سقطت كما تسقط الأرض تحت الأقدام، ثقيلة لا تُحتمل، تجرّ معها كل شيء. وكل شيء كان يتداعى في تلك اللحظة. مات سليم بين يديه، ومات معه جزء من روحه، جزء كان لا يُفارق قلبه. كان قاسي، ذلك الرجل الذي اعتاد أن يحمل هموم الحياة كلها على كتفيه، ينكسر في لحظة واحدة. كيف لهذا أن يحدث؟ كيف لرجل في مثل سنه أن يواجه الموت بهذه الطريقة، وسط عجزه، وسط تلك الفجوة الهائلة التي ابتلعته؟كان يراه يتنفس بصعوبة، وكان يضغط على صدره، وكأن يديه، اللتين لطالما حملتا أبناءه، لا تقدر على حمل هذا الألم. كان قلبه يتوقف مع كل زفير يخرج من صدر سليم، وكأن الزمن قد توقّف ليعاقبه على عجزه.
كيف للوالد أن يتحمل فقدان ابنه؟ كيف له أن يتحمل رؤية جسده الصغير وهو يبتعد عن الحياة؟ كان قاسي يُحدق في وجه سليم، وتلك العيون التي لطالما ملأت البيت بهجة، كانت تغلق ببطء، وكأنها تقول له وداعًا دون كلمات. لم يكن هناك مكان لهذا الألم في العالم، ولا مكان لهذا الفراغ الذي أصبح يضغط على صدره، وكأن كل هواء الكون قد اختفى منه فجأة.
"سليم!" كان يناديه بصوت مكسور، وكلما نطق باسم ابنه، كان يشعر بأن قطعة من قلبه تتناثر وتبتعد عنه. كيف يمكن لرجل أن يتصور أن جزءًا من حياته قد يرحل بهذه الطريقة؟ كيف يمكنه أن يرى ابنه أمامه وهو يغادره إلى الأبد؟ كيف له أن يحتمل هذا الجرح الذي لا يندمل؟
كانت يده ترتجف، وأصابعه تبحث عن حياة في جسد ابنه، كأنها تريد أن تزرع فيه جزءًا من نفسه، ولكن الجسد كان باردًا، والعينان اللتان طالما كانتا تلمعان بالحياة، أغلقتا إلى الأبد. قاسي كان يشعر وكأن روحه قد تمزقت، وكأن العمر الذي قضاه مع سليم قد انتهى في لحظة واحدة.
وفي تلك اللحظات، شعر كأن الأرض تتشقّق تحت قدميه. كان يفكر: "كيف سأعيش الآن؟ كيف سأحتمل أيامًا من دون سليم؟" لقد كان قلبه يصرخ، ولكنه كان عاجزًا عن التعبير، كانت الكلمات تموت في حلقه. كلما حاول أن يتنفس، كان الهواء يثقل صدره، وكلما نظر إلى سليم، كان يشعر بفراغ لا يمكن تفسيره، فراغ لا يمكن لأي شيء أن يملأه.
في أعماق قلبه، كان يعلم أن جزءًا منه قد مات مع سليم. ألم الفقد كان عميقًا جدًا، وكأن جزءًا من نفسه قد اختفى في اللحظة التي أغمض فيها سليم عينيه. كانت الذكريات التي عاشاها معًا تلوح أمامه، ولكنه كان يدرك في تلك اللحظة المرة أنه لا شيء يمكن أن يعيده. كيف لرجل مثل "قاسي" أن يقبل أن الحياة ستستمر من دون ابنه؟ كيف له أن يمشي بين الناس ويبتسم، بينما قلبه محطم، بينما روحه مجروحة؟
عندما مات سليم بين يديه، مات معه الأمان. مات معه الأمل. توقف الزمن في تلك اللحظة، وأصبح "قاسي" يعيش في عالم مختلف، عالم لا مكان فيه للفرح، عالم مليء بالظلام، حيث لا شيء يلامس قلبه سوى الوجع. لقد مات سليم، ومات معه جزء من روحه.

أنت تقرأ
فيكتوس رياليس
Fantasyماذا لو كانت الصداقات التي نسجناها في أحلامنا، ليست مجرد أحلام؟ ماذا لو كانت تلك العوالم التي تخيلناها، موجودة بالفعل؟ وماذا لو كنا جزءًا منها؟ أسئلة لطالما راودتني، وأجوبتها ربما كانت أكثر ظلمة وأعمق مما توقعت أفكاري كانت دوامة سوداء، تجرني إلى أع...