||3:دق قلب||

5 2 0
                                    

"‏إن شراستك كُلها إنما هي لإخفاء قلب هَش."
....

مرت لحظات طويلة قبل أن تصل إلى مكتب الطبيبة النفسية. كان الصمت يحيط بها كغيمة ثقيلة، وكأن خطواتها التي قادتها إلى هنا كانت تفرغ في كل خطوة من معانيها. تذكرت أنها قد تناست تمامًا زيارة الكنيسة، تلك الزيارة التي ادّعت لوالدتها أنها متحمسة لها. غمرها شعور بالذنب، لم يكن مجرد إحساس عابر؛ كان ثقيلاً، مؤلمًا، كأنه يقبض على صدرها ويخنق أنفاسها.

"أنا أكذب... كذبت كلياً"، تمتمت في سرّها، وشعرت بأن هذه الكذبة الصغيرة كانت أسوأ من أن تُغتفر. كان الأمر سيئاً... سيئاً جداً.

كانت شاردة لدرجة أنها لم تحيِّ أحدًا حين دخلت؛ فقط سارعت إلى قاعة الانتظار الخاصة بالطبيبة النفسية. جلست على مقعدها تعبث بهاتفها بلامبالاة، هزّت رأسها لمساعدة الطبيبة التي رحّبت بها بابتسامة سريعة، لكن سرعان ما أعادت بصرها إلى الشاشة. وضعت قدمًا فوق الأخرى، ويدها اليسرى تعبث بخواتمها ببطء، تنزعهم وتعيد ارتداءهم دون انتباه.

إلى جانبها، جلس هو على كرسيه المتحرك، يرتدي قبعته ونظارته التي غطت عينيه المتأملتين. بنظرة خفيفة، راقب شعرها الذي جمعته بطريقة تظهر ملامحها الحادة، وعينيها العسلية المركزة في الهاتف. لاحظ الطريقة التي كانت تعبث فيها بخواتمها، مستغرقًا بتفاصيلها الصغيرة. ابتسم قبل أن يشيح بوجهه عنها، يحاول كتم ابتسامة أبت أن تختفي.

في لحظة ما، ابتسمت بخجل وهي تستمع لأغنيتها المفضلة عبر سماعات الأذن، أغنية بوب صاخبة تحتوي على كلمات جريئة تسرّبت إلى سمعه، فابتسم متذكرًا تعليقها السابق عليه في أول لقاء لهما: "لا تشتم بجانبي!".

حاول أن يشيح بنظره، لكنه وجد نفسه يتابع حركاتها وتعبيرات وجهها المتغيرة. نظر إلى هاتفها بفضول، وسمح لنفسه بلحظة خاطفة من التطفل. لاحت في الشاشة كلمات من رواية رومانسية مشحونة بالعاطفة، فابتسم بعفوية أكبر، مغمغمًا لنفسه عن تباين عالميهما، شعر برغبة في أن يلفت انتباهها إلى المفارقة، لكنه تراجع، مكتفيًا بمراقبتها من بعيد.

بينما هي غارقة في القراءة، انتهت الرواية التي كانت تتابعها على هاتفها عند مقطع ملتهب:

"بعد أن أفرغت كل غضبها عليه، وصرخت بكلمات جارحة، سحبها بقوة ليضمها إليه، ثم قبلها بعمق، ليمحو بين شفتيه كل الكلمات المؤذية، تاركًا الحب وحده في المشهد."

Auguste winter|| شتاء أغسطسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن