|01|

157 10 0
                                    

سُبحان الله وبحمدِه، سُبحان الله العظيم.

---

كانت ملامِحُه الأجنبِية تميّزُه عن رجالِ البلدَة، فلا يراهُ أحدٌ إلا وعلِمَ أنّه مِن بلادِ الغرب. رجُل بشعرٍ أشقَر مجعّد في دوائر تلمع تحت ألسنة الشمس وعينينِ خضراوَين تذوبُ فيهما نظرة دافئة تُخفي وراءها نوعا من الفراسة والفطنة المتّقدة، بشرته قمحيّةٌ تميلُ للبياضِ ولحيَتُه أفتحُ لونا من شعرهِ بقليل.
وجعلَه جلُوسُه بينَ صديقيه اللذين يحملان ملامِح أهل المنطقة يبرزُ أكثر. ليسَ وكأنّه يسعى لإخفاء نفسِه، لكِنّه لا يُحبّ أن كلّ من يمُر بهِ لا بدّ وأن يُبحلِق فيهِ، ولا يكرَهُ ذلِك من الرجال قدرَ ما لا يريحُه أن تفعلَه النساء.

ارتشَف مِن الشاي بالنعناعِ مركّزا انتباهَه على صديقِه صبرِي، الرجُل الذي لا يجلِسُ معهُ إلا ويجِدُ نفسهُ منجذبا وإياهُ إلى حوارٍ طويلٍ وحافِل، بينما على الجانِب الآخر كانَ أيسَر، صديقُه الآخر، يجلِس صامتا متأملا كعادته، يرمي أذنه إلى حديثهما تارة، وحينَ لا يجِدُ لكلماتهما صدى في عقلِه ينزوِي إلى أفكارِه التي لا يعلمُ ماهيتها أحد.

-أنا لا أفهَم ما تقول!

علّق أركان وقد كان يتحدّث عربية فصيحة، فبعدَ أن أسلم قبلَ أحد عشر عاما بدأ يتعلّمها ليتمكّن من فهمِ دينه وكلامِ ربّه، ومع اختلاطه بالناس هنا، أصبح يفهم بعض الكلمات من لهجتهم أيضا، غير أنّه كثيرا ما لا يستوعب ما يقال، خصوصا وأنّ اللكنات تختلف والكلمات مع كون الكثير منها عربية لكِنّ نطقها ينحرِف بطريقة عجيبة.

واستجابة لتعليقِه، بدأ صبرِي يدمِج كلمات فصيحة وسَط حديثَه حتى يلتقِطَ صاحبُه المعنى، لكِن ولأنّ بصرَه كان يميلُ كثيرا إلى بابِ "مركزِ النوى" على الطرف الآخر من الشارع، استوقفتهُ نظراتٌ خجولة لامرأة نحوهم، أو بالأحرى، نحوَ صاحبِه الأجنبي!

-هل تعرفها؟

وبذلك لم يتمالك نفسَه عن السؤال حالَ أدرَك أن أركانَ رآها، ولأنّ الأخير أدرَك أنّ لا مناصّ من الإجابة أدلى بها بهدوء:

-نعم.. ألسنا جيرانا؟

-ولماذا لا تأخُذ الخطوة إذن، ألم تكُن تبحثُ عن زوجة؟

استنكَر عليه صبرِي، ألم يكُن يريدُ أن يتزوج وقد باشر منذ مدة البحث عن امرأة تناسبه؟ فما بالُه ينظُر بعيدا وفتاة جميلة ومحتشمة كهذه قريبة منه؟

-أنا لا أناسبها، ولا هي تناسبني، ليسَ فيها ما أبحثُ عنه.

كانت هذه إجابته المقتضَبَة، مع عدَم إعجابٍ واضِح بمسار الحديث. وصحيح أنّه يبحثُ عن زوجة وأن تِلك الجارة تستوفي بعضَ معاييرِه، لكِنّه يملِكُ سببا يحجرُه عن السؤال فيها؛ أنّ عينَها طامعة، لا بمالٍ أو بيتٍ، فهِي تعرِف حاله مما تراه من سكناهُ للشقة التي تجاور شقة أبيها، لكِن لطمَعِها في هجرة!

أركان [✓]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن