الفصل التاسع عشر
واقف قُدام بُرج عالي و عينيه على شقة إتفحَّمت، حاطت إيدُه في جيبُه و على عينيه إنعكاس لـ سواد كان شبَه السودا اللي سابتهولُه في حياتُه، عينيه كُلها جمود مش طبيعي، تربيت على كتفُه صحّاه من شرود في ماضي كان هيبلعُه! بَص لـ عابد بنظرات مافيهاش حياة، فـ قال الأخير بأسف:
- ماس كهرَبي ولّـ.ـع في الشقة كلها و للأسف هي كانت جوا، الـ .. البواب بيقول يعني إن كان في حد معاها، بس إحنا مش لاقيين الجُـ.ـثث خالص!بصلُه للحظات من غير ما يرُد، لحد مـ نطق بهدوء تام:
- الله يرحمهم!!وربّت على دراعُه بخشونة و قال:
- يلا .. تصبح على خير!!و ركب عربيتُه تحت أنظار عابد المصدوم في ردة فعلُه الهادية تمامًا!، ساق زين العربية بهدوء تام، و للحظة شرَد .. شرَد في طفل قاعد على كُرسي مربوط بيتفرج على كل ما هو قـ.ذر، بيتفرج بإشمئزاز لإنه لو بس لف وشُه هيضِّرب!! مشهد مُرعب بيلاحقُه من عشرين سنة! نفسُه إبتدى يعلى و مشافش العربية النُص نقل اللي جاية في وشُه ضاربة نور عمَى عينيه، و في آخر لحظة شافها .. حاول يتفاداها و نجح في ده في آخر لحظة، وقف على جنب صدرُه بيهبط و يعلى، نزل من العربية و سند عليها مميّل نِحيتها، حَط إيدُه على قلبُه و غمّض عينيه مافيش حاجه بتدور في دماغُه غير ليه .. ليه مكانش عندُه أم طبيعية!
للحظة حَس إنه لو فضل كدا هيتعب أكتر، ركب العربية و لف براسُه لـ ورا عشان يطلع من المكان ده، و لقى كيس مرمي ورا، داس على زرار العربية عشان يقفلها و مسك الكيس فتحُه، الكيس اللي إتجاب في اليوم المشئوم دة، فتحُه و إتفاجيء بـ قميص أبيض مع برفان بيحبُه جدًا و خاتم، إبتسم لما أدرك إنها كانت جايبالُه الحاجات دي، لقى كارت صُغير في الكيس فا قرأُه بصوت عالي و هو بيقول:
- القميص ده بدل اللي قطعتهولك، و البرفيوم اللي بتحبُه عشان بتاعك قرَّب يخلص، و بالنسبة للخاتم فـ ده عشان حسيتُه شخصيتك أوي، أنا بحبك يا زين، و عُمري ما هسيبك!!
الإبتسامة إترسمت على شفايفُه، و للحظة حَس إن كلامها كان بيطبطب عليه حتى و هي بعيدة، غمّض عينيه بيتخيل لو كان لقى الكيس دة بعد ما خسرها للأبد! بسُرعة نطق بجزعة قلب:
- بعد الشر .. ألف بعد الشر عليها! يارب إجعل يومي قبل يومها، مش هقدر أشوف فيها حاجه وحشة!!
إتنهد و رجع ساق بسُرعة مهولة للبيت، مش لـ الڤيلا .. لـ حُضنها! لما وصل ركن العربية و نزل منها و معاه الكيس، و لإن الوقت كان متأخر فـ لقى الڤيلا ضلمة، طلع على السلم لجناحُه و لما دخل لاقاها صاحية بتجوب الأوضة ذهابًا و إيابًا، أول ما دخل مشيت نِحيتُه و قالت بعصبية خفيفة:
- إنت كُنت فين! بكلمك و مبترُدش يا زين! يرضيك تعب الأعصاب اللي أنا فيها دي!- أحضُنيني!
قالها و هو بيرمي مفاتيح عربيتُه و الكيس على جنب، وقفت مشدوهة للحظات و هي بتتأمل مِحياه و الإرهاق اللي على وشُه، حسِت بـ قلبها مقبوض عليه، و متردتش في إنها تحاوط رقبتُه واقفة على أطراف صوابعها بتمشي بإيديها بحنان على رقبتُه من ورا، إتفاجإت بيه بيعـ.ـصُر جسمها في حُضن مكانش عادي، و كإنه بيخرّج كُل اللي واجعُه، قرّبت منه أكتر مغمّضة عينيها بتهمس بحنو:
- فيك إيه؟
