مُقدّمَة

318 10 2
                                    

لا إلَه إلا أنتَ سُبحانَك إنّي كنتُ مِن الظّالمِين

---

حدَث ذلِك قبلَ عامَين، عندَما استغفلت إيف ماغريل أهلَها في عطلة "الكريسماس" التي ذهب الجميع فيها إلى إحدى المدن في رحلة، لتستقل وحدها طائرة أخذتها إلى الجانب الآخر، إلى حيثُ يعيشُ شقيقها المنبوذ.

حطّت طائرتُها في المطار، ومِن هناكَ ركِبت الحافِلة التي ستُقلّها إلى البلدَة التي يقطُن فيها شقيقُها الأكبَر الذي هجَر مسقطَ رأسِهِ مذ بلَغ الرابعة والعشرين من عمُرِه.

لاحظت في طريقها بعضَ مظاهر الاحتفال بالكريسماس، مما استعجبته وأدهشها كثيرا، فهِي ومنذُ أسلَمَ شقيقها رفض رفضا قاطعا أن يحتفل معهم بأي شكلٍ من أشكالِه، وتذكر -رغم صغر سنها آنذاك- أنه قال لأهله جميعا:

"هذا يومٌ يُعصى فيه الله الواحد الأحد، ويُنسَب إليه فيه الولد سُبحانه وتعالى، أي ظلم قد أظلم به نفسي عندما أوقعها في شرك خرجتُ منه برحمته ولُطفه؟ اعلموا أنني أتبرأ من هذا كله، ولن أهنئ أحدا، كما لن أستقبل تهنئة من أحد!"

تذكُر كيفَ ثارت ثائرة والدتها، وهي أكثرهم التزاما بدينها؛ فقد كانت تحافظ على الذهاب إلى الكنيسة بانتظام، وتؤدي شعائرها بخالص الإيمان بمعتقداتها، وكيف كره والدها ذلك، لا لشيء إلا لأنّه رآه منه تشددا، فهو ورغم أنه متدين، لكنه منفتح أكثر من زوجته، بل وتراه يميلُ أن يكون علمانيا، ويفصل الطقوس التي يحضرها مع زوجته في الكنيسة من حين لآخر عن حياته العملية وتوجهاته الفكرية والسياسية.

أما هي وألفريد شقيقها الذي يصغُرها بعامٍ ونِصف فلم يفهما شيئا.
غير أنها ومنذ ذلك الوقت... بل منذُ اعترَف لويس أنه مسلم بعدما اكتشفته والدته وهو يقرأ كتاب المسلمين سرّا في غرفته، منذئذ وهي تشعر أن حاجزا كبيرا يحول بينهم وبينه، كأنه كان ينفصل عنهم شيئا فشيئا، ولم يأخذ الأمر منه أكثر من سنتين وانتقل ليعيش وحده ثمّ سنتين أخريين ليترك البلد بأكملها مهاجرا -على حد قوله- إلى مكان يتنفس فيه طعم الحرية.

حرية؟

استعجبت حينها، وهل هناك بلاد أكثر حرية من بلادهم!

لكِنها مع مرور السنوات، بدأت ترى فيه الحرية التي كان ينشُدها، بدأت ترى روحه التي لازمها بهوت وفراغ كبير تُزهر وتتلون.. وتحيا!

وحينها فهمت أن الحرية التي كان يقصدها شقيقها ليست هي ذات الحرية التي تعرفها، غيرَ أنها لم تلتفت سوى إلى راحته وتغاضت عن كل شيء آخر.

رأَت بعض المحلات والمطاعم متزينة بزينة الكريسماس وبشكلٍ ما استاءت من ذلِك. لم تدرِ سببَ نفورِها بدَل أن تفرَح بهذا التسامُح من أهلِ البلَد مع دينها، لعلّ ذلِك بسبب شقيقها الذي كان يُوضّح لها دائما تناقُض المُسلِم الذي يحتفِلُ بعيد من يراهُ كافرا.
لذلك حالما رأت محلات أخرى عادية بل ومقاطعة لهذا الاحتفال بكل اعتزاز، شعرَت بشيء من السرور. كانت تتضادّ مع نفسِها، وهي تدرِي ذلِك، لكن لم يسعها سوى الشعور بهذا.

أركان [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن