سبعَة عَشر

884 81 167
                                    







ورُود الرَبِيع تفتَّحت و هلَّت معهَا السعَادَة و الحُبُور ، و بينَ بتلاتِها خُبِئَت حيَاةٌ كامِلَة حاكَتهَا البهجَة






أقدامُهُ غامِسَةٌ في الرِمَال الرطبَةِ و يلفَحُها المَوجُ و الزبَّدُ بينَ الحِين و الآخر ، تنهِيدَةٌ مُرتاحَةٌ غادرَت صدرَهُ الضيِّق و أعيُنَه الداكِنَة اللامِعَة لا تُبارِحُ مَطرَحَ الشَمسِ ، حيثُ أنَّ الشمسَ لا تُشكِّل لهُ ما يعترِفُ بِه الجُغرافِيُون أو ما يُؤمِنُ بِه الفلَكِيُون كَانت أعظَم مِن ذلِك !
الشمسُ هِي رمزُ البدَايَةِ لكُل إنسَانٍ أرَادَ أَن يبدأَ مِن جديدٍ فتلهمِهُ أشِعتُها مَا لم تقدِر الكُتُب كَافة على إلهامِهِ إيَّاه ، الشَمسُ هي الهَاجِس الأولُ الذِي يجعَلُ من البَشَري إنسانًا بحَق ، إذ لا تطلق لفظةُ الإنسانِ على البشري فقط لأنه اشترك بالحاجات الفيزيولوجيةِ مَع الآدميين ، بَل يكُونُ البشَرِي إنسانًا حِين يتصِّفُ بالإنسَانِية التِي يَستقِيها مِن شُعاعِ الشمسِ ، وَ لو إِرتكَبَ الإنسَانُ جرمًا فِي حياتِه فَإنّ أوَّل ما يُعاقَبَ بِه هُو زجُّهُ فِي السِجنِ و حِرمَانِه مِن نُور الشَمسِ ، وكَأنَّهَم أقسَمُوا عَلى يحرِمُوهُ من البِدايةِ تِلكَ التِي يَحلُمُ بِها أيُ إنسانٍ منذُ نعُومَة أظافِرِه .








و بينمَا يُراقِبُهَا أحسَّ جيسُونق بتقُوسَات الحيَاة الغَيرِ ملمُوسَة تعبَثُ برُوحِهِ راغِبَةً بالتجَاوُز و البدءِ ، أحسَّ بأنَّ الحيَاة إستحقَت فُرصَةً ثانِيَة خاصةً بينمَا هُو الآن مغمُورٌ بالنِعَمِ أوَّلُها دندَنَةُ المُغنِي خلفَهُ " ملاكِي فالتجلِس الطعَام جاهِز " نادَاهُ للمرَّة الثالثَة غيرَ أنَّ عقلَهُ كان تائِه تمامًا كنظراتِه التِي لم تُفارِق خطَّ البحرِ ، كَان البحرُ يصعُبُ تمييزُهُ عن السمَاء ، بإستثنَاء أنَّ البحرَ كان مُمَوجًا كخصلاتِه الحرِيرِيَة ، الضوءُ البُرتقالِي الفاقِع تدرِيجيًا إزدَاد سُمكُهُ معَ إزدِيادِ وتِيرَة الأمواجِ التِي أصدرَت صوتًا يستطِيب لأذُنِ السامِع كترانِيم الملائِكَة و الرِياحُ تتابعَت فوقَ الأسطُح مُتسابِقَةً ، حامِلَةً رائِحة زبدِ البحرِ و برِيق الأمَل







قاطَع شرُودَهُ الأيدِي الصُلبَة التِي أحاطتهُ رافِعَةً إياهُ عن الأرضِ ليبتسِمَ بخُفُوتٍ لرُؤيةِ إبتِسامةِ مِينهُو بالِغَة الوَسعِ ، كَان لامِعًا و مُشرِقًا بالفِعل و الإبتِسامَة لم تزِّد طلَتَهُ البهِيَة إلَا حُسنًا مُنحنِيًا مُقبِلًا خدَّ صاحِب الخدَينِ السمِينينِ المُحمرَينِ الذِي شدَّ قمِيصَ الأطوَل خِشيَة السقُوط ، ماشِيًا حتَى وضعَهُ علَى الأرِيكَة الواسِعَة فِي المطعَم الفاخِر المُقابِل للبَحر " أُنادِيكَ مُنذُ دقائِقَ ، أينَ كان عقلُ جمِيلِي ؟ " سألَ مُغازِلًا الأكبَر الذِي إزدادَ رِقَّةً مُؤخرًا " كَان خلفَ البَحر " ليضحَك مِينهُو طابِعًا قُبلَةً أُخرَى علَى خدِّ المُحامِي ، لم يكُن بحاجَةٍ للقلَقِ بشأنِ أنظارِ الآخرِين فالمَطعَمُ كَان محجُوزًا كُلَّهُ خصِيصًا ليومِهمَا المُميَّز الذِي لتوِّهِ بدأَ








sinner | misung حيث تعيش القصص. اكتشف الآن