2

836 72 30
                                    

في نفس تلك الليلة، عجّ منزل لينكون بضجيج الأسرة الممتع، لا تجتمع عائلته و عائلة البيتا ألبرت إلا قليلا بسبب مشاغل الحياة و هذه كانت إحدى تلك الليالي.

وضع كل من جين و راندال و معه اخته أكاليا أطباق الحلويات في طاولة غرفة المعيشة، كان لينكون و رفيقته مع ألبرت و رفيقته أوكتيفيا يناقشون تفاصيل حفل الغد، في حين كانت ليليث الابنة الصغرى للبيتا ألبرت و أوكتيفيا جالسة على إحدى الأرائك مع ابن خالها الأصغر آرزيك يأخذان رأي بعضهما في ملابس سهرة الغد و هما ينظران للصور على هاتفها.

جلس راندال يتحدث مع جين غير مدرك أنه حاز على الانتباه الكامل لأختها التي أطفأت هاتفها فقط لتستمع لما يقول، إلا أن آرزيك لاحظ الأمر، و كم يتمنى داخله لو تتوقف أكاليا عن مهما كان ما تفعله بما أنه ليس رفيقها.

أصبح راندال في الرابعة و العشرين من العمر و حقيقة أنه لم ينظر لها يوما بطريقة مغايرة للطريقة التي ينظر بها لأخته تقول الكثير… هي ليست رفيقته و هو مصرّ على انتظارها بدل العبث مع الأخريات، و خصوصا ابنة عمته.

راندال:
-” أنا لا أفهم جين، أنتِ بالفعل تملكين شهادة جامعية و تديرين الكثير من المستشفيات. لمَ ترغبين بتعلّم صناعة الأدوية السحرية أيضا؟".

جين:
-” لقد أعطت إيلين قائدة السحرة صلاحية تعلّم الجرعات و الأدوية لبعض من غير السحرة بما أن أي أحد يستطيع طبخهم، أنا أستوفي كل الشروط لأحصل على الصلاحية بالإضافة إلى أنني أرغب في خلافة أمي في وزارة الصحة، شهادة صناعة الأدوية و الجرعات تلك ستعزّز موقفي و جدارتي بالمنصب".

-” و لمَ تضييع عام من الدراسة خارج القطيع و عامين آخرين في التدريب هنا، يمكنكِ طلب منصب خلافة والدتكِ الآن".

جين و هي تضيّق على عينيها بشك:
-” أتلمّح أنني كبرت في السن بما أنني شارفت على الخامسة و الثلاثين؟".

قلّب راندال عينيه:
-” تعرفين أنني لا أقصد ذلك كما تعرفين أن استعمالكِ لهذه الحيلة من أجل تغيير الموضوع انتهت صلاحيتها".

دخلت ليليث المحادثة من أجل دعم موقف أختها قائلة:
-” دعها تفعل ما تشاء دال. أيضا، قد تجد رفيقها هناك، من يعلم".

أجابها راندال و هو يمد يده ليأخذ قطعتي شكولاطة من المائدة:
-” أنا لا أضغط أو أمنعها مما تريد، فقط أعطيها رأيي حول الموضوع. أرى أن الأمر مجرد مضيعة للوقت، و أرى أنكِ منضبطة فوق اللازم أيضا".

هكذا يفعل دائما، يجيب ليليث باختصار قبل أن يغيّر دفّة الحديث أو يتحدّث مع غيرها في أسرع وقت ممكن، يبدو أنه يعرف بما تحاول فعله و يحاول إجابتها بكل الطرق غير الحديث.

جين:
-” و السبب؟".

راندال و هو يمد لها يده ليعطيها قطعة شكولاطة بينما يدفع الثانية في فمه:
-” اه، دعينا نرى، أنتِ لم تتخرجي من الجامعة سوى قبل سنة مضت و ذلك لإصراركِ على أخذ شهادة الدكتوراه، ثم دخلتِ مجال العمل مباشرة و ها أنتِ تصرين على الدراسة من جديد".

جين:
-” ربما تكون محقا، لكني لا أرى مشكلة في ذلك".

رفع راندال أكتافه بلا مبالاة:
-” افعلي ما تشائين، تعرفين أنني سأدعمكِ مهما كان قرارك".

جين:
-” ليتك تدعم قرار أختك في الدراسة خارجا مثلما تدعمني يا ابن الخال".

راندال و قد تغيّرت تعابيره تماما:
-” إلهي، ألن نتخلّص من هذا الموضوع؟، أكاليا لن تخرج من القطيع، نقطة و انتهى. بربك جين، أنتِ بالغة و ترغبين في الدراسة خارج القطيع فقط بينما هي مراهقة تود الخروج من البلاد بأكملها، لا تملكان نفس الموقف بتاتا. إنها مجنونة مراهقة تبحث عن أي شيء يجلب المشاكل، لن أدعمها في هذا أبدا".

جين:
-” لعلمك فقط، أكاليا لم تعد مراهقة، ستكون في العشرين من عمرها بعد أيام قليلة".

راندال:
-” و ماذا في ذلك؟، لا تزال تفكر كالأطفال".

أكاليا بملل:
-” أنا لا أفكر كالأطفال دال، و سأخرج من البلاد… بموافقتك أو دونها".

نظر لها راندال و كاد ينفجر من الضحك، هي نسخة مصغرة من والدتها ما عدى شعرها الحريري الأسود، إلا أن أوجه الشبه تنتهي هنا. ترتدي منامة ميكي ماوس بينما تضع صينية الفشار في حجرها و تأكل دون توقف.

أشار راندال لها بيديها ليستصغر منها بينما يجيب:
-” أشغلي فمك بالفشار بدل الكلام و دعي الكبار يتحدثون".

هذا ما لفت انتباه لينكون أخيرا و جعله يتوقف عن الحديث عن الحفل من أجل منع شجار قادم بين الإخوة:

-” راندال، توقف عن معاملة أختك بتلك الطريقة. أكاليا، لا خروج من البلاد، ستسجلين في الجامعة التي درس فيها أخاك و ابنة عمكِ جين، لا كلام غير هذا".

فتحت أكاليا فمها لتعاند لكن والدها استوقفها… قطعا و بجدية هذه المرة:
-” لا حجج و أسباب أكاليا، لن تكوني وحيدة فليليث لا تزال تدرس هناك. ابحثي عن أمر آخر يسلّيك بدل فكرة الابتعاد عنا".

استدار من أجل استئناف حديثه مع ألبرت و أخته و رفيقته، هنا لاحظ ملامح سارة المتهجمة و الرافضة تماما لما قاله.

-” ماذا الآن؟".

سارة:
-” متى تنتهي عطلة استراحتك لتبدأ العمل في المجلس؟، أرى أن كل هذه المدة من الراحة أثرت على تفكيرك السليم".

إن كانت سارة تقصد إهانته بكلماتها فقد نجحت فعلا، لكنه لن يظهر غضبه أمام أولاده و أخته و رفيقها الآن، لهما غرفة تجمعهما.

أضافت سارة بعد أن هدأت نبرة صوتها قليلا، دائما مندفعة في كلامها و لا تندم إلا بعد فوات الأوان:
-” ألا ترى أننا نقيّدها بشكل كبير؟، جميعنا نملك حياة بعيدا عن بعضنا. أنا و أنت و أوكتيفيا و ألبرت و حتى راندال نملك ما يشغلنا، جين تركض وراء طموحاتها دون فرامل و كلنا ندعمها، ليليث لا تعيش إلا ليومها و لا أضنها تملك أي خطط لمستقبلها و لا أهداف غير عدم الرسوب في الجامعة و الخروج منها في أسرع وقت".

نظرت سارة لها تقول بهدوء:
-” لا أقصد الإهانة ليليث".

رفعت ليليث يدها بعلامة السلام بينما تتصفّح هاتفها تقول:
-” لم أعتبرها كذلك، و أنتِ محقة في كل حرف قلتِه بشأني".

كان ذلك بمثابة تأكيد على ما قالته سارة، أردفت بعدها:
-” لكن أكاليا لا تملك أي خطط و لا أي مشاغل بعيدا عنا، و ذلك ليس رغبة منها بل لأننا نمنعها".

اقتربت سارة من رفيقها تقول بنبرة هادئة كليا أملا في توصيل فكرتها:
-” نحن نمنعها من البحث عن ذاتها لينكون، أعرف أن رغبتها سخيفة كليا و دون أيّ معنى بالنسبة لنا لكنها رغبتها هي، دعها تحلّق".

تنهّد لينكون و قال بعد ثوانٍ عديدة:
-” سأفكر بالأمر مليا".

نظرت له سارة كأنها تجد صعوبة في منع نفسها من تقبيله الآن أمام الجميع، إلا أنها التفتت لمن قال صارخا:

-” حقا؟".

كان القائل أكاليا هذه المرة، لم تكن مهتمة أصلا بالمحادثة كونها ضنّت أنها ستصل لطريق مسدود ككل مرة لكن الآن...

-” هل ستفكر بالأمر حقا أبي؟".

اندفعت نحوه لاحتضانه بينما يقول كي لا ترفع من آمالها:
-” ستكون جامعة خارج البلاد لكنها ستكون من اختياري أنا، لن أقبل بغير هذا… هذا إن وافقت على ابتعادكِ عني".

أخيرا أظهر لينكون سبب رفضه للأمر من البداية على العلن، لم يكن السبب لأن رغبتها سخيفة و لا لأي شيء آخر عدى أنه لا يرغب في ابتعاد ابنته المدلّلة عنه، و أيضا لأن فكرة مكوثها لمدة طويلة خارج نطاق سلطته ترعبه.

أجابته أكاليا و هي توزع القبلات على وجنتيه و جبينه:
-” أي شيء تقوله أبي، أي شيء".

رفعت سارة حاجبها لابنها راندال الذي يبدو أنه سيعترض عن الأمر، استسلم الأخير لنظرة والدته يقول:
-” أنا لن أتدخل في هذا بعد الآن، إنها مسؤوليتكما وحدكما".

وقف ليخرج لكنه استدار قبل ذلك لأخيه يقول:
-” لكنني أضع عيناي عليك، ما إن تكمل الثانوية حتى أزيد من ساعات تدريبك، لن أنتظر حتى تكمل الجامعة".

أرزيك و هو يرفع كلتا حاجبيه استغرابا:
-” أنا؟، و لمَ هذا؟".

راندال:
-” قد لا تكون ألفا لكنه تحمل دماءه، ستكون البيتا خاصتي بعد نزال الألفا العام المقبل… لا نقاشات، لا تردّد. أعرف أنك لا تملك أي طموح لذا اعتبرني اخترت واحدا لك".

آرزيك:
-” تتحدث و كأنك فزت بالنزال بالفعل".

هو و جميع القطعان كذلك بالفعل، يتحدثون عن راندال كأنه فاز بالنزال و أصبح الألفا الملكي فعلا، الجميع يعرف مدى قوته و دهائه، يُشاع أن بعضا ممن يمتلكون الحق في المشاركة في النزال أنهم أعربوا عن رغبتهم في التنازل عن حقهم بدل العناء دون فائدة.

أكمل آرزيك حين رأى الإصرار على ملامح أخيه:
-” أنا بالكاد راشد، ثم ماذا حدث لكورنيال؟، كنت تتحدث عن رغبتك بتنصيبه بيتا لك طوال العامين المنصرمين".

راندال:
-” كورنيال متعلق بعمله بشدة لدرجة رفضه لطلبي مرات عديدة. هو يتدرّب منذ طفولته من أجل منصب قائد حرس الحدود، لن أمنعه من عيش طموحه الآن".

أكاليا:
-” لكنك تمنعني من عيش طموحي أنا، يا للعجب".

نظر لها راندال كأنه لم يتوقع أن تنطق أصلا:
-” و قد حصلتِ عليه الآن، ماذا تريدين مني".

أخرجت سارة ابنها كي لا يبدأ هو و ابنتها في شدّ شعر بعضهما ككل مرة بينما أخرس لينكون ابنته التي تجلس أرضا أمامه، حاول و هو يمسح على شعرها أن يجعلها تفهم طبيعة شخصية أخيها. هو يعرف تلك الشخصية جيدا لأنه كان يملكها ذات يوم، راندال يفضل مشاجرة أخته على التعبير عن خوفه عليها.

هو يملك نفس النفسية المعاقة التي كان يملكها والده قبله، على الأقل مشكلة راندال أقل حدة من التي كان يملكها والده، على الأقل هو يعرف ما يشعر به و يفهمه تماما، هو فقط يغلق عليها و يضيّق دائرة الأشخاص الذين يعبر عن مشاعره أمامهم، كانت منذ صغره و لا تزال تحتوي على أربعة أشخاص فقط، والداه و عمته و رفيقها، هؤلاء فقط من يكون راندال شفافا أمامهم.
.
.
.

أغلقت سارة باب غرفتها و أمسكت بيد لينكون قبل أن يذهب للاستحمام كما قال، ذهبت عائلة البيتا و ذهب كل أولادهم لغرفهم… حان وقت سماع العتاب و الاعتذار، هي تدرك تماما أنها تستحق كل كلمة توبيخ ستسمعها منه الآن.

توقّف لينكون، لكنه لم يستدر لها أيضا، بالتأكيد سيكون غاضبا و مستاءً منها. لم تكن تقصد ذلك، أخبرها أن تتصرّف بأريحية معه دون قيود حين يكونا لوحدهما و أن تعامله كألفا في وجود الجميع، لكنها تجد صعوبة في تطبيق ذلك، تجد صعوبة في التفريق بين رفيقها و ألفا القطيع، لطالما كان رفيقها و قائد القطيع معا منذ أن رأته أول مرة.

اقتربت لتمسك يده بيديها الاثنتين تدعك أصابعه، أخفضت رأسها ترفض رؤية الألم على ملامحه و هي تعرف أنها السبب الرئيسي فيها. غضّت شفتها السفلية بندم بينما تحاول جاهدة انتقاء كلماتها لتعتذر، ليتها تنتقي كلماتها معه على الدوام و ليس فقط بعد الندم.

-” أنا حقا آسفة و بشدة، أقسم أنني لم أقصد التقليل من شأنك و لا إهانتك".

تعرف أنها لا تحتاج للقسم كي يصدّق ندمها، هو يشعر به حتما ما دام رفيقها، هو يشعر بندمها و خوفها و ارتباكها انتظارا لردة فعله، يسمع دقات قلبها المتسارعة كما تسمع هي خاصته، إلا أن تسارع نباته كان غضبا و ليس توترا كما يحصل معها.

لم يقل شيئا، ذلك يعذبها أكثر. لا تزال ترفض النظر لوجهه لذا لا تعلم ما يشعر به، هي تخاف معرفة شعوره حقا. في الحقيقة هي تعلم تماما ما يشعر به لأنها تشعر بذلك أيضا… هي تشعر بألمه لكنها تكذّبه أملا ألا يكون حقيقيا. بلّلت شفتيها و عادت تعضّ على شفتها حتى كادت تدميها:

-” لا أعذار هذه المرة، لن أقول أنني كنت غاضبة أو مضطربة أو أيا من ذلك، لا شيء يبرّر ما فعلت، و لا شيء يجعلك تقبل اعتذاري، لكنني أعتذر على أيّ حال".

تشجّعت هذه المرة و اقتربت منه حتى أسندت جبينها على أعلى صدره، ابتلعت ريقها قبل أن ترفع رأسها نحو أذنه مغمضة العينين لتهمس بالاعتذار من جديد. وضع لينكون يداه على كتفها ليبعدها، للحظة كادت تنهار ظنا منها أنه يتجاهلها قبل أن يضع يده على ذقنها ليرفع وجهها مقابل وجهه. سمحت له بذلك لكنها لا تفتح عينيها حتى بعد ذلك، لا تزال دقات قلبه متسارعة و لا يزال غاضبا لذا عليها توقّع أي شيء… أي شيء غير تقبيل خدها.

فتحت عينيها مجبورة مبهورة بما فعله، وصُدمت أكثر حين رأته يبتسم.
-” أخبريني مجددا لمَ نظّمتُ احتفالا بلمّ شمل قطيع ذئاب الجبل؟، أحتاجكِ لتذكيري كل فترة من أجل تحمّل كل النفاق الذي سأتلقاه من الكثيرين غدا".

جرّب لينكون الصمت العقابيّ معها سابقا حين طردت وفد مصاصي الدماء دون إذنه، كان هو من استدعاهم سابقا من أجل أمر ما لكنها لم تكن تعلم. هو يعرف أنها لم تفعلها إلا لخوفها الذي لم تتخطاه بعد منهم لكن لم يكن عليها التصرّف من عقلها دون علمه حتى. لم تعد بعدها تفعل أي شيء يخص العمل أو القطيع دون الرجوع إليه.

أما الآن فهو يجرّب طريقة أخرى، طريقة أن أسامحكِ و أتظاهر بالنسيان و التعامل كأن شيئا لم يكن. كانت هذه أكثر قسوة بكثير، خصوصا و هي تشعر بأطنان من الذنب بالفعل.

حضنه حين شعرت بذنب مضاعف، كان السبب أنها تريد إخفاء دموعها عنه، هي لا تبكي إلا نادرا و لا تفعلها إلا حين تكون وحيدة لكنها لم تتحمّل الأمر الآن، تعرف أنه يعرف… لكنها ترفض تركه يرى دموعها.

بادلها لينكون الحضن بعد لحظات، لم تعد نبضاته سريعة و لم يبدو على حركة الغضب، يبدو أن شعوره بألمها أنساه ألمه تماما.

-” لا بأس، فلننسى الأمر الآن".

كن يحرك يده على طول ظهرها و بيده الثانية يمسح على شعرها، إنها حركته في التخفيف عن أكاليا و ها هو يستخدمها مع رفيقته. دفعها عنه ليمسح دموعها و ينظر لوجهها، حاولت سارة إبعاده لأنها تعتقد أنها تصبح بشعة حين تبكي لكنه رفض تركها.

-” أعرف أنكِ تشعرين بالذنب و متأكد أنكِ لن تعيدي الكرّة. المهم أنكِ اعترفتِ بخطئك، لننسى الأمر، لا أحب الإطالة في الاختلاف معك".

عاد يحتضنها و يوزّع القبلات على جبينها للحظات، أبعدها عنه و وضع وجهها بين يديه، انخفض لمستوى طولها و قال بابتسامة واسعة:

-” إذا، ذكريني بسبب وجوب حضوري الحفل".

ضحكت سارة رغم دموعها تجيبه بنبرة مختنقة من البكاء:
-” لأنك من نظّمته".

-”أجل، كان ذلك خطئا فادحا. كان يجدر بي ترك جونو ينظّمه بنفسه في قطيعه، هو من لمّ شمله في النهاية".

نست سارة ما حدث بينهما سريعا لتنخرط في محاولة تغيير رأيه:
-” القطيع مشتّت لأكثر من خمس عشرة سنة بسبب ألفاهم السابق، ابنه جونو و رغم سنه الصغيرة إلا أنه أمضى سنواته الخمسة الأخيرة يجمع كل أفراد قطيعه الذين تحوّلوا لذئاب ضالة و إقناعهم بمحاولة بناء القطيع من جديد".

-” أجل و لذلك كان عليه الاحتفال بانتصاره بنفسه".

-” بربك لينكون، لقد قلت بنفسك قبل أسبوع مضى أن لا قطيع من باقي القطعان سيعترف به إن لم تضع له اعتبارا بنفسك. هذا الاحتفال سيُعلم باقي القطعان أنك ضممت قطيع ذئاب الجبل من جديد للمملكة و بشكل رسمي و أنك راضٍ عما فعله جونو، ذاك وحده ما سيجعل ألفا القطعان الأخرى تحترمه و تعترف به حقا دون مجاملة و نفاق".

-” جونو لا يحتاج لحفلي من أجل اكتساب الاحترام، هو اكتسبه من أفراد قطيعه برد كرامتهم، و كسبه من باقي القطعان بقبضته. عدم تخلي جونو عن القطيع رغم أن البيتا فعل يدل على أنه ألفا حقيقي، لذا هو يستحق هذا التكريم".

نظر لينكون لسارة و يبدو غير راضٍ عما سيقوله بتاتا:
-” يستحق أن أتحمل نفاق الآخرين و عباراتهم الكاذبة لمدة خمس ساعات متواصلة".

ضحكت سارة بخفة و عادت تعانقه بخفة، ثوانٍ و زالت ابتسامتها حين سألت:
-” أتعتقد أن راندال سيحظى بنفس الاحترام الذي يكنه قطيع جونو له؟".

قطب لينكون حاجبيه:
-" لمَ تقولين هذا؟".

-” راندال يضغط على الأوميجا من أجل دفعهم لرفع مستوياتهم، لكن مشكلة عدم تعبيره عن مشاعره للغير تظهر أنه يكرههم".

-” ما تقولينه سخيف حبيبتي".

-” لا، أمعن في الأمر قليلا. يدفعهم ليتمرنوا أربع ساعات إضافية عن بقية المراهقين، يمنع عنهم المنحة الدراسية حتى لو كنوا متفوّقين و هو يعرف تماما مشاكلهم المادية، ثم قراره الأخير بطرد كل من وصل لسن الثالثة و العشرين ولا يزال أوميجا… أرى أنه تمادى في الأمر كثيرا".

-” بالطبع لن أسمح له بطرد أي أحد خارج قطيعي، هو يعرف تماما أن لا قطيع سيقبل بهم بعد ذلك… سيصبحون ذئاب ضالة إن فعل. أظنه قال ذلك فقط لتخويفهم لا أكثر".

ابتعدت سارة عن حضن رفيقها و جلست على أحد المقاعد في غرفتها في الوقت الذي دفعت لينكون فيه ليجلس على الكرسيّ المقابل.
-” المجلس الأعلى يسمح لك بإدارة الأمور حتى بعد تعديك السن المطلوب، و يسمح لراندال بتولي الأمور معك حتى قبل النزال أيضا. ذاك يعني أنهم راضون عنه تماما لكن علينا معرفة نيّته بذاك القرار حقا، علينا معرفة لأيّ مدى قد يصل راندال من أجل تصفية القطيع من الأوميجا".

-” حسنا، سنحدثه بشأن ذلك بعد الحفل".

غيّر دفّة الحديث حين ابتسم و مدّ يده لرفيقته التي التقطتها دون مماطلة، دفعها لتجلس على ركبتيه قائلا:
-” لا أزال أعجز عن التوقّف عن الابتسام كالأحمق في كل مرة أتذكّر حين ظهرت غيرتكِ عليّ".

قالت سارة تنكر كل شيء:
-” لا أتذكر أنني شعرت بالغيرة في الأيام الماضية".

طبع لينكون قبلة على شفاهها:
-” لا تمثلي الغباء سارة، ذاك اليوم في قاعة الرياضة، بعد اجتماع المجلس معنا و راندال، لا يمكنكِ نسيان ذاك النهار، كان المجلس يناقش احتمالية تنصيب راندال ألفا ملكي دون الحاجة للنزال، و راندال قد وافق بأعجوبة على ذهابنا بسيارة واحدة".

أصرت سارة على النكران لذا قرّر إشعال فتيل غيرتها حين قال:
-” الفتاة صغيرة لكنها كانت جميلة بحق".

نجح، كان يعرف أنها لن تصرّ على عدم تذكّرها أكثر، نظرت له كأنها تقاوم فكرة إحراق المنزل و هو داخله:
-” كانت تبدو بعمر ابنتك لينكون، كيف نظرت لها بتلك الطريقة".
-” تتذكرين إذا".

أخذ يلاطفها ليخفّف من حدة انفعالها:
-” تعرفين أنني لن أنظر لأيّ أنثى غيركِ مهما كانت".

طبع قبلة على فكها:
-” أردت فقط قول أنني فرحت جدا حين فعلتِ، لا أتحدث عن صفعكِ للفتاة الصغيرة و إنما لشعوركِ بالغيرة… لا أتذكر آخر مرة أظهرتِ فيها غيرتك".

دعمت سارة موقفها قائلة:
-” لا أتذكّر آخر مرة حاولت فيها امرأة التغزّل بك".

ابعد وجهه عنها ليرى تعابيرها بينما يصنع تعابير الغضب، لكن سارة استطاعت رؤية لمعة عينيه المستمتعة:
-” أتقولين أنني فقدت سحري على النساء؟".

-” أقول أنني لم أفقد سحري في إرعاب النساء و تهديدهم إن حاولن الاقتراب منك".

***

ملامح هادئة، ابتسامة رسمية خفيفة، عيون تنظر للفراغ. هكذا كانت تبدو هيثر من الخارج… من الخارج فقط.

داخليا كانت المشاعر تتخابط، لم يسبق لها أن رأت حدثا كهذا من قبل، لم يسبق أن حضرت حفلا كهذا، حسنا هي لم تحضره حرفيا و إنما هي مجرد نادلة فيه.

الزينة فاخرة، راقية، أنيقة و الحديقة جميلة بشكل خيالي. الحضور كان شيئا آخر تماما، حرفيا لم يسبق لها الشعور بكمية الهالات القوية التي تشعر بها في الجو الآن، لم يسبق أن تجمع الألفا و البيتا و الغاما في مكان واحد و كانت هي داخل تلك المنطقة، الملابس الفاخرة الباهظة لنسائهم و زينتهم الماسية جعلتها تشعر أنها غير مرئية و لن تكون يوما، إلا أنها تفضل الموت على إظهار ذلك، تفضل الموت على إظهار شعورها أنها أقل قيمة من البقية، حتى لو كانت مجرد نكرة بزيّ نادلة.

رأت انعكاسها على المرآة في الحمام قبل قليل، مظهرها كان لا بأس به. اللباس موحّد للخادمات و النادلات هنا، قميص أبيض بنصف كم، سروال كلاسيكي أسود ضيق بعض الشيء و حذاء رياضي أبيض. لا يسمح بارتداء الكثير من مساحيق التجميل، و لا يسمع بعدم ارتداء أي منها أيضا، حتى درجة حمرة أحمر الشفاه موحدة هنا، أحمر تنبيذي و لا شيء غيره.

لا يسمح للعاملات و النادلات بغير تسريحة ذيل الحصان المنخفض، و لأن هيثر تملك شعرا أسودا قصيرا فكانت الخصل على مقدمة شعرها لا تصل لتربطها برباط الشعر خلفا لذا سرّحتها خلف أذنها و ثبتتها بدبابيس شعر.

هيثر ليست بالرفاهية التي تمكّنها من شراء مساحيق التجميل لذا حين وضعتها اليوم بدت أجمل من أيّ يوم و أكثر ثقة بنفسها، بدت لنفسها بسيطة… أنيقة و جذابة.

قوانين العمل الليلة كانت دقيقة واضحة، ابتسم بخفّة و رسمية، انظر في وجه من يطلب خدمة، لكن لا تحدّق و لا تطل النظر، لا تمشي بمهل و لا تسرع أيضا، لا تكثر الكلام، أكثر من عبارات من فظلك... بعد إذنك... حاضر سيدي. عيناك على الأرض، كن خادما محترِما و محترَما في ذات الوقت، ذاك لأن احترامك لذاتك من احترامك لرب عملك.

عملها كبائعة في البقالة يستوجب كونها ودودة صدوقة، عملها كبائعة في الصيدلية يستوجب كونها عطوفة حنونة و صبورة، عملها كخادمة تنظيف في منزل البيتا في قطيعهم يستوجب كونها شبه خفيّة... أن تختفي أثناء التنظيف و تكون حاضرة أثناء الطلب.

أما هنا فيجب أن تكون محترمة ساكنة، عملية، لا أقل و لا أكثر من اللازم. العملية أقل من اللازم ستسقط من شأنها و بالتالي من شأن رب عملها، تصرفها بعملية أكثر من اللازم سيجعلها ستبدو وقحة و ذاك سيحرج رب عملها أيضا… رب عملها هنا هو الألفا الملكي نفسه، ليس أيّ أحد. لم توضع هيثر في موقف هكذا من قبل، لذا عليها التركيز بشكل كبير.

بعد حوالي ساعة من بدأ الحفل امتلأت الحديقة و أصبح العمل أكثر كثافة، في ذاك الوقت لمحت هيثر الألفا الملكي و رفيقته يلفّون المكان و يرحبون بكل الحضور، لم تستطع إلا أن تحاول الابتعاد قدر الإمكان عن أي مكان يتموضعان فيه، لم تستطع فعل شيء حيال احمرار خدها خجلا مما حصل ذاك اليوم و خوفا من تذكّرهما لها في حال رأياها أيضا.

عادت ذئبتها لإنذاراتها الكاذبة بشأن رفيقها، و عاد أنفها يشم تلك الرائحة الزكية التي لا تقاوم في الجو أيضا، لكنها عزمت على البقاء ساكنة، لن تسمح لنفسها بوضع نفسها في مواقف محرجة مرة أخرى.

توقّف طلب الحضور للمشروبات و غيرها حين دخل سبب هذه الحفلة من الأساس… جونو كاردينال ليسكان.

شعر أسود حليق كخاصة الجنود في الجيش، ندوب وجه عديدة… من المؤكد أنه يحمل المزيد منها تحت تلك البدلة السوداء. عيون بنيّة حادة، يمشي بطريقة تجعل المرء يفكر أنه على وشك لكم أحدهم و أخيرا… فليلعن الرب أي أحد يقول أنه غير وسيم رغم كل شيء.

يقال أنه الوحيد الذي استطاع إعادة لم شمل قطيعٍ بعد تشتيته، يقال أيضا أنه حصل على احترام الناس له و على مكانته بقبضته و لا شيء غيرها، بنيته الضخمة تدلّ على أنه رجل لم يعرف سوى القسوة في حياته.

تم تشتيت قطيع ذئاب الجبل قبل سنين عدّة على يد الألفا نفسه، لم يكن ذاك الألفا الذي يفترض به أن يكون، كان شخصا قويا حقا لكن لنفسه فقط… على الأغلب ذاك سيكون حال قطيع هيثر بعد سنين قليلة إن بقيَ الألفا خاصتهم يدير الأمور بنفس الطريقة.

هيثر كانت صغيرة جدا لتفهم هذه الأمور لكنها فهمت من حديث العامة أن الألفا جونو – ابن الألفا السابق- أمضى حوالي ثلاثة سنين يحاول استعادة أراضي قطيعه و خمسة سنين أخرى في حمايتها من الاستيلاء و إعادة أفراد قطيعه لها، و نجح أخيرا قبل ثلاث سنين، الكثير يصفهم بقطيع الذئاب الضالة، لكن القليل فقط من يعتبر عمله ذاك عملا بطوليا شجاعا، قليل فقط من يعتبر أن جونو فعل ما يجب فعله أيّ ألفا لو كان مكانه… هيثر كانت من تلك الأقلية المعجبة بما فعل.

للحظة تمنّت لو كانت الحفلة داخل قاعة مع تدفئة، الجميع هنا إما ألفا أو بيتا أو غاما و أولادهم و رفيقاتهم لذا وقوفهم في القطب المتجمد لساعات لا يؤثر عليهم بشيء، لكن هيثر كانت أوميغا... أكثر الأوميغا ضعفا على الأغلب، هي لا تشعر ببرد لا يحتمل لكنه برد مزعج أيضا.

دخل جونو يصافح الألفا الملكيّ أولا ثم باقي الحضور من بعدها بينما هيثر تقدم نبيذا أبيضا لأحدى رفيقات البيتا الحاضرين، ألقى التحية على البيتا الملكيّ و رفيقته و ابنتيه، هيثر لم تلحظ وجود جين حتى تلك اللحظة و برقت عيناها شغفا ما إن فعلت، قد يرى الناس جين فقط لكن هيثر ترى شغفها، أملها و قدوتها في تحقيق مبتغاها.

لطالما ارتدت جين ملابس كالأميرات، أنيقة، محتشمة، و دون زينة مبالغ فيها. لذا كانت ترتدي فستانا أسودا مخمليّ بسيط لا يظهر ركبتيها، ضيّق من الأعلى و واسع من الأسفل، و دون أكمام، نصف سبب جاذبيّتها تكمن في شعرها الأحمر البراق الطويل.

كادت هيثر توقع الصينية من يدها حين شعرت بهيجان ذئبتها و لحسن الحظ لم تلوّث أحدا و لم ينتبه أي أحد للأمر، حصل ذلك مرة فقط، فقدت السيطرة على ذئبتها مرة حين ذهبت لقاعة رياضة اللونا الملكية سابقا و ها هي تحصل مرة أخرى… لكن هذه المرة كانت ذئبتها أكثر جنونا بكثير. الرائحة الزكية صارت أقوى، نظرت حولها لترى الألفا لينكون على وشك قول كلمته بينما يحتظن الألفا جونو من الجانب، ثم حدث ما جعل الوقت يتوقف بالنسبة لها…

دخل الحفلة يمسك بيد فتاة تبدو أقلا عمرا منه، و رغم أنها لا تشبهه كثيرا إلا أنه من السهل معرفة أنها أخته… دخل راندال لينكون بلاك... تلك هي نفس اللحظة التي عوت فيها ذئبة هيثر تصرخ بكلمة...

" رفيق".



__«___{^_^}___»__

الجيل التالي: من رواية ذئبي الأليفWhere stories live. Discover now