"عيد ميلاد تعيسا ً"

12 2 1
                                    

                            3
              "عيد ميلادٍ  تعيسا "
بزغ فجر اليوم الثامن من شهر أكتوبر،  لأعيش الخريف الثامن عشر من عمري فاليوم يوم مولدي، لابد أن أقضيه بمفردي كعادتي، محاطة بشتى أنواع الهدايا التي لن تستطيع أن تجعل ثغري يبتسم صدقاً, بل سأبتسم مراعاة لجهد والدي في انفاق ماله قصد اسعادي, يا ليته يعلم فقط انني اكتفيت .
بينما كنت أمشّط شعري وأطالع ملامح وجهي في المرآة طرق باب غرفتي واستأذنت ماري للدخول , ماري صديقتي الوحيدة ,رغم رفض والدي لصداقتنا فهي احدى خدم المنزل ، الا اننا نتسارك الكثير .
"هل يمكنني الدخول سيدة "هانا"؟"
"أكيد هلُّمي الي " أذنت لها قائلة .
"لقد جلبت لك هدية بسيطة لعيد ميلادك سيدتي أتمنى أن تعجبك "
أخبرتني بينما تضع يديها خلف ظهرها مخفية شيئا ما خلفها .
فرددت مطرقة :"أولا ,لا سيدة ولا آنسة, دعينا نبدأ من هنا ,نادني هانا, والدي ليس بالجوار لذا لا تقلقي و تجاهلي الألقاب ...ثم انني متأكدة أن هديتك ستروقني فأنا أتوق للبساطة فعلاً"
ابتسمت ونطقت :"هي مصنوعة يدويا بكل حب"
وأظهرت بين يديها منديلاً طرزت عليه زهرة أقحوان المفضلة لدي,وكتب عليه اسمي بخيط ذهبي لامع .
لم أستطع كبح دموعي التي سقطت على وجنتاي دون أن أشعر وصرخت بعد أن حضنتها:
"لم أتلقى هدية بهذا الاهتمام من قبل قط, شكرا لك "
غمرني السرور والفخر لأن ماري صديقتي ماهرة في التطريز أنها تهتم بي وتشاركني قصصها ,كانت ماري تزورني بحجة ترتيب الغرفة وتقصّ  على مسامعي تاريخ غرامها و قصتها الحزينة ,كنت أشعر بالأسى لأن قصة حبها انتهت بفراق مؤسف لكنني لاحظت دائما أنها تخبرني بكل تفصيل عنها بعينين لامعتين وابتسامة لطيفة ,بدت مستمتعة جدا بسرد ذكرياتها تلك ,فشعرت بالأسى على نفسي لأنني لم أعرف يوما شعورا كشعورها فلا يسمح لي حتى بأن أحظى بصديق .
عندما غادرت ماري الغرفة انزويت على نفسي مجددا  وبدا المكان شاحبا ,كنت أقرأ كتاباً حتى سمعت صوت قطرات المطر من النافذة , وضعت الكتاب من يدي واقتربت الى النافذة وضللت أحدق  ومنظر هطول المطر يحرك مشاعري ,بدأت تتساقط دموعي بغزارة تماماً كالمطر ,انا اليوم ابلغ الثامنة عشر من عمري وكل سنة تمر تزيدني دهرا من الوحدة .
والدي الآن في رحلة عمل منذ شهر أنا لا أرى وجهه الا في أحيان قليلة ,عندما يحدث أمر طارئ, وأمي الآن مع أختي الكبرى في السوق, كل همها إرضاء سيدات المجتمع لضرورة حفظ صورتنا العائلية وصيانة لقبنا ,فاللقب والثراء هما أهم عنصرين في حياة النبلاء . لم أرد يوما أن اولد في طبقة راقية وعائلة غنية لا تعرف الحب. أردت أن أكون حرة مثل المطر. هكذا يتساقط في كل مكان ويعطي للأرض حياة . أردت ذاك حقا ,أنا فتاة رقيقة القلب واجتماعية المعشر ولكن لا أحد يرغب بالتحدث معي خوفا من والدي ,لقد قطع آخر صداقة لي بشكل فضيع. جعل الجميع يتفادى ويتحاشى الاحتكاك بي و هذا يزيدني وحدة .
قطع حبل أفكاري حجر قُذف الى النافذة , تفاجئت و قمت مسرعة لأرى من الذي تعمد رميه, كان فتى أشقر  طويلا, عندا رأى وجهي رمى حجرا آخر .ركزت على ملامحه وتذكرته ....كان الفتى الذي أخبرني  أنه يبحث عن آلفرد في اليوم السابق ,ذلك المشاغب اللامبالي ,كان يضحك بشكل مجنون ,فصرخت قائلة :
"هل أنت معتوه؟ لما ترمي حجراً الى النافذة, ماذا لو أصابني "
تبللت كل ملابسه بالمطر ولا يزال واقفا مكانه,يبدو كبطل الروايات الرومنسية التي أقرأها لكنني لا اعرفه ,صرخ باسمي فتجمدت مكاني ,ثم أردف قائلا بصوت مسموع :
"هل تودين الهروب في رحلة ؟ ارمي شعرك من النافذة الآن "
اتسعت عيناي استغرابا ممزوجا بالفرح .انا أريد القفز الآن لكن الي اين ولماذا ؟ وكيف يعلم أنني كنت بحاجة الى مشهد كهذا اليوم بالذات .....

رسائل هانا الى آلفريد Hanna's letters حيث تعيش القصص. اكتشف الآن