20.1

16 1 0
                                    

تقولين لي أنك تخافين الحب، لماذا تخافينه يا صغيرتي؟ أتخافين نور الشمس،
أتخافين مدَّ البحر،
أتخافين طلوع الفجر،
أتخافين مجيء الربيع،
لما يا ترى تخافين الحب؟
أنا أعلم أنّ القليل في الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير، نحن نريد كل شيء، نحن نريد الكمال.
لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة.

أنت يا مي كنز من كنوز الحياة، بل وأكثر من ذلك، أنتِ أنتِ،
وإني أحمد الله لأنك من أمّة أنا من أبنائها ولأنك عائشة في زمن أعيش فيه، كلما تخيلتك عائشة في القرن الماضي أو في القرن الآتي رفعت يدي وخفقت بها الهوا كمن يريد أن يزيل غيمة من الدخان من أمام وجهه،
يا مي،
يا ماري، يا صديقتي.
وها أنا أضع قبلة في راحة يمينكِ، وقبلة ثانية في راحة شمالكِ، طالبًا من الله أن يحرسك ويبارككِ ويملأ قلبكِ بأنواره، وأن يبقيكِ أحب الناس إلي.

هل تعلمين يا صديقتي أنني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية والأنس والطمأنينة، وهل تعلمين بأنني كنت أقول لذاتي هناك في مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا قد دخلت الهيكل قبل ولادتها ووقفت في قدس الأقداس فعرفت السر العلوي الذي تخفره جبابرة الصباح،
ثم اتخذت بلادي بلادًا لها وقومي قومًا لها،
هل تعلمين بأنني كنت أهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي كلما وردت عليّ رسالة منك؟
لو علمت لما انقطعت عن الكتابة إليّ وربما علمت فانقطعت وهذا لا يخلو من أصالة الرأي والحكمة.

-من رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادة.

مقتطفات من عالم الشعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن