من مكان إلى آخر، جربت كل الألعاب، وذاقت أغلب الأكلات، كل ما بقي الآن هو البحث عن شخص ليحملها ويعيدها للمنزل، يبدو أنه سينتهي المطاف به لفعلها

يتبعها ذؤيب بنظراته، رغم هذا إلا أنه ليس نادما على إحضارها إلى هنا، يذكر شهقاتها بالأمس، شعر بها تمزق قلبه، إنه عيدها الثاني الذي لا تكون فيه مع أسرتها، يبدو أنها تعزهم بحق

يبتئس بعد موجة الصراخ الناتجة عن لعبة القطار اللولبي، حديقة الألعاب، مكان مزعج لكنه مناسب لإذهاب الأحزان بالنسبة للناس الطبيعيين، هو أيضا عليه الاعتياد على الأماكن العامة، عليه أن يكون شخصا طبيعيا

يأخذ نفسا عميقا، صحيح أنه مليء بدخان السيارات وروائح الأكلات الزيتية، إلا أنه حينما يمر عبر القنوات التنفسية ليدخل الرئتين لتمصها البصيلات ناقلة إياه للدم الذي يجري في عروقه ويمد القلب بالطاقة ليضخ كمية أكبر، كل هذا يمده بإحساس فريد، يشعر أنه حي

يوم آخر يضاف إلى عمره، ينهض فيه قادرا على استخدام كامل أعضائه دون أي عطب يصيبها، يجد الأكل والشرب، لديه سقف يحميه، وتقابله زقزقات العصافير لا أصوات القنابل وصداها

لن يجرأ ويقول أنها نعم بسيطة، بل هي أعظم ما قد يملكه المرء، فحتى لو فقد جزء منها فيكفيه أنه لا زال يملك قلبا نابضا وروحا حية، لا زال يملك فرصة لتحسين حياته وتغييرها نحو الأفضل

وسط شروده يرسم ابتسامة حملت بعضا من السخرية، السخرية على حاله الماضية التي كان عليها قبل عام من الآن، متقوقعا بين أربعة جدران وأطياف الماضي تنهشه، بل هو من كان ينهش نفسه

لا ينكر أخطاءه وذنوبه، جريمته أيضا، لا زال يدركها جيدا، لكن ليس لدرجة الجنون، هو من الجنس البشري، وهذا الجنس معروف بأخطائه، فلا ضر من التوبة، وبدء صفحة جديدة

وهابه بدأ صفحته الجديدة بفضل أحدهم بعد الله تعالى

يبتسم متأملا ضياء التي انتهت من لعبة القطار، تتقدم نحوه بدوار، تبدأ في الثرثرة معربة عن تعبها، يسمعها ليلقي بعضا من الجمل في محاولة لإزعاجها بشقاء

لكن سرعان ما يلقي نظرة جانبية على صاحب الحقيبة الرياضية، رجل يرتدي قبعة ونظارات سوداء واقف عند إحدى الزوايا، لاحظ وجوده منذ اللحظة التي أتوا فيها إلى هنا، يسير في نفس محيطهم، وكأنه يلاحقهم

– ذؤيب أنظر من هناك!

تهتف بها ضياء المؤشرة لمجموعة شابات يحطن بإحدى الطاولات، تتوسطهن رؤى معطية ظهرها لهما، ترتسم على محيا ضياء ابتسامة شقية، لتتسلل نحوها لتدغدغ خصرها

أتعبث معي؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن