°°{1}°°

311 27 28
                                    

الفصل الأول بعنوان [ بداية ]
____________________

في تلك الغرفة الواسعة، التي تتمتع بطابع فيكتوري
عتيق، بداية من الأثاث و إنتهاءً بالفساتين، تسلل ضوء شمس الصباح لِيُنِيرَ أرجاء المكان، محاولا إخفاء الكآبة التي تعتليه، آملا في إشعال شعلة أمل و لو كانت ضئيلة بقلبها، غير أن الشمس بحد ذاتها لن تستطيع إنارته.

تقف هي على الشرفة التي تطل على حديقة القصر الخلابة، المليئة بزهور الأوركيد الزرقاء، و زهور التوليب بمختلف ألوانها، و زهور الياسمين، تلفت الأنظار بألوانها الجذابة لتعطي لوحة فنية تفوح بعبق الجمال و الإلهام، تنبعث رائحتها الطيبة برقة و نعومة، كأنها لحن عذب يتغنى بإيقاع الطبيعة، تملؤها الحيوية و الجمال. بينما الرياح تداعب شعرها الحريري الطويل ذو اللون البني كالكستناء، يتأرجح بنعومة وأناقة كأنه يرقص مع لحن الهواء، تتلألأ خصلاته بإشراقة تعكس جمال الحركة و رونق الطبيعة المحيطة، يبدو فستانها الأبيض الطويل كفساتين العصر الفيكتوري كقطعة فنية تنبض بالأناقة والفخامة و الذي يبرز أنوتثها، حين تلامسه الرياح يرقص القماش بخفة مع كل نسمة، مضيفًا لمسة من السحر والجمال إلى إطلالتها، يتأرجح بأناقة وسحر، مثل رقصة خفيفة ترافق خطوات الطبيعة. كالزهرة التي ترقص مع نسمات الهواء، مضيفًا جمالًا وسحرًا إلى اللحظة، مَانِحًا إياها شعورا بالحنين، الحنين إلى الأيام الخوالي، أخذتها الرياح في رحلة عبر الذكريات، رحلة إلى الأيام التي كانت سعيدة بها؛ عفوية بتصرفاتها؛ صادقة بكلامها، لم تكن وقتها تحمل أيٌَة هموم، غير آبِهَةً بالمستقبل. سوى شيء واحدٍ كان يشغل تفكيرها، "نيكولاي"، أخوها غير الشقيق، أخوها الذي لم يتم العشرين من عمره عندما رحل لحماية بلده طواعية، أخوها الذي يخدم بالجيش، كانت قلقة تجَاهَهُ، فهي لن تتحمل الحياة من دونه، أخوها الذي كان سندها طيلة حياتها، داعما قراراتها مدافعا عنها، قد رحل بعيدا، لكنها لم تنساه يوما، فقد استمرت طيلة فترة خدمته ترسل الرسائل له، و هو بدوره لم يبخل بطَمْأَنَتِهَا عن أحواله، ساردا لها عن وقائع عمله و المواقف التي تحصل له، فمنذ اليوم الذي ذهب فيه و هي تعيش في قلق دائم.

مدت يدها لتتحسس القلادة الفضية التي تحاوط عنقها، تلك التي أعطاها إياها أخوها يوم رحيله إلى الجيش، تلك القلادة التي أهْدَتْهَا له والدته المتوفية و التي لم ينزعها يوما؛ يتدلى منها صليب صغير مُرَصَّعٌ بالألماس، فقد كانت والدته من عائلة متدينة أَرْثُوذُوكْسِيَّةٍ، متشددة نوعا ما، كان يعتز بها بشدة، فقد كانت تعيد له ذكريات طفولته، المرات التي كان يذهب بها إلى الكنيسة رفقة والدته، و تضرعها أثناء صلاتها إلى حد البكاء، آمِلَةً أن تحصل معجزة إلهية تنقذ حياتها من المرض الخبيث الذي أصابها فَجْئَةٍ، لم يكن يفهم سبب بكاء أمه، لم يكن يعلم بمرضها حتى، و حتى لو كان يعلم، طفل بالسادسة لن يعرف شيء عن الموت و الحياة...

غير أن صلواتها لم تجدي نفعا، فقد غادرت هذا العالم في نهاية الشتاء من تلك السنة، عَمَّتْ وقتها الكآبة قصر عائلة "سِيمِيرْنُوفْ"، فقد كان "أَلِكْسَنْدَر سِيمِيرْنُوفْ" الذي يكون والد "نيكولاي" يحب زوجته كثيرا، كان زواجهم عن حب، فمنذ اللحظة التي وقع نظره عليها أحَبَّهَا؛ و عَشِقَهَا، و هي بدورها وقعت في هُيَامِه؛ سحرتها عيناه الزرقاوتين التي تبدو كأنها جزء من السماء، تزوجا بعد شهرين من ذلك رغم قِصَرِ المدة من تعرفهما، و كذلك رغم صغر سنهما، كانا وقتها يَبْلُغَانِ السابعة عشر من العمر، لم تعارض عائلتيهما الزواج، كون أن كلاهما من عائلة نبيلة، أنجبا "نيكولاي" في السنة التي تليها، تربى في ظل أسرة تمنحه الدِفْئِ و الحنان اللازم كأي طفل آخر، و ربما أكثر، لكن... السعادة لا تدوم للأبد، فبعد أربع سنوات، أصيبت السيدة "صُوفِيَا" والدة "نيكولاي" بسرطان الرئة، و استمرت في المعاناة لمدة سنتين حتى فارقت الحياة، لم يستطع السيد "سيميرنوف" انقاذ حياتها رغم كل محاولاته البائسة.

تزوج بعدها بنهاية نفس السنة بسبب اصرار والده، لم يُحَبِّذْ ذلك الزواج أبدا، و لم يرغب به، لم يستطع أن ينظر لأَيَّةِ فتاة أخرى بعد زوجته، و حتى بعد زواجه، لم يدخل في علاقة مع زوجته الثانية قَط، إلا لمرة واحدة، و قد كان السبب أنه كان مخمورا بعد شربه لبضع زجاجات فودكا، و قد نتج عن هذا حمل زوجته الثانية، و ولادتها لِ "سيبيلا".

تذكرت حينها "سيبيلا" وعدها لأخيها "نيكولاي"، أنها لن تخلع تلك القلادة أبدا إلا في اليوم الذي يعود فيه، لتعيدها إلى مالكها الأصلي، لكن يبدو أنها ستخلف ذاك الوعد...

_____________

يُتْبَعْ..

عدد الكلمات: 660 كلمة

تَآلُفْ آلْأَروَاح // A harmony of souls حيث تعيش القصص. اكتشف الآن